شجرة مدغشقر، آكلة لحوم البشر!
جزيرة مدغشقر تعتبر موطنًا لكثيرٍ من المخلوقات الغير عادية والتي لا نراها كل يوم، كالوزغ، والبرص الشيطاني، ورقي الذيل، وجرذان القفز العملاقة.
ولكن لسنوات عديدة، كان يُعتقد أن أغرب شكل من أشكال الحياة في الجزيرة يتمثل في “شجرة مدغشقر آكلة لحوم البشر”، والآكلة لأي كائن حي كبير الحجم. ما قصة تلك الشجرة؟ وما أصل الحكاية؟ وهل هي موجودة حقًا أم تم تكذيبها؟ إليكم التفاصيل.
اكتشاف شجرة مدغشقر آكلة لحوم البشر لأول مرة:
بدأت قصة تلك الشجرة بمقالة كُتبت في جريدة “New York World” الشهيرة في 28 أبريل عام 1874. كانت مكتوبة كخطاب ذي تفاصيل كثيرة حول شجرة ذات صفات غريبة للغاية، وحول قبيلة مكودو “Mkodo” الأصلية التي كانت تعبدها، كانت المقالة مكتوبة كرسالة من قِبَل مستكشف النباتات الألماني الذي كان يُدعى كارل ليتشي “Carl Leche” إلى الدكتور أومليوس فريدلوسكي “Dr. Omelius Fredlowski “.
بحسب ما ورد فيها أن كارل ليتشي مستكشف النباتات قد عثر على قبيلة بدائية أصلية تُدعى مكودو، يسكنون الكهوف، ولا يرتدون الثياب، قصار القامة لا يتعدى طول أيًّا منهم 56 بوصة. ولا ديانةً لهم باستثناء تقديسهم المخيف الذي يقدمونه لشجرة مرعبة ذات سمات لم يسبق أن أدركناها من قبل.
وصف شجرة مدغشقر آكلة لحوم البشر:
يَدَّعي كارل أنه شاهد طقوس عبادة قبيلة مكودو لشجرة مدغشقر، كانت عبارة عن طقس قاموا خلاله بدفع امرأة إلى الشجرة لتلتهمها كتضحيةٍ لها، إذ يقول أن أعلى الشجرة تنبت محاليق خضراء طويلة بها شعر (والمحلاق هو عضو نباتي عبارة عن ساق أو ورقة متحورة ذات شكل لولبي، تستعمله بعض أنواع النباتات المتسلقة للتعلق على دعامة، كحائط أو صخرة أو نبات آخر؛ كمحاليق أشجار العنب وشجيرات الخيار)، تنتهي بمجموعة من المخالب الحادة، تتحرك بقوة وليونة وسرعة كبيرة وحشية كغضب الثعابين الجائعة، تلتف حول المرأة كما تلتف الأناكوندا حول الفريسة -الأناكوندا ثعبان غير سام، ولكن تقضي على فرائسها بالضم والضغط على الجسم حتى يتفتت عظمها وتتفجر عروقها؛ بفضل جسدها الطويل-، حتى سُحقت المرأة وماتت وابتلعتها الشجرة بداخلها.
قلب موازين قصة شجرة مدغشقر آكلة لحوم البشر:
بعد هذا الوصف المتوحش، مؤكّد أنك أُصِبت بالرعب، أليس كذلك؟ هذا ما حدث أيضًا لعموم الناس في تلك الفترة، وقت أن انتشرت القصة. لذا؛ قد تحمَّس أكثر من فريق بحثي للسفر والبحث لرؤية هذه الشجرة.
من بينهم مقال عام 1933، الذي أفاد أن مجموعة من المغامرين مكونة من عالم نبات، وعالم المعادن، ويقودهم رجل عسكري سابق يُدعى “Captain L. R. de la Hurst” في رحلة خاصة للعثور على الشجرة.
ولكن لم يعثروا على شيء، ماذا عن باقي الفرق البحثية؟ لا شيء أيضًا!
إذًا، أين هذه الأشجار المدهشة والمرعبة؟ هل نوعها نادر للغاية مثلًا؟ أم أنها كانت إحدى ضحايانا أثناء قطع الغابات؟ فالكثير من المساحات الخضراء التي كانت تغطي مدغشقر في الماضي تمت إزالتها، هل انقرض نوع تلك الشجرة مع إزالة الغابات؟
لسوء الحظ، الإجابة ليست أيًا مما سبق، فكل شيء كان خدعة تم فضحها عام 1955 من قِبَل كاتب علوم يُدعى ويلي لي “Willy Ley”، الذي اكتشف أنه ليس فقط القبيلة والشجرة أكذوبة، بل المستكشف الألماني الذي يفترض أنه وجدها أيضًا لا وجود له، لا وجود لكارل ليتش!
موقفي التحليلي لقصة شجرة مدغشقر آكلة لحوم البشر:
كان من الممكن أن أنهي مقالي هنا، فهي أسطورة علمية وتم تكذيبها وانتهت القصة، ولكن كيف ظهرت واستمرت كل هذه المدة؟
تحليلي لها يقول أن الإجابة تكمن في نقطتين:
1- حقيقة أن البشر على استعداد لتقبُّل وتصديق كل ما هو عجيب، فكانوا على استعداد لتصديق هذه القصة الغريبة لما يقرب من 70 عامًا! أراد جزء غريب منا أن يكون هناك أشجار عملاقة تأكل الإنسان في مكان ما من العالم، هل تصدق أن هناك مواقع على الشبكة العنكبوتية ما زالت تروّج لهذة الأسطورة وتنشرها إلى اليوم على أنها حقيقة علمية؟ البشر بطبعهم يبحثون عن المتاعب.
2- أول من ألّف هذه الأسطورة لم يكن خياله واسع للغاية ليأتي بمثلها، بل استندت قصته الملفّقة على حقيقة علمية، ومشاهدة حية للنباتات الحشرية “Insectivorous Plants” التي أوحت له بقصة الشجرة؛ هل تعرف ما هى النباتات الحشرية أو النباتات آكلة الحشرات؟ إليك بعض المعلومات الموجزة عنها.
ما هي النباتات الحشرية؟
نباتات تستمد معظم العناصر الغذائية -وليست الطاقة التي تحتاج إليها- من خلال تغذيتها على الحشرات والمفصليات الأخرى، ويتم ذلك من خلال جذب الفرائس ومن ثم تصطادها وتقتلها؛ وذلك نظرًا لكونها تنمو في أماكن ذات تربة رقيقة أو رطبة، وفقيرة بالعناصر الغذائية كالنيتروجين، وغالبًا ما يطلق عليها نباتات آكلة اللحوم.
أهم خصائص النباتات الحشرية:
أ- نقص النيتروجين “Nitrogen Deficiency”:
كما قد ذكرنا، دائمًا ما تتواجد النباتات الحشرية بالأماكن التي تتميز بنقص في بعض العناصر الغذائية، وخصوصًا النيتروجين. فهي تصطاد الحشرات وتهضمها لتكفّي احتياجاتها من النيتروجين.
ب- صفاتها الجاذبة “Attractants”:
النباتات الحشرية ملوَّنة، ولامعة وجذّابة المظهر، وذلك لجذب الحشرات، وغالبًا ما تملك رحيقًا ورائحةً طيبة لجذب الحشرات.
جـ- تعمل كمصيدة لا مفر منها “Inescapable Trap”:
تحتوي العديد من النباتات الحشرية على أجزاء نباتية خاصة، أو معدلة ومحورة لكي تحتجز بداخلها الحشرات. يحتوي فم النباتات الحشرية على حواف مبطِّنة يصطف بها الشعر، تنغلق الأجزاء المحوَّرة بمجرد أن تلامس الحشرة هذا الشعر، وبالتالي تُحاصَر الحشرة ويتم اصطيادها. توجد بعض النباتات الحشرية التي تتميز سيقانها بتغطيتها بمواد لزجة تشبه المخاط، حيث تلتصق بها الحشرة ولا تسطيع الحركة.
د- كائنات وإنزيمات هاضمة “Digestive Enzymes and Organisms”:
تفرز بعض النباتات الحشرية إنزيمات هاضمة، تعمل على إذابة الحشرة ليسهُل امتصاصها. البعض الآخر يحتوي بداخل جهازه الهضمي على بكتيريا أو عث “mites” تحاكي وظائف الجهاز الهضمي البشري. تهضم الفريسة ويمتصها النبات.
أشهر النباتات الحشرية:
الدروسيرا “Drosera”
مصيدة فينوس أو خنّاق الذباب “Venus Flytrap”
نبات الجرة “Nepenthes”
كتابة: نرمين خالد
مراجعة: مصطفى احمد مصطفى
تحرير: إسراء وصفي