الأحياء

نظرة مُحلِقة على الخلايا الجذعية

هل تموت الخلايا؟ نعم.

هل لها عُمر محدد؟
بالطبع، عُمر خلايا المعدة من 2 إلى 9 أيام، عمر خلايا الدم الحمراء 120 يومًا، عمر الخلايا العصبية هو عمر الإنسان نفسه!

إذا كان عدد بعض أنواع الخلايا يظل كما هو برغم أن لها عمرًا محددًا قصير نسبيًا فمن أين تنشأ الخلايا الجديدة؟ من الخلايا الجذعية.

قصة الألم والأمل وأشياءٌ أخرى:
جلست «آنـا كويل» في منزلها بالقرب من لوس أنجلوس، وشعرت بالامتنان وهي تنظر إلى المحيط.
تقول آنّـا البالغة من العمر 79 عامًا: “في السابق، لم أستطع رؤية السفن. الآن، حتى في الليل، أستطيع أن أرى كل السفن بما فيها السفن الصغيرة، حتى قبل زوجي هانز”

قبل سنوات.. لاحظت آنّـا خسارة بطيئة للرؤية في عينيها اليسرى تدريجيًا، وازداد الوضع سوءًا بسبب ظهور منطقة ضبابية في عينيها حَجبت رؤيتها المركزية.
وبعد أيام تم تشخيصها على أنها تنكس بقعي مرتبط بالعمر، وهي حالة طبية عادة ما تُصيب كبار السن وتؤدي إلى فقدان جزئي للبصر بسبب التلف الذي يلحق بشبكية العين، وله شكلان، جاف ورطب.

ببطء، سرقها المرض من القدرة على القيام بالأنشطة اليومية، حتى رياضة المشي المفضلة لديها، والأسوأ من ذلك أن الطبيب في نظرة أسى ونبرة حزن قال لها ذلك المساء “آسف سيدتي..لا يوجد علاج فعال للضمور البقعي الجاف الذي تمليكنه”

بعد ذلك وتحديدًا في أكتوبر 2017 دخلت في تجربة سريرية مبكرة لاختبار نوع جديد من العلاج، وهو العلاج بالخلايا الجذعية. الخلايا الجذعية هي خلايا غير متخصصة لديها القدرة أن تتمايز إلى خلايا متخصصة (خلايا العظم، عضلات، كبد، أمعاء..) مع قدرتها على الانقسام لتجدد نفسها باستمرار، تكمن أهميتها في بقاء أعضاء الجسم المختلفة، ومهمة أيضًا في عملية الإصلاح المستمرة التي يقوم بها الجسم لأنسجته المختلفة، أما في العلاج، فهي مهمة في إصلاح أنسجة وأعضاء الجسم التي لا يستطيع الجسم إصلاحها، وقد طُبق هذا فعلا في مرض سرطان الدم «Leukemia» على يد د.إدوارد توماس «E.Donnall Thomas» وقد حصل مناصفة مع د.جوزيف موراي «Joseph Murray» على جائزة نوبل للطب والفيسولوجيا عام 1990، حيث تُفصل الخلايا الجذعية من نخاع العظم ويُحتفظ بها، ومن ثم يتم القضاء على الخلايا السرطانية في الدم باستخدام العلاجات المختلفة كالعلاج الكيمائي أو الاشعاعي مثلًا وكلاهما بدورهما يدمران أيضًا الخلايا السليمة؛ لذا يُعاد تكوين خلايا الدم باستخدام الخلايا الجذعية المحفوظة وبذلك تم إنقاذ الكثير من الأرواح، وغير عملية زراعة نخاع العظم هناك أمراض تنشأ أصلًا من موت الخلايا المستمر كشلل الرعاش والزهايمر وفشل القلب والسُكري النوع الأول -يؤمن الباحثون بقدرتهم المستقبلية لعلاج هذه الأمراض باستخدام الخلايا الجذعية-.

