الأحياء

الذاكرة.. جسر بين الحاضر والماضي

تأمل للحظة.. إنّ كل ما يربطنا بتلك اللحظة التي مضت منذ قليل هو ما سُجّل للتوِّ في ذاكرتك، يمكن القول أن الجسر الذي يربط بين ماضيك وحاضرك هو تلك الذاكرة التي يكوّنها ذلك الجزء الرائع القابع في جمجمتك.

من الناس من يتعرض لحادث يصيب دماغه فيفقد على إثره ذاكرته، فإنّه يفقدُ ارتباطه بماضيه، ويفقد جزءًا من هويته ووجوده، فكيف تتكون تلك الذاكرة؟

الذاكرة الحسية بداية لتكوين الذكريات الذهنية

ما زال الأمر مُبهمًا.. ولكننا بفضل التقدم العلمي توصلنا إلى تفسيرات مثيرة، لنتفق أن الذاكرة تتكون في ثلاث مراحل متتالية -تبعًا لنموذج أتكينسون وشيفرين (Atkinson and shiffrin model)، بدءًا من إدراك اللحظة ثم حفظها في الذاكرة قصيرة المدى، ثم إلى الذاكرة طويلة المدى، وتتوقف قدرتك على التذكر على مدى تعرضك لتلك الذكرى ومدى ارتباطها بك.

لنبدأ من الذاكرة الحسية (Sensory memory): وهي القدرة على حفظ مجموعة من المعلومات التي يفعلها الشخص يوميًا، ومنها ثلاثة أنواع تختلف باختلاف الحاسة المستخدمة في جمع المعلومات:

ذاكرة سمعية (Echoic memory).
ذاكرة أيقونية أو بصرية (Iconic memory).
ذاكرة لمسية (Haptic memory).

ولندرة التذكر عن طريق السمع أو اللمس؛ يتركز الحديث على الذاكرة البصرية (Iconic memory).

أغلق عينيك ثم افتحهما، مع أول ما تبصر، تبدأ الرحلة، فأول ما تبصره وتدركه مستقبلات الشبكية الضوئية [(Retinal photoreceptors (rods/cones] وخلايا أخرى متنوعة من جهاز الرؤية، وهو جزء من الجهاز العصبي المركزي.
وتتحول الصورة إلى معلومات تنتقل إلى القشرة البصرية (Visual Cortex)، وهو جزء من الشقرة الدماغية يعالج المعلومات البصرية ويقع في الفص القذالي (occipital lope).

وتبدأ المعلومات تنتقل من جزء لآخر في القشرة الدماغية، إلى أن تصل إلى القشرة الصدغية السفلى (inferior temporal cortex)، وتتحول الذاكرة الحسية للصورة المدركة بعينيك إلى ذاكرة بصرية قصيرة المدى (Short-term memory).

عملية التقوية وانتقال الذكرى قصيرة المدى للذاكرة طويلة المدى

وبوصولنا إلى الذاكرة القصيرة المدى (short-term memory) -الجزء الثاني من الرحلة-؛ وهي القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لفترة زمنية قصيرة، وبالعودة إلى نموذج أتكينسون وشيفرين (Atkinson and shiffrin model) في تفسير الذاكرة، فتتبقى خطوة على بقاء المعلومات داخل عقلك لفترة طويلة، ولكن كيف؟

عندما تتذكر معلومةً ما مرارًا وتكرارًا وتتمرن عليها؛ يصبح من السهل عليك تذكّر المعلومات وبدقة، وتتحول إلى ذاكرتك الطويلة المدى، وتُعرف العملية باسم التقوية (Consolidation) -والنوم الصحي بالمناسبة يساعد على تحسين العملية والعكس، وبالأبحاث نجد أن العملية تقريبًا تحدث في الحُصين (Hippocampus) وتحديدًا في (parahipopocampal-hippo-cample network).

خصائص الذاكرة طويلة المدى، وأنواعها

بذلك نصل للذاكرة طويلة المدى (Long-Term memory) وهي تخزين الذكريات لفترات طويلة، ويختلف وضوح الذكريات من ذكرى لأخرى -فمثلًا تذكرك لحدث مميز بوضوح ودقة مثل يوم زفافك أو تخرجك يختلف عن تذكرك لأيام أخرى، أثناء الامتحانات نكرر المعلومات قبلها؛ فعملية التكرار واستدعاء الذكريات من فترة لفترة يحسن ويُطيل من فترة بقاءها، وكما سبق.. فمدى وضوح الذكرى في عقلك يرتبط بمدى ارتباطها بك شخصيًا.

أما الذاكرة طويلة المدى (Long-term memory) فنوعان:

الذاكرة الصريحة (Explicit memories): وهي التذكر الواعي والمعتمد على المعلومات الواقعية، وتنقسم لنوعين: الذاكرة العرضية (Episodic memory) التي ترتبط بحدث معين، والذاكرة الدلالية (Semantic memory) وتشير إلى المعارف العامة المتراكمة في حياتنا.

والذاكرة الضمنية (Implicit memory): وهي ذاكرة لا-واعية أو تلقائية، تساعد على القيام ببعض المهام بدون إدراك، مثل تذكّرك كيفية القيادة أو العزف على آلة معينة.

والإشكال هنا.. هل كل ما يوجد بالذاكرة حقيقي؟

في إحدى التجارب الشهيرة للدكتور الأمريكية إليزابيث لوفتس (Elizabeth F. Loftus).. تمكنت فيها بإقناع 25% من المشاركين بذكرى مزيفة، وهي أنهم فُقدوا مرة وهم أطفال في المركز التجاري!

رغم التعقيد الذي يقابله العلماء في فهم الذاكرة، تأتي التجربة لتوضح بشكل مذهل هشاشة بعض الذكريات، وكيف يمكن تزييفها.. لذا؛ ننتهي بنفس السؤال: هل حقًا كل ما نظن أنه حَدَث؛ حَدَث بالفعل؟

المصادر 1 2 3

كتابة: رؤي غريب مغربي
مراجعة: آية أسامة عبدالرحيم
تحرير: أحمد عبيد

اظهر المزيد

الجرعة اليومية من العلوم

مؤسسة علمية تطوعية هدفها نشر وتبسيط العلوم، وإثراء المحتوى العربي العلمي عبر الإنترنت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى