تأمل معبد الكرنك بالأقصر أكبر دار عبادة في العالم، أو تأمل الهرم الأكبر أحد عجائب الدنيا السبع، زر المعابد والمتاحف في مصر وخارجها، تأمل عظمة وجلال الفنون والعمارة حتى لتكاد الآثار أن تنطق في كبرياء من فرط العظمة. أقدم وأقوى الحضارات التي شهدها العالم القديم صنعت لنفسها تخصصًا في كتاب التاريخ حمل اسمها وهو علم المصريات، أم الحضارات “الحضارة المصرية القديمة”. في السطور القادمة نتحدث سريعًا عن مصر الفرعونية بدون فحص دقيق لتلك الحقبة، فقط لمحات سريعة. يُقسم تاريخ مصر إلى 30 سلالة أو أسرة (أحيانًا 31)، وُضع التقسيم على يد الكاهن المصري مانيتون (Manetho) الذي عاش خلال القرن الثالث قبل الميلاد.
يعود تاريخ الأسرات الأولى والثانية إلى حوالي 5000 عام وغالبًا ما تسمى فترة “الأسرة المبكرة” أو “القديمة”، كان الفرعون الأول من الأسرة الأولى حاكمًا يدعى مينا (أو نارمر كما يطلق عليه باللغة اليونانية) عاش منذ أكثر من 5000 عام، وبينما كان الكتّاب القدماء يُنسبونه أحيانًا لكونه الفرعون الأول لمصر موحدة، فإننا نعلم أن هذا غير صحيح حيث كانت هناك مجموعة من الحكام المصريين الذين سبقوا مينا، أحيانًا يشير العلماء إلى هؤلاء الحكام على أنهم جزء من “سلالة الصفر”.
عصر ما قبل الأسرات (حوالي 5000 – 3100 قبل الميلاد)
تم العثور على قليل من السجلات المكتوبة والقطع الأثرية عن تلك الفترة؛ كونها سبقت معرفة الإنسان للكتابة، وتمثل بداية استقرار المصري الأول في وادي النيل فعرف الزراعة. حتى حوالي 3400 قبل الميلاد كانت البلاد منقسمة إلى مملكتين منفصلتين: المملكة الأولى أو الأرض الحمراء في الشمال، والمملكة الثانية أو الأرض البيضاء في الجنوب.
بداية عصر الأسرات، العصر العتيق (3100 – 2686 قبل الميلاد)
بعد توحيده للمملكتين، أسس الملك مينا (Menes) الأسرة الفرعونية الأولى وأسس عاصمة مصر القديمة التي عُرفت باسم ممفيس في الشمال بالقرب من قمة دلتا نهر النيل، نَمت العاصمة إلى أن أصبحت مدينة كبرى سيطرت على المجتمع المصري خلال فترة الدولة القديمة.
شهد العصر تطور أسس المجتمع المصري بما في ذلك وضع بعض المفاهيم الهامة للملك بالنسبة للمصريين القدماء؛ فقد وصل تقديس الملوك إلى ما يشبه التأليه، كما كان معظم المصريين القدماء مزارعين، ويعيشون في قرى صغيرة، وقاموا بزراعة القمح بعد انحسار الفيضان وحصاده قبل ارتفاع الحرارة وموسم الجفاف، وشكلت الزراعة (القمح والشعير) القاعدة الاقتصادية للدولة المصرية، كما كانت الفيضانات السنوية لنهر النيل توفر الري والتسميد الضروري لكل عام.
عصر الدولة القديمة أو عصر بناة الأهرام (حوالي 2686 – 2181 قبل الميلاد)
عهد الملك زوسر الفرعون الأول للأسرة الثالثة إلى إمحوتب (Imhotep) المهندس المعماري بتصميم هرم جنائزي له، وكانت النتيجة أول بناء حجري في العالم وهو هرم في سقارة بالقرب من ممفيس وهو أقدم هرم عرفه التاريخ حتى الآن.
وصلت مهارة بناء الأهرامات إلى ذروتها مع بناء الهرم الأكبر في الجيزة للملك خوفو (Khufu) الذي حكم من 2589 إلى 2566 قبل الميلاد، وقد اعتبر المؤرخون القدماء الهرم الأكبر أحد عجائب العالم القديم، وقدر المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت (Herodotus) أن بناؤه استغرق 10000 رجلًا خلال 20 عامًا، خلفه كل من خفرع (Khafra) (2558 – 2532 قبل الميلاد) ومنكاورع (Menkaura) (2532 – 2503 قبل الميلاد) وحذوا حذوه في بناء الأهرامات.