الجراح أمير كاشاني، وهو طبيب بجامعة جنوب كاليفورنيا قام بزرع رقعة من الخلايا الجذعية متناهية الصغر -تُقدر بالميكرومتر- في شبكية العين لكي تتمايز وتتحول إلى خلايا من نفس نوع الخلايا التي حدث فيها التلف، وبهذا تحل الخلايا الناشئة محل التالفة ويحدث الشفاء، وكانت المفاجأة أن التجربة قد نجحت.
الآن، آنا كويل ترى بشكل أفضل وعادت إلى المشي لمسافات طويلة ولأنشطتها اليومية الأخرى التي من ضمنها الاستمتاع بالتغلب على زوجها هانز في رؤية السفن الصغيرة أولاً.

المشكلات المعملية والأخلاقية:
حسنًا، إذا كانت الخلايا الجذعية بهذا الجمال، أقصد أنه إذا حدث تلف في خلايا عضو ما فإننا نعالج هذا التلف بالخلايا الجذعية، إذا “فالدنيا ربيع والجو بديع!” للأسف الشديد لا، أحيانًا لابد أن نؤمن أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فاسمح لي أن أُعِد لك معي كوبًا من القهوة بينما أُطلعك على بعض المشكلات المعملية والأخلاقية.

نحتاج خلايا جذعية ذات قدرة تمايز محددة «exact potency» لكي نتأكد أنها لن تتحول إلى خلايا متخصصة أخرى غير التي نريدها، في البداية فكّر العلماء باستخدام الخلايا الجذعية البالغة «Adult stem cells» الموجودة حاليًا بجسمك، المشكلة هنا أنها توجد بكميات قليلة جدًا ويصعب فصلها ناهيك عن أنها لا تتمايز لكل أنواع الخلايا.

الخلايا الجذعية الجنينية «Embryonic stem cells» هي خلايا جذعية يمكنها التمايز إلى أي نوع من الخلايا حسب الظروف المعملية الملائمة التي تتعرض لها، إذًا فهي الحل!، قلت لك أن الرياح تأتي بما لا نشتهي، فهنا تكمن المشكلة الأخلاقية، إذ أن هذه الخلايا تُفصل من الأجنة المخصبة في المعامل أو الأجنة المجهضة، وحتى لو سمحوا لك بالعمل على الخلايا الجذعية الجنينية وبدأت هي في التخصص وبدأت أنت في خطتك العلاجية بزرعها، ستجد الجهاز المناعي يدمر كل ما فعلت.
لماذا؟ لكون هذه الخلايا الجذعية لا تتطابق مع المريض، فيعتبرها الجهاز المناعي خلايا غريبة عن الجسم ويبدأ في الهجوم عليها، تمامًا كمشكلة زراعة الأعضاء.

ما الحل إذًا؟!
الحل السحري والفعال والذي يعتبر أصل الطب التجددي «Regenerative Medicine» هو استخدام خلايا مستحثة وافرة القدرة «Induced Pluripotent Stem Cells ( IPS )»

لكن ما هي الخلايا الجذعية المستحثة وافرة القدرة؟
ببساطة شديدة لا تفي الفكرة معناها الكامل، حوّلنا خلايا الجسم العادية إلى خلايا جذعية. ومما جنيناه من هذه التقنية:
١. أن الخلايا تابعة لنفس الشخص فبالتالي تم حل معضلة الجهاز المناعي.
٢. تتشابه الخلايا المستحثة في خواصها مع الخلايا الجذعية الجنينية وبالتالي تم حل المشكلة الأخلاقية.

على الرغم من هذه المميزات، فهناك أيضًا الكثير من المشكلات الأخرى التي تواجهنا، فالأمر في النهاية أعقد من ذلك بكثير.

وختامًا، هذه كانت نظرتنا المحلقة من سماء العلم على الخلايا الجذعية، أرجو أن تكون قد استمتعت بتحليقك معي.

 

المصادر 1 2 3

 

كتابة: عبدالرحمن احمد

مراجعة: احمد علاء

تحرير: زينب احمد

تصميم: عاصم عبدالمجيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى