للأطفال دومًا أسلوب خاص، وطرق سهلة وتصريح مجاني للدخول إلى قلوبنا والمكوث بها، بل ويكون وجودهم دائمًا مبعثًا رقيقًا للسعادة، ويمد الفرد شعورًا بالراحة والنقاء وفرصة لطيفة للتصرف بطفولية والاستمتاع بالوقت، ويُعتبر وجود الكبار وتصرفاتهم التي تصدر منهم مرآة لما سيصبح عليه الصغار، فهم يقلدون ما يصدر ممن حولهم ويكررون أفعالهم، ولكن، هل هذا هو العامل الوحيد المؤثر في تصرفات الأطفال؟
رغم أنه هو المؤثر الأقوى في تصرفات الأطفال، ولكن كذلك هناك عوامل أخرى يستمد منها الأطفال خبراتهم، وأفكارهم، وميولهم، ويستلهمون منه ما يمكن أن يبنوا عليه شخصياتهم في ما بعد، منها مثلًا وسائل الإعلام.
فوسائل الإعلام المختلفة كقنوات التلفاز، والراديو، والإنترنت، وألعاب الفيديو… إلخ. ومثلها من وسائل الإعلام الأخرى، كل تلك تؤثر على سلوك الطفل وعلى ميوله وتشكله حسب ما في مضمونها من أفكار وطرق. ولكن ماذا إن كان كل أو أغلب ما يتعرض له الطفل من وسائل إعلام تروج للعنف؟ أو أنَّ في محتواها عنفًا أو مشاهد عنيفة؟ كيف سيؤثر هذا على شخصية الطفل؟ خاصة وأنَّ أغلب المحتوى المقدم للأطفال يحمل بداخله بعض العنف؟
-
كيف تؤثر مشاهد العنف على نظرة الأطفال للواقع؟
هل سمعت من قبل عن “التفكير الأسود والأبيض – Black and white thinking”؟ تلك الطريقة من التفكير تعني التفكير في الأشياء من منظورين فقط، وهما الخير المطلق أو الشر المطلق، لا يوجد رمادي، ولا يوجد وسط، هذا بالضبط هو ما يمكن أن تفعله وسائل الإعلام المختلفة في طريقة تفكير الطفل ونظرته للأمور.
فالطفل بطبعه لا يستطيع معرفة الفرق بين الخطأ والصواب، كما أنه لا يستطيع الموازنة بين الأمور أو وضعها في نصابها، وأفلام الكرتون أو ألعاب الفيديو، التي تحتوي على مشاهد العنف تصور الشخصيات التي تقوم بالمشاهد العنيفة على أنهم أبطال أو أنهم أشخاص ذوو قوة مميزة، فلا يستطيع الطفل نتاج لذلك أن يشعر بسوء تلك الشخصيات.
ويرى الطفل هؤلاء الأشخاص طيبين ويتخذهم كقدوة له، كما أنها تقصِر نظرة الطفل للحياة على الخير والشر لا احتمالات أخرى، فبذلك تنقل له فكرة عدم الحياد وأنَّ الحياة فقط هكذا، أقصى اليمين أو أقصى اليسار، لا وسطية، فينظر الطفل للآخرين وأفعالهم وقراراتهم وآرائهم على أنها إما تحتمل الصواب أو الخطأ لا خيارات أخرى، فتجعل الطفل أكثر حدة، وأكثر عصبية، وأكثر تعنتًا، في حكمه على الآخرين. هل من الممكن أن يُقلد الأطفال ما يرونه؟
نجد إجابة هذا السؤال في فيديو نشره فريق من الباحثين في منتصف التسعينات، لأحد البالغين الذي أحضر دمية أمام مجموعة من الأطفال، وقام بالجلوس عليها، ولكمها على أنفها، وضربها بالمطرقة فوق رأسها، ثم قاموا بوضع هؤلاء الأطفال بداخل غرفة بها نفس الدمية ومعها دمى أخرى، وقد وجد أنَّ الأطفال قاموا باختيار تلك الدمية، وقاموا بتقليد ما رأوا الفتى البالغ يقوم به ويقلدون ما فعله بها، بل أنَّ هؤلاء الأطفال قاموا بإيجاد طرق جديدة في ممارسة العنف على تلك الدمية، وكانت أكثر عنفًا مما كان ذاك الفتى يمارسه عليها، فهم استحدثوا وأبدعوا في ممارستهم للعنف.
نستطيع إذًا أن نقول الإجابة بشكل صريح الآن، ألا وهي نعم، يمكن لوسائل الإعلام التي تحمل رسائل العنف أن تجعل الأطفال يقلدونها، بل إنهم في معظم الأحيان يزيدون طرقًا جديدة على ما رأوه من عنف، ويحاولون أن يجددوا ويبدعوا، وتزيد من معدل ميولهم العدوانية وميولهم ناحية العنف وناحية ارتكابه في حق الآخرين، كما أنها تجعلها تبدو لهم وكأنه أمر بطولي في بعض الأحيان.
فتَعرّض الطفل لأفلام العنف، أو ألعاب الفيديو التي تحتوي على مشاهد عنيفة، تغير من أخلاقه وتصرفاته، وتؤثر في ميوله وتجعله يعتاد هذه المشاهد ويعتاد العنف، ومن ثمَّ، وبمرور الوقت يبدأ الطفل في وضع مبررات لعمليات العنف تلك، أو عمليات العنف التي يرتكبها هو أو يرتكبها بعض من هم حوله، وتجعله يقتنع بأنها الأكثر قبولًا في المجتمع، وأنها أسهل الحلول، ثم تجعله أقل تعاطفًا مع الآخرين، وأكثر عنفًا معهم.
ومن الممكن أن يضع مبررات للعنف حتى يثبت وجهة نظره، ويثبت أنه ليس بالفعل السيء لهذه الدرجة أساسًا، كما يكون أقل تقبلًا لآراء الآخرين، وأكثر اقتناعًا بأنه هو الوحيد ذو الرأي الصائب في الوسط الذي هو فيه وبأنَّ الجميع على خطأ، ولا يقبل الحياد في معظم الأوقات، ونجد أثر ما يستمع له الطفل، وما يلعبه في تعاملاته مع أسرته وأصدقائه، فمن الممكن أن يضر أحدهم في سبيل تجربة الحركة العنيفة، التي رآها أو أن يجرح مشاعر آخر، حتى يقول كلمة عنيفة سمعها وبها يصبح أكثر عنصرية.
-
ماذا عليك أن تفعل؟
من الممكن بمتابعتك لما يفعله الأطفال حولك خلف الشاشات أن تحجم من المشكلة وتجعلها أقل خطرًا وتستطيع حلها والتحكم فيها قبل أن تتفاقم، وتصبح أكثر تعقيدًا، وهنا نقدم لك بعض الحلول التي من الممكن أن تستعين بها في تعاملك مع الطفل:
1- ساعده على القراءة: فجعل الطفل يقرأ يساهم في تقليل مشاهدته للتلفاز، أو لعبه لألعاب الفيديو، كما تجعله أكثر انتقاءً لما يلعب، أو يشاهد فيختار العلمي، والمفيد منه فقط.
2- قلل من الإعلانات: استخدم البرامج، والتطبيقات التي تساهم في تقليل، أو حجب الإعلانات التجارية، والتي من الممكن ألا تكون مناسبة لسن الطفل.
3- حدد وقتًا: حدد للطفل الوقت الذي يستخدم فيه الهاتف، أو التلفاز، أو الوسائط المتعددة، واجعله يلتزم بالوقت الذي قمت بتحديده.
4- حدد ما يُعرض: راقب ما يُعرض للطفل ونوعه، وراقب القيم، والمبادئ التي تنقلها تلك الأشياء للطفل.
5- حدد العمر: لا تجعل وسائل الإعلام متاحة للأطفال دون سن سنتين، فغير أنها ترسل رسائل خفية، فهي كذلك تؤخر من نموهم اللغوي، وتجعلهم أقل تفاعلًا مع المجتمع.
6- حدد المكان: عليك بتحديد المكان الذي تُوضع فيه الأجهزة، التي يستخدمها الطفل للوصول لوسائل الإعلام، باختلاف أنواعها، فعليها أن تكون في مكان يمكنك رؤيته، وأن تكون تحت ناظريك باستمرار، كما عليك أن تراقب ما يتابعه الطفل.
7- وجِّه الطفل: عليك أن تتابع مع الطفل ما يتابعه وأن توجهه نحو السلوكيات المرغوبة فيما تشاهدونه وتنفّره من السلوكيات غير المرغوبة.
يمكنك كذلك أن تناقش الطفل في الأشياء والبرامج والألعاب التي يتابعها ويلعبها حتى تنمي من مهاراته العقلية والانتقائية، فيمكنك مثلًا أن تطرح على الطفل أسئلة متعددة مثل:
هل تعتقد أن مشاهدتك لهذا البرنامج أمر مفيد؟ ولماذا؟
هل تعتقد أنه برنامج/ لعبة/ فيلم جيد كما هو ظاهر في الإعلانات؟ أم يمكنك أن تنظر له بشكل مختلف؟
لماذا تحب هذه اللعبة/ أو هذا البرنامج بالتحديد؟
ما الذي تشعر أن ذلك البرنامج أو تلك اللعبة تساعدك في الوصول إليه؟
بهذه الطريقة يمكنك أن تحجم، أو تحكم طريقة تعامل الطفل مع وسائل الإعلام المختلفة، كما يمكنك معرفة ما يجول في خاطر الطفل، وما هي إرادته وميوله، وكيف يفكر، ويمكنك كذلك أن تنمي من طريقة تفكيره، وتغير من نظرته للأشياء، فمشكلة نقل العنف للأطفال وتعلمهم إياه، هي ليست بالمشكلة الهينة، فذلك النوع يكون في المستقبل أكثر شرًا، وأكثر تعنتًا، والتحكم في ما يقوم به الطفل منذ البداية، وتوجيهه للطريق الصحيح الذي يرغب الآباء في أن يسلكه الطفل.
ولكن هل لديك اقتراحات أخرى تعرضها علينا للتصدي لتلك المشكلة؟
شاركنا رأيك.
كتابة: أميرة يحيى
مراجعة: آلاء عمارة
تحرير: محمد لطفي