الأحياء

النوافذ الذكية

الطاقة وطرق حفظها هي الشغل الشاغل للعالم الآن، فالحروب المُعاصرة تندلع جميعها بسبب الصراع على الطاقة، وبسبب مُحاولة استئثار واستحواذ الجميع عليها.

تستهلك المباني السكنية والتجارية من الطاقة ما يصل في بلدان كثيرة إلى نحو نصف إجمالي الطاقة المُستهلكة فيها، تذهب مُعظمها على التبريد والتدفئة والإنارة.
ونظرًا لما يُمثله هذا الاستهلاك على الصعيدين البيئي والاقتصادي من أهمية؛ فقد تركّز اهتمام الباحثين والمعماريين في السنوات الأخيرة على تطوير وسائل العزل الحراري في المباني، بمُوازاة تطوير الأدوات المنزلية المُستهلِكة للطاقة، خاصة أجهزة التدفئة والتبريد، ولأنَّ النوافذ في أي مبنى تُشكِّل عنصرًا رئيسيًا وجزءًا مُهمًا في أي تصميم معماري، وباتت جزءًا من أي استراتيجية تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة في أي مبنى، ظهرت فكرة “النافذة الذكية”.

ما هي النوافذ الذكية؟
النوافذ الذكية أو الزجاج الذكي هو زجاج مُصنّع، تتغير شفافيته (نفاذيته للضوء)، وبالتالي يتحكّم في درجة الإضاءة ودرجة الحرارة، فعند تطبيق جهد كهربي أو ضوء أو حرارة عليه، تتغير خواصه من السماح بمرور الضوء، إلى حجب بعض (أو جميع) الأطوال الموجية للضوء.

كيف تعمل النافذة الذكية؟
هناك العديد من التقنيات التي يُمكن استخدامها في تطبيق النافذة الذكية، سنعرض بعضها بشيء من الإيجاز:

1- أجهزة الجسيمات المُعلّقة “Suspended Particle Devices”:
طوّرت “Research Frontiers” نوعًا من النوافذ التي تحتوي على جزيئات مجهرية صغيرة سوداء، تُعرف باسم أجهزة الجسيمات المُعلّقة (SPD)، أو صمامات الضوء، لجعلها تتحول من مُنفذة إلى مُظلمة في غضون ثوان.

آلية هذه التقنية:
تتكون النافذة من لوحين من الزجاج أو البلاستيك، مطليين بمادة مُوصلة (لجعل الزجاج مُوصلًا للتيار الكهربي)، بينهما أجهزة الجسيمات المُعلّقة SPD موجودة في سائل مُعلّق، تسمح للجسيمات بأنْ تطفو بحرية بين الزجاج، وعندما يتم تطبيق فرق جهد عليها، تنتظم تلك الجسيمات المُعلقة في صفوف، فيمر الضوء من خلالها، وعند قطع فرق الجهد، ترجع مرة أخرى لعشوائيتها، فتُشتت كل الضوء الساقط عليها فتُسبب الإظلام.

2- البلورات السائلة ” Liquid crystals) LCs)”:
هي مواد لها مظهر السائل، ولكن جزيئاتها تكون مُرتبة في مُستويات مُعينة مثل البللورات.

تُعرف البللورات السائلة بأنها الحالة الوسطية التي ينحصر تكوينها بين الحالة الصلبة البللورية المُنتظمة، الذي تكون فيه الجزيئات مُقيدة الحركة وذات نظام هندسي ثلاثي الأبعاد، والحالة السائلة العادية غير المُنتظمة، والتي تتحرك جزيئات المادة فيه بصورة عشوائية مُشتتة الضوء مُسببة للعتمة، لذا فهي تعمل على حجب الضوء (أو بمعنى أدق حجب جزء منه، فيما يُوفر لنا الخصوصية، وفي نفس الوقت يعبر جزء بسيط من الضوء خلالها للإضاءة)، وعند تطبيق فرق جهد على هذه البللورات، تنتظم وتتوازى وتُصبح شفافة تُمرِّر كل الضوء.

3- النوافذ الذكية الكهرولونية Electrochromic Smart windows:
هو زجاج يتغير لونه ودرجة عتامته بتطبيق فرق جهد خارجي عليه، فهو يتكون من لوحين من الزجاج المطلي بطبقة رقيقة من مادة مُوصلة للتيار الكهربي، بينهما مادة كيميائية تتأكسد أو تُختزل (بفقد أو اكتساب الإلكترونيات) بتطبيق جهد خارجي عليها فيتغير لونها، مُحولة الزجاج من شفاف إلى مُعتم، وعند زوال فرق الجهد تعود المادة كما كانت، ويعود الزجاج إلى حالته الأولى شفافًا.

ما هي مُميزات النافذة الذكية؟
تُعدّ النوافذ الذكية بديلًا مُوفرًا وسهلًا، حيث لا تحتاج إلى ستائر تحجب الضوء والحرارة، فالنافذة الذكية ستقوم بالأمر، لذا فلن تحتاج إلى تنظيف الستائر، وخصوصًا باهظة الثمن التي من المُفترض الاهتمام بها.
لن يقتصر الأمر على خفض النوافذ الذكية من فاتورة التنظيف الجاف فحسب، بل يُمكنها أيضًا توفير المال على فاتورة الطاقة، حيث تعكس النافذة (حوالي 98%) من الضوء الساقط عليها، بحيث تُقلل الحاجة إلى التكيف بشكل كبير، فيُمكنها أنْ تخفض استخدام طاقة التبريد والإضاءة بحوالي 20%.

عندما تغمر شمس الصيف منزلك، يُمكن أنْ ترفع من درجة حرارة الأشياء حقًا داخله، مما يجعل تكيف الهواء يعمل ساعات إضافية، يُمكن استخدام النوافذ الذكية لمنع هذه الحرارة الزائدة، عن طريق منع الأشعة فوق البنفسجية، فيُمكن للنوافذ الذكية حماية اللوحات والمفروشات في منزلك أو مكتبك أيضًا.

هل للنوافذ الذكية عيوب؟
الإجابة: نعم، فكلفة النافذة الذكية بالطبع ستكون أعلى بكثير من الزجاج التقليدي، حيث تصل إلى حوالي 500 – 1000 دولار تكلفة النافذة الذكية الواحدة.
العيب الآخر هو عُمر النافذة، حيث تقل كفاءتها بعد 10-20 سنة فقط (عُمر أقصر بكثير مما يتوقعه مُعظم مالكي المنازل من الزجاج التقليدي).

عيبها الآخر هو الوقت الذي تستغرقه للتغيير من شفاف إلى مُعتم أو العكس، يُمكن لبعض التقنيات أنْ تستغرق عدة دقائق (أفلام الإلكتروكروم الملصقة “Stick-on electrochromic films” أسرع بكثير، وتتغير من مُنفذة إلى مُعتمة والعودة مرة أخرى في أقل من ثانية).

كيف ستتحسن النوافذ الذكية في المُستقبل؟
هناك احتمال يتمثل في الجمع بين النوافذ الكهروكرومية والخلايا الشمسية، بحيث يُمكن للنوافذ الذكية المُظلمة أنْ تمتص تلك الطاقة الساقطة عليها، وتخزينها لوقت لاحق بدلًا من أنْ تعكس ضوء الشمس، من السهل تخيُّل النوافذ التي تلتقط بعض الطاقة الشمسية التي تسقط عليها خلال اليوم، وتخزينها في بطاريات يُمكن أنْ تُضيء المصابيح داخل منزلك ليلًا، على الرغم من ذلك، بطبيعة الحال، لا يُمكن أنْ تكون النافذة شفافة وتعمل عمل الخلية الشمسية بنسبة 100% في نفس الوقت، فإما أنْ يعبر الضوء خلال النافذة ويُضيء المنزل، أو أنْ يتم امتصاصه وتخزينه كطاقة، ولكن ليس كلاهما، لذا فمن المُحتمل أنْ تُصبح النافذة -التي تعمل كخلية شمسية- أنْ تكون مُعتمة قليلًا، وكفاءتها أقل من الخلايا الشمسية في تخزين الطاقة.

شيء واحد يُمكننا التأكد منه، هو رؤية المزيد من التكنولوجيا الكهروكرومية بالأخص في المُستقبل، فالباحثون لنْ يتوقفوا عند هذا الحد.

 

المصادر 1 2 3

 

كتابة: نرمين خالد

مراجعة: مصطفى احمد

تحرير: اسماء مالك

تصميم: مها محمد

اظهر المزيد

نرمين خالد

كاتبة بقسم الأحياء والكيمياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى