الفلسفة

الروح

ماهي حقيقة الروح؟

يُعد هذا السؤال من أهم الأسئلة الوجودية في حياتنا، وبدايةً سوف نتناول في مقالنا هذا وجهات النظر العلمية البحتة دون التطرق إلى تفاصيل الآراء الدينية المختلفة وسنكتفي بنظرة عامة على رأي الأديان في هذه القضية.

 

غالبًا ما تتفق الأديان السماوية والمعتقدات الأخرى على وجود الروح، لكن كيف يمكننا إثبات ذلك بالتجارب؟
هناك سلسلة من التجارب قد تساعدنا في العثور على إجابة لهذا السؤال. فإن فكرة الروح ترتبط غالبًا بالحياة المستقبلية بعد