تطبيقات الهندسة الوراثية
ما زالت أبحاث الهندسة الوراثية تثير جدلًا واسعًا منذ أوائل ظهورها، نظرًا لما تتوصل إليه من نتائج مُذهلة على الدوام.
إن مصطلح الهندسة الوراثية يشير إلى التلاعب البشري المباشر بالمادة الوراثية، فهي عبارة عن تقنية تكنولوجية حيوية، تساعد في تصنيع ما نسميه بالحمض النووي المؤتلف rDNA، وهو ما سنتناوله بالتفصيل بعد قليل.
تطبيقات الهندسة الوراثية
هناك ثلاثة تطبيقات رئيسية للهندسة الوراثية متمثلة في طريقة البلازميد وطريقة النواقل والطريقة البيولوجية.
1- طريقة البلازميد “Plasmid method”
وهي الطريقة الأكثر استخدامًا في الهندسة الوراثية. وتُبنى تلك الطريقة كما يُشار في اسمها على تركيب مُعين موجود في البكتيريا يُسمى بالبلازميد؛ فالمادة الوراثية في البكتيريا موجودة في شكلين كما في الصورة الموضحة في الأسفل، الأول وهو البلازميد -قطعة صغيرة دائرية من جزيء الحمض النووي DNA-، والثاني عبارة عن الكروموسوم البكتيري -خيط مُلتف مُفرد من المادة الوراثية DNA- وكلاهما موجودان في السيتوبلازم نظرًا لأن البكتيريا لا تحتوي على نواة.
والآن فلنعُد مرة أخري للبلازميد، هذا التركيب يحتوي على جينات قليلة مثل تلك التي تساعد البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية. كما أنها تتضاعف مستقلة عن الكروموسوم البكتيري. والنقطة المهمة هنا في مقالنا أنه يُستخدم كأحد تقنيات الهندسة الوراثية كالتالي:
في قصة صغيرة تحت عنوان “دور الهندسة الوراثية والبكتيريا في صناعة الأنسولين البشري خارج جسم الإنسان!”. سوف أشرح لكم ميكانيكية عمل البلازميد.
استخدم العلماء البكتيريا كمصانع لصناعة الأنسولين البشري وذلك عبر تلك الخطوات:
1- قاموا بإخراج البلازميد من البكتيريا، وبالمِثل قاموا أيضًا بإخراج الحمض النووي البشري DNA المحتوي على جين الأنسولين من الخلية البشرية.
2- وباستخدام نوع مُعين من الإنزيمات يُعرف باسم إنزيم القطع Restriction Enzyme، قطعوا كلًا من البلازميد البكتيري، وأيضًا الحمض النووي البشري DNA، وفصلوا من الأخير جين الأنسولين، مع ملاحظة أن كليهما قُطع بواسطة نفس النوع من إنزيم القطع، فهناك الآلاف من الأنواع.
وسبب اختيار نفس النوع من إنزيم القطع هو ضمان التوافق في القواعد النيتروجينية بين جين الأنسولين والمنطقة المقطوعة من البلازميد عند الربط بينهما.
3- رُبِط جين الأنسولين مع المنطقة المقطوعة من البلازميد، وذلك بسبب التوافق الحادث بين القواعد النيتروجينية.
4- أضاف العلماء نوعًا جديدًا من الإنزيمات لضمان الربط يُعرف باسم إنزيم اللصق Ligase Enzyme، وذلك لأنه يعمل على تكوين هيكل السكر الفوسفاتي Sugar Phosphate Backbone.
5- الآن معنا ما يُعرف بالحمض النووي المؤتلف rDNA، وهو ببساطة عبارة عن ناتج دمج حمضين نوويين من كائنين مختلفين، والمتمثل في تلك الحالة في الحمض النووي البكتيري (البلازميد) وجين الأنسولين (من الحمض النووي البشري).
6- قاموا بإرجاع الحمض النووي المؤتلف rDNA إلى البكتيريا وتركوها تتكاثر، وبعد عدة أيام حصلوا على الملايين والملايين والملايين من نفس البكتيريا المُحتوية على الحمض النووي المؤتلف rDNA، وتلك البكتيريا هي من أنتجت الأنسولين البشري.
2- طريقة النواقل “the vector method”
مُشابهة بعض الشيء لطريقة البلازميد، ولكن يتم إدخال ما تنتجه هذه الطريقة مباشرة في الجينوم الخاص بالخلية المضيفة، وذلك عبر استخدام ناقل، وغالبًا ما يكون هذا الناقل عبارة عن فيروس.
يرتبط الفيروس بالخلية، ثم يُدخل مادته الوراثية فيها، وبعد ذلك ينفصل عنها. سيبدأ الحمض النووي الموجود الآن داخل الخلية المضيفة في الانقسام ومضاعفة نفسه باستخدام المعلومات الوراثية للخلية المضيفة، مما يعني أن الجين الذي تم إدخاله سيكون الآن جزءًا من الخلية المضيفة. لذا؛ فإن طريقة النواقل أفضل من طريقة البلازميد، لأن طريقة البلازميد ينتج عنها تنوع جيني، لأن البلازميدات المتكونة حديثًا مصنوعة من قطع عشوائية من الحمض النووي، بينما تستخدم طريقة النواقل جينًا معينًا للحصول على نتيجة بعينها. مما يجعل الخلية المضيفة تنتج الصفات المطلوبة بالضبط.
وتتم هذه الطريقة عبر عدة خطوات:
1- يتم فصل الجين المرغوب فيه عن المادة الوراثية كما ذكرنا في الطريقة السابقة عن طريق نوع معين من إنزيمات القطع.
2- يتم إدخال هذا الجين في الناقل -وهو في تلك الحالة عبارة عن فيروس-.
3- وبمجرد أن يَقبل الفيروس هذا الجين، يصبح الفيروس عبارة عن جزيء مؤتلف. والجزيء المؤتلف هو مجرد ناقل مع الحمض النووي الجديد.
4- يرتبط الفيروس بعد ذلك مع الخلية المضيفة، حيث ينتقِل الحمض النووي إلى تلك الخلية. وبمجرد دخول الحمض النووي إلى الخلية فإنه يبدأ في التضاعف، وحينها يوقف العلماء الحمض النووي الخاص بالفيروس عن التضاعف ويُسمح فقط للجين المُحدد بذلك.
5- الجين موجود الآن داخل الحمض النووي للخلية المضيفة -قد تم إدخال ما تُنتِجه هذه الطريقة مباشرة في الجينوم الخاص بالخلية الجديدة-.
يعترض الكثير من الناس على هذا النوع من الهندسة الوراثية، بسبب عدم القدرة على التنبؤ بإدخال الحمض النووي الجديد إلى الخلية المضيفة بنجاح. حيث يمكن أن يتداخل مع وظائف الجينات الموجودة في الأصل. بالإضافة إلى أن كثيرًا من الناس غير مرتاحين تمامًا لفكرة إصابة شخص بفيروس أدخلوه لجسده بأنفسهم!
وتُجرَى دراسة على هذه الطريقة حاليًا كطريقة ممكِنة لعلاج الأمراض الوراثية، مثل التليف الكيسي “cystic fibrosis”.
3- الطريقة البيولوجية “the biolistic method”
ولها اسم آخر وهو بندقية الجينات “Gene gun”، تقنية عادةً ما تُستخدم في التكنولوجيا الحيوية النباتية. ويتم استخدامها لإدخال المادة الوراثية في الخلايا عن طريق جسيمات -غير حية كالمعادن- مُغلَّفة بسلاسل صغيرة من الحمض النووي من خلال إطلاقها ببندقية على مجموعة الخلايا النباتية، فيدخل تسلسل الحمض النووي إلى الخلية المطلوبة.
وابتُكِرت هذه الطريقة عام 1980 عندما أراد الباحثون إدخال المادة الوراثية في الكائن الحي. وتم تطويرها لأول مرة من أجل استخدامها للخلايا النباتية، ولكنها تُطبَّق الآن أيضًا في دراسات الإنسان والحيوان. ومع مرور الوقت، يتم إجراء تعديلات في هذه الطريقة لجعلها أكثر فائدة لآداء وظائفها بكفاءة.
وتتمثل خطواتها في الآتي:
1- يمكن أن يصبح جزيء “DNA” لزجًا في ظروف معينة، مما يسمح له بالالتصاق بالجسيمات غير الحية مثل المعادن. وعادةً ما يستخدم العلماء التنجستين أو الذهب أو الفضة حجمها صغير للغاية، وتُطلَى وتُغلَّف بالحمض النووي.
2- توضع الجسيمات داخل البندقية الجينية.
3- توضع البندقية على مسافة صغيرة من الخلايا النباتية -الهدف- ثم يتم إطلاق الجسيمات على ذلك الهدف، فيتم إدخال الحمض النووي بشكل فعال إلى الخلايا.
وفي النهاية أود أن أضيف أن مجال الهندسة الوراثية لا نهاية لمفاجآته وغرائبه المترتبة على تطور تقنياته وما يتم التوصل إليه من نتائج غريبة، لا يسع مقالنا الآن لهذا الكم الضخم من المعرفة، لذا أنصحك بتصفح باقي المقالات ذات الصلة.