تمتعت مصر خلال فترة الأسرة الثالثة والرابعة بالسلام والازدهار، حيث امتلك الفراعنة السلطة المطلقة وشكلوا حكومة مركزية مستقرة، لم تواجه المملكة تهديدات خطيرة من الخارج، بل زادت الحملات العسكرية الناجحة في الدول الأجنبية مثل النوبة وليبيا.
لكن مع صعود الأسرات الخامسة والسادسة، تم استنزاف ثروة الدولة بشكل كبير؛ يرجع ذلك إلى التوسع في بناء الأهرامات والمعابد للآلهة، كما ازدادت سلطة الكهنة حتى تفوقت على السلطة الحاكمة مما ساعد في إضعاف الدولة أكثر، وانتهت فترة الدولة القديمة بالفوضى.
عصر الاضمحلال الأول (2181 – 2055 قبل الميلاد)
بعد انهيار المملكة القديمة، كانت الأسرات السابعة والثامنة تتألف من تعاقب سريع للحكام في ممفيس حتى حوالي عام 2160 قبل الميلاد حتى انحلت السلطة المركزية تمامًا، فاندلعت الحروب الأهلية بين حكام الأقاليم وتعرضت البلاد للغزوات البدوية وانتشرت المجاعات والأمراض.
خلّف هذا الصراع انقسام الدولة مجددًا إلى مملكتين مختلفتين، الأولى مقرها في مدينة هيراكليوبوليس (Heracleopolis) حكمتها الأسرات التاسعة والعاشرة، والأخرى حكمها عائلة أخرى من الحكام المتمردين في طيبة. وفي عام 2055 قبل الميلاد تمكن أمير طيبة منتوحتب (Mentuhotep) من الإطاحة بهيراكوبوليس، ووحد مصر مرة أخرى معلنًا نهاية عصر الاضمحلال الأول وأسس الأسرة الحادية عشر.
عصر الدولة الوسطى (حوالي 2055 – 1786 قبل الميلاد)
بعد أن تم اغتيال منتوحتب الرابع انتقل العرش إلى وزيره الملك أمنمحات الأول (Amenemhet I) مؤسس الأسرة 12، وأنشأ عاصمة جديدة في جنوب ممفيس بينما ظلت طيبة محتفظة بمكانتها الدينية المرموقة خلال عصر الدولة الوسطى.
ازدهرت مصر مرة أخرى كما كان الحال في عصر الدولة القديمة، كما كانت عنيفة بعض الشيء مع جاراتها؛ فاحتلت النوبة (مع ثروتها من الذهب والخشب الأسود والعاج وغيرها من الموارد)، وتصدت لغزو البدو الذين تسللوا إلى مصر خلال الفترة الانتقالية الأولى، كما أقامت علاقات دبلوماسية وتجارية مع سوريا وفلسطين ودول أخرى، وشُيدت القلاع العسكرية وحُفرت المناجم للتعدين، وعاد إلى بناء الهرم في تقاليد المملكة القديمة.
وصلت المملكة الوسطى إلى ذروة مجدها في عهد أمنمحات الثالث (1842 – 1797 قبل الميلاد) ثم بدأ تراجعها تحت حكم أمنمحات الرابع (1798 – 1790 قبل الميلاد) واستمر التدهور بعدما خلفته شقيقته ووليته الملكة سوبكنفرو (Sobekneferu) (1789 – 1786 قبل الميلاد) التي كانت الحاكم الأخير في الأسرة الثانية عشرة.
عصر الاضمحلال الثاني (1786 – 1567 قبل الميلاد)
شهدت الأسرة الثالثة عشر فترة غير مستقرة في التاريخ المصري والتي فشل ملوكها في الحفاظ على قوة السلطة في أيديهم، ونتيجة لذلك تم تقسيم مصر خلال تلك الفترة إلى عدة مناطق للسلطة وتم نقل العاصمة ومقر الحكومة إلى طيبة.
حوالي عام 1650 قبل الميلاد استغل الهكسوس ذلك التدهور في البلاد واحتلوها، وتأثر الهكسوس بمظاهر الحكم في مصر وحذوا حذو سابقيهم من الفراعنة وحافظوا على التقاليد المصرية القائمة في الحكومة والثقافة، وتركوا الحكم في جنوب البلاد لحكام الأسرة السابعة عشر في مقابل انتظام دفع الضرائب للهكسوس. واندلع النزاع في نهاية المطاف وبدأت حروب التحرير ضد ملوك طيبة والهكسوس حوالي عام 1570 قبل الميلاد، أُختتمت بهزيمتهم شر هزيمة وطردهم من مصر على يد البطل أحمس.
عصر الدولة الحديثة أو عصر المجد الحربي (1567 – 1085 قبل الميلاد)
أسس أحمس الأسرة الثامنة عشر معلنًا نهاية عصر الاضمحلال، واستعادت مصر قوتها مرة أخرى، فاستعادت سيطرتها على النوبة وبدأت حملات عسكرية في فلسطين، واشتبكت مع قوى أخرى في المنطقة مثل الحيثيين (the Hittites) وأصبحت دولة عظمى واسعة الأركان وصلت إلى النوبة ونهر الفرات حاليًا .
يرجع الفضل لملوك أقوياء مثل أمنحتب الأول (Amenhotep I) (1546 – 1526 قبل الميلاد وتحتمس الأول (Thutmose I) (1525 – 1512 قبل الميلاد) وأمنحتب الثالث (Amenhotep III) (1417 – 1379 قبل الميلاد) والملكة حتشبسوت (Hatshepsut) (1503 -1482 قبل الميلاد) التي بدأت في الحكم كوصاية لابن زوجها الشاب، والذي تولى الحكم بعدها وهو أشهر وأقوى من حكموا مصر وأشدهم بأسًا على أعدائه وأشهر الحكام في التاريخ على الإطلاق الملك العظيم تحتمس الثالث (Thutmose III).
قام أمنحتب الرابع (Amenhotep IV) المثير للجدل (حوالي 1379 – 1362 قبل الميلاد) من أواخر عهد الأسرة الثامنة عشر بثورة دينية هدفها توحيد العبادة لرب واحد ألا وهو آتون (قرص الشمس) ضاربًا بكل الأعراف الدينية وبنفوذ الكهنة عرض الحائط، وأطلق على نفسه اسم أخناتون (Akhenaton) أي “خادم آتون”، وبنى عاصمة جديدة في مصر الوسطى تسمى أخيتاتون والمعروفة لاحقًا باسم العمارنة، تسببت هذه الدعوة في إحداث الفوضى في الدولة ولكنها لم تصمد طويلًا فعند وفاته عادت العاصمة إلى طيبة وعاد المصريون إلى عبادة العديد من الآلهة. شهدت الأسرات التاسعة عشرة والعشرون -والتي يمكن أن نسميها في هذا المقال الفترة الرمسيسية؛ نسبة لتعاقب مجموعة ملوك حملوا جميعًا اسم رمسيس- استعادة الإمبراطورية المصرية الضعيفة عدد هائل من المباني بما في ذلك المعابد والمدن العظيمة، وبحسب التسلسل الزمني للإنجيل يُعتقد أن عصر رمسيس الثاني هو عصر خروج موسى وقومه من مصر (1304 – 1237 قبل الميلاد).
دُفن حكام الدولة الحديثة (باستثناء أخناتون) في مقابر صخرية عميقة -وليس أهرامات- في وادي الملوك، وهي مجموعة مقابر على الضفة الغربية لنهر النيل مقابل طيبة والتي تم نهب وتدمير معظمها، باستثناء مقبرة وكنز توت عنخ آمون Tutankhamen) (1361 – 1352 قبل الميلاد)، التي اكتشفت سليمة إلى حد كبير في عام 1922م.
كما تم الحفاظ على معبد جنائزي بشكل جيد نسبيًا، وقيل إنه لآخِر ملك عظيم من الأسرة العشرين وهو رمسيس الثالث (Ramses III) (حوالي 1187 – 1156 قبل الميلاد)، مما يرجح أن عصره كان عصر رخاء تمتعت به مصر في عهده. خلّف رمسيس الثالث ملوكًا ضعافًا أقل نجاحًا؛ حيث خسرت مصر أراضيها فلسطين وسوريا للأبد وعانت من الغزو الأجنبي (لا سيما من قبل الليبيين) في حين كانت ثروتها في حالتها العادية ولكن استنزفت لا محالة.
عصر الاضمحلال الثالث أو الفترة الانتقالية الثالثة (1085 – 664 قبل الميلاد)
شهدت السنوات الـ 400 التالية -المعروفة باسم الفترة الانتقالية الثالثة- تغيرات مهمة في السياسة والمجتمع والثقافة المصرية، حيث تراجعت قوة الحكومة المركزية في حين استولى الأجانب من ليبيا والنوبة على السلطة.
بدأت الأسرة الثانية والعشرون حوالي عام 945 قبل الميلاد مع الملك شاشنق (Sheshonq) سليل الغزاة الليبيين الذين غزوا مصر في أواخر الأسرة العشرين واستقروا بها، كان العديد من الحكام المحليين يتمتعون بالاستقلالية تقريبًا خلال هذه الفترة. الأسرات 23 و24 لم يتم توثيق عهدهما بشكل جيد.
في القرن الثامن قبل الميلاد أسس الفراعنة النوبيون بداية من شباكا (Shabaka) حاكم مملكة كوش النوبية أسرتهم الخاصة -25- في طيبة، تحت الحكم الكوشي اشتبكت مصر مع الإمبراطورية الآشورية المتنامية، وفي عام 671 قبل الميلاد طرد الحاكم الآشوري اسرحدون (Esarhaddon) الملك الكوشي تيرهاقا (Taharka) من ممفيس ودمر المدينة.
ثم عُيّن الحكام والمسؤولين المحليين الموالين للآشوريين، أحدهم نكاو أمير سايس (Necho) حكم لفترة وجيزة كأول ملك من الأسرة السادسة والعشرين قبل أن يقتل على يد الزعيم الكوشي تانواتامون (Tanuatamun) في نزاع فاشل للسلطة.
عصر الفوضى الأخير إلى غزو الإسكندر (664 – 332 قبل الميلاد)
بدءًا من ابن نكاو بسماتيك (Psammetichus) حكمت هذه السلالة مصر الموحدة لأقل من قرنين، في عام 525 قبل الميلاد قام قمبيز (Cambyses) ملك بلاد فارس بهزيمة بسماتيك الثالث آخر الملوك في معركة بلوزيوم (Pelusium) وأصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، ثم أتى داريوس (Darius) (522 – 485 قبل الميلاد) الذي حكم البلاد إلى حد كبير تحت نفس الشروط مثل الملوك المصريين الأصليين، حيث دعم تعدد الطوائف الدينية في مصر وقام ببناء وترميم معابدها. أثار الحكم الاستبدادي لزركسيس (Xerxes) (486 – 465 قبل الميلاد) انتفاضات وثورات متزايدة تحت حكمه هو وخلفائه، انتصرت إحدى هذه الانتفاضات في عام 404 قبل الميلاد وبدأت فترة أخيرة من الاستقلال المصري تحت الحكام الأصليين (الأسرات 28 – 30).
وفي منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، هاجم الفرس مصر مرة أخرى وأحيوا إمبراطوريتهم تحت أردشير الثالث (Ataxerxes III) في 343 قبل الميلاد، وبعد عقد من الزمن في عام 332 قبل الميلاد هزم الإسكندر الأكبر جيوش الإمبراطورية الفارسية وغزا مصر، وبعد وفاة الإسكندر حكمت مصر من قبل مجموعة من الملوك المقدونيين بدءًا من جنرال بطليموس (Ptolemy) واستمر مع أحفاده.
كانت كليوباترا السابعة الملكة الأخيرة لمصر البطلمية الأسطورية، حيث استسلمت مصر لجيوش أوكتافيوس في 31 قبل الميلاد واتبعت من بعدها ستة قرون من الحكم الروماني، أصبحت المسيحية خلالها الدين الرسمي لروما وإقليم الإمبراطورية الرومانية بما في ذلك مصر، حتى غزا العرب مصر في القرن السابع الميلادي وانتشر الإسلام في جميع أنحاء البلاد وأصبح يمثل اليوم الأغلبية من سكان مصر بينما الأقلية مسيحية.
تأمل معبد الكرنك بالأقصر أكبر دار عبادة في العالم، أو تأمل الهرم الأكبر أحد عجائب الدنيا السبع، زر المعابد والمتاحف في مصر وخارجها، تأمل عظمة وجلال الفنون والعمارة حتى لتكاد الآثار أن تنطق في كبرياء من فرط العظمة.
أقدم وأقوى الحضارات التي شهدها العالم القديم صنعت لنفسها تخصصًا في كتاب التاريخ حمل اسمها وهو علم المصريات، أم الحضارات “الحضارة المصرية القديمة”.
في السطور القادمة نتحدث سريعًا عن مصر الفرعونية بدون فحص دقيق لتلك الحقبة، فقط لمحات سريعة.
يُقسم تاريخ مصر إلى 30 سلالة أو أسرة (أحيانًا 31)، وُضع التقسيم على يد الكاهن المصري مانيتون (Manetho) الذي عاش خلال القرن الثالث قبل الميلاد.
يعود تاريخ الأسرات الأولى والثانية إلى حوالي 5000 عام وغالبًا ما تسمى فترة “الأسرة المبكرة” أو “القديمة”، كان الفرعون الأول من الأسرة الأولى حاكمًا يدعى مينا (أو نارمر كما يطلق عليه باللغة اليونانية) عاش منذ أكثر من 5000 عام، وبينما كان الكتّاب القدماء يُنسبونه أحيانًا لكونه الفرعون الأول لمصر موحدة، فإننا نعلم أن هذا غير صحيح حيث كانت هناك مجموعة من الحكام المصريين الذين سبقوا مينا، أحيانًا يشير العلماء إلى هؤلاء الحكام على أنهم جزء من “سلالة الصفر”.
عصر ما قبل الأسرات (حوالي 5000 – 3100 قبل الميلاد)
تم العثور على قليل من السجلات المكتوبة والقطع الأثرية عن تلك الفترة؛ كونها سبقت معرفة الإنسان للكتابة، وتمثل بداية استقرار المصري الأول في وادي النيل فعرف الزراعة.
حتى حوالي 3400 قبل الميلاد كانت البلاد منقسمة إلى مملكتين منفصلتين: المملكة الأولى أو الأرض الحمراء في الشمال، والمملكة الثانية أو الأرض البيضاء في الجنوب.
بداية عصر الأسرات، العصر العتيق (3100 – 2686 قبل الميلاد)
بعد توحيده للمملكتين، أسس الملك مينا (Menes) الأسرة الفرعونية الأولى وأسس عاصمة مصر القديمة التي عُرفت باسم ممفيس في الشمال بالقرب من قمة دلتا نهر النيل، نَمت العاصمة إلى أن أصبحت مدينة كبرى سيطرت على المجتمع المصري خلال فترة الدولة القديمة.
شهد العصر تطور أسس المجتمع المصري بما في ذلك وضع بعض المفاهيم الهامة للملك بالنسبة للمصريين القدماء؛ فقد وصل تقديس الملوك إلى ما يشبه التأليه، كما كان معظم المصريين القدماء مزارعين، ويعيشون في قرى صغيرة، وقاموا بزراعة القمح بعد انحسار الفيضان وحصاده قبل ارتفاع الحرارة وموسم الجفاف، وشكلت الزراعة (القمح والشعير) القاعدة الاقتصادية للدولة المصرية، كما كانت الفيضانات السنوية لنهر النيل توفر الري والتسميد الضروري لكل عام.
عصر الدولة القديمة أو عصر بناة الأهرام (حوالي 2686 – 2181 قبل الميلاد)
عهد الملك زوسر الفرعون الأول للأسرة الثالثة إلى إمحوتب (Imhotep) المهندس المعماري بتصميم هرم جنائزي له، وكانت النتيجة أول بناء حجري في العالم وهو هرم في سقارة بالقرب من ممفيس وهو أقدم هرم عرفه التاريخ حتى الآن.
وصلت مهارة بناء الأهرامات إلى ذروتها مع بناء الهرم الأكبر في الجيزة للملك خوفو (Khufu) الذي حكم من 2589 إلى 2566 قبل الميلاد، وقد اعتبر المؤرخون القدماء الهرم الأكبر أحد عجائب العالم القديم، وقدر المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت (Herodotus) أن بناؤه استغرق 10000 رجلًا خلال 20 عامًا، خلفه كل من خفرع (Khafra) (2558 – 2532 قبل الميلاد) ومنكاورع (Menkaura) (2532 – 2503 قبل الميلاد) وحذوا حذوه في بناء الأهرامات.
تمتعت مصر خلال فترة الأسرة الثالثة والرابعة بالسلام والازدهار، حيث امتلك الفراعنة السلطة المطلقة وشكلوا حكومة مركزية مستقرة، لم تواجه المملكة تهديدات خطيرة من الخارج، بل زادت الحملات العسكرية الناجحة في الدول الأجنبية مثل النوبة وليبيا.
لكن مع صعود الأسرات الخامسة والسادسة، تم استنزاف ثروة الدولة بشكل كبير؛ يرجع ذلك إلى التوسع في بناء الأهرامات والمعابد للآلهة، كما ازدادت سلطة الكهنة حتى تفوقت على السلطة الحاكمة مما ساعد في إضعاف الدولة أكثر، وانتهت فترة الدولة القديمة بالفوضى.
عصر الاضمحلال الأول (2181 – 2055 قبل الميلاد)
بعد انهيار المملكة القديمة، كانت الأسرات السابعة والثامنة تتألف من تعاقب سريع للحكام في ممفيس حتى حوالي عام 2160 قبل الميلاد حتى انحلت السلطة المركزية تمامًا، فاندلعت الحروب الأهلية بين حكام الأقاليم وتعرضت البلاد للغزوات البدوية وانتشرت المجاعات والأمراض.
خلّف هذا الصراع انقسام الدولة مجددًا إلى مملكتين مختلفتين، الأولى مقرها في مدينة هيراكليوبوليس (Heracleopolis) حكمتها الأسرات التاسعة والعاشرة، والأخرى حكمها عائلة أخرى من الحكام المتمردين في طيبة.
وفي عام 2055 قبل الميلاد تمكن أمير طيبة منتوحتب (Mentuhotep) من الإطاحة بهيراكوبوليس، ووحد مصر مرة أخرى معلنًا نهاية عصر الاضمحلال الأول وأسس الأسرة الحادية عشر.
عصر الدولة الوسطى (حوالي 2055 – 1786 قبل الميلاد)
بعد أن تم اغتيال منتوحتب الرابع انتقل العرش إلى وزيره الملك أمنمحات الأول (Amenemhet I) مؤسس الأسرة 12، وأنشأ عاصمة جديدة في جنوب ممفيس بينما ظلت طيبة محتفظة بمكانتها الدينية المرموقة خلال عصر الدولة الوسطى.
ازدهرت مصر مرة أخرى كما كان الحال في عصر الدولة القديمة، كما كانت عنيفة بعض الشيء مع جاراتها؛ فاحتلت النوبة (مع ثروتها من الذهب والخشب الأسود والعاج وغيرها من الموارد)، وتصدت لغزو البدو الذين تسللوا إلى مصر خلال الفترة الانتقالية الأولى، كما أقامت علاقات دبلوماسية وتجارية مع سوريا وفلسطين ودول أخرى، وشُيدت القلاع العسكرية وحُفرت المناجم للتعدين، وعاد إلى بناء الهرم في تقاليد المملكة القديمة.
وصلت المملكة الوسطى إلى ذروة مجدها في عهد أمنمحات الثالث (1842 – 1797 قبل الميلاد) ثم بدأ تراجعها تحت حكم أمنمحات الرابع (1798 – 1790 قبل الميلاد) واستمر التدهور بعدما خلفته شقيقته ووليته الملكة سوبكنفرو (Sobekneferu) (1789 – 1786 قبل الميلاد) التي كانت الحاكم الأخير في الأسرة الثانية عشرة.
عصر الاضمحلال الثاني (1786 – 1567 قبل الميلاد)
شهدت الأسرة الثالثة عشر فترة غير مستقرة في التاريخ المصري والتي فشل ملوكها في الحفاظ على قوة السلطة في أيديهم، ونتيجة لذلك تم تقسيم مصر خلال تلك الفترة إلى عدة مناطق للسلطة وتم نقل العاصمة ومقر الحكومة إلى طيبة.
حوالي عام 1650 قبل الميلاد استغل الهكسوس ذلك التدهور في البلاد واحتلوها، وتأثر الهكسوس بمظاهر الحكم في مصر وحذوا حذو سابقيهم من الفراعنة وحافظوا على التقاليد المصرية القائمة في الحكومة والثقافة، وتركوا الحكم في جنوب البلاد لحكام الأسرة السابعة عشر في مقابل انتظام دفع الضرائب للهكسوس.
واندلع النزاع في نهاية المطاف وبدأت حروب التحرير ضد ملوك طيبة والهكسوس حوالي عام 1570 قبل الميلاد، أُختتمت بهزيمتهم شر هزيمة وطردهم من مصر على يد البطل أحمس.
عصر الدولة الحديثة أو عصر المجد الحربي (1567 – 1085 قبل الميلاد)
أسس أحمس الأسرة الثامنة عشر معلنًا نهاية عصر الاضمحلال، واستعادت مصر قوتها مرة أخرى، فاستعادت سيطرتها على النوبة وبدأت حملات عسكرية في فلسطين، واشتبكت مع قوى أخرى في المنطقة مثل الحيثيين (the Hittites) وأصبحت دولة عظمى واسعة الأركان وصلت إلى النوبة ونهر الفرات حاليًا .
يرجع الفضل لملوك أقوياء مثل أمنحتب الأول (Amenhotep I) (1546 – 1526 قبل الميلاد وتحتمس الأول (Thutmose I) (1525 – 1512 قبل الميلاد) وأمنحتب الثالث (Amenhotep III) (1417 – 1379 قبل الميلاد) والملكة حتشبسوت (Hatshepsut) (1503 -1482 قبل الميلاد) التي بدأت في الحكم كوصاية لابن زوجها الشاب، والذي تولى الحكم بعدها وهو أشهر وأقوى من حكموا مصر وأشدهم بأسًا على أعدائه وأشهر الحكام في التاريخ على الإطلاق الملك العظيم تحتمس الثالث (Thutmose III).
قام أمنحتب الرابع (Amenhotep IV) المثير للجدل (حوالي 1379 – 1362 قبل الميلاد) من أواخر عهد الأسرة الثامنة عشر بثورة دينية هدفها توحيد العبادة لرب واحد ألا وهو آتون (قرص الشمس) ضاربًا بكل الأعراف الدينية وبنفوذ الكهنة عرض الحائط، وأطلق على نفسه اسم أخناتون (Akhenaton) أي “خادم آتون”، وبنى عاصمة جديدة في مصر الوسطى تسمى أخيتاتون والمعروفة لاحقًا باسم العمارنة، تسببت هذه الدعوة في إحداث الفوضى في الدولة ولكنها لم تصمد طويلًا فعند وفاته عادت العاصمة إلى طيبة وعاد المصريون إلى عبادة العديد من الآلهة.
شهدت الأسرات التاسعة عشرة والعشرون -والتي يمكن أن نسميها في هذا المقال الفترة الرمسيسية؛ نسبة لتعاقب مجموعة ملوك حملوا جميعًا اسم رمسيس- استعادة الإمبراطورية المصرية الضعيفة عدد هائل من المباني بما في ذلك المعابد والمدن العظيمة، وبحسب التسلسل الزمني للإنجيل يُعتقد أن عصر رمسيس الثاني هو عصر خروج موسى وقومه من مصر (1304 – 1237 قبل الميلاد).
دُفن حكام الدولة الحديثة (باستثناء أخناتون) في مقابر صخرية عميقة -وليس أهرامات- في وادي الملوك، وهي مجموعة مقابر على الضفة الغربية لنهر النيل مقابل طيبة والتي تم نهب وتدمير معظمها، باستثناء مقبرة وكنز توت عنخ آمون Tutankhamen) (1361 – 1352 قبل الميلاد)، التي اكتشفت سليمة إلى حد كبير في عام 1922م.
كما تم الحفاظ على معبد جنائزي بشكل جيد نسبيًا، وقيل إنه لآخِر ملك عظيم من الأسرة العشرين وهو رمسيس الثالث (Ramses III) (حوالي 1187 – 1156 قبل الميلاد)، مما يرجح أن عصره كان عصر رخاء تمتعت به مصر في عهده.
خلّف رمسيس الثالث ملوكًا ضعافًا أقل نجاحًا؛ حيث خسرت مصر أراضيها فلسطين وسوريا للأبد وعانت من الغزو الأجنبي (لا سيما من قبل الليبيين) في حين كانت ثروتها في حالتها العادية ولكن استنزفت لا محالة.
عصر الاضمحلال الثالث أو الفترة الانتقالية الثالثة (1085 – 664 قبل الميلاد)
شهدت السنوات الـ 400 التالية -المعروفة باسم الفترة الانتقالية الثالثة- تغيرات مهمة في السياسة والمجتمع والثقافة المصرية، حيث تراجعت قوة الحكومة المركزية في حين استولى الأجانب من ليبيا والنوبة على السلطة.
بدأت الأسرة الثانية والعشرون حوالي عام 945 قبل الميلاد مع الملك شاشنق (Sheshonq) سليل الغزاة الليبيين الذين غزوا مصر في أواخر الأسرة العشرين واستقروا بها، كان العديد من الحكام المحليين يتمتعون بالاستقلالية تقريبًا خلال هذه الفترة. الأسرات 23 و24 لم يتم توثيق عهدهما بشكل جيد.
في القرن الثامن قبل الميلاد أسس الفراعنة النوبيون بداية من شباكا (Shabaka) حاكم مملكة كوش النوبية أسرتهم الخاصة -25- في طيبة، تحت الحكم الكوشي اشتبكت مصر مع الإمبراطورية الآشورية المتنامية، وفي عام 671 قبل الميلاد طرد الحاكم الآشوري اسرحدون (Esarhaddon) الملك الكوشي تيرهاقا (Taharka) من ممفيس ودمر المدينة.
ثم عُيّن الحكام والمسؤولين المحليين الموالين للآشوريين، أحدهم نكاو أمير سايس (Necho) حكم لفترة وجيزة كأول ملك من الأسرة السادسة والعشرين قبل أن يقتل على يد الزعيم الكوشي تانواتامون (Tanuatamun) في نزاع فاشل للسلطة.
عصر الفوضى الأخير إلى غزو الإسكندر (664 – 332 قبل الميلاد)
بدءًا من ابن نكاو بسماتيك (Psammetichus) حكمت هذه السلالة مصر الموحدة لأقل من قرنين، في عام 525 قبل الميلاد قام قمبيز (Cambyses) ملك بلاد فارس بهزيمة بسماتيك الثالث آخر الملوك في معركة بلوزيوم (Pelusium) وأصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، ثم أتى داريوس (Darius) (522 – 485 قبل الميلاد) الذي حكم البلاد إلى حد كبير تحت نفس الشروط مثل الملوك المصريين الأصليين، حيث دعم تعدد الطوائف الدينية في مصر وقام ببناء وترميم معابدها.
أثار الحكم الاستبدادي لزركسيس (Xerxes) (486 – 465 قبل الميلاد) انتفاضات وثورات متزايدة تحت حكمه هو وخلفائه، انتصرت إحدى هذه الانتفاضات في عام 404 قبل الميلاد وبدأت فترة أخيرة من الاستقلال المصري تحت الحكام الأصليين (الأسرات 28 – 30).
وفي منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، هاجم الفرس مصر مرة أخرى وأحيوا إمبراطوريتهم تحت أردشير الثالث (Ataxerxes III) في 343 قبل الميلاد، وبعد عقد من الزمن في عام 332 قبل الميلاد هزم الإسكندر الأكبر جيوش الإمبراطورية الفارسية وغزا مصر، وبعد وفاة الإسكندر حكمت مصر من قبل مجموعة من الملوك المقدونيين بدءًا من جنرال بطليموس (Ptolemy) واستمر مع أحفاده.
كانت كليوباترا السابعة الملكة الأخيرة لمصر البطلمية الأسطورية، حيث استسلمت مصر لجيوش أوكتافيوس في 31 قبل الميلاد واتبعت من بعدها ستة قرون من الحكم الروماني، أصبحت المسيحية خلالها الدين الرسمي لروما وإقليم الإمبراطورية الرومانية بما في ذلك مصر، حتى غزا العرب مصر في القرن السابع الميلادي وانتشر الإسلام في جميع أنحاء البلاد وأصبح يمثل اليوم الأغلبية من سكان مصر بينما الأقلية مسيحية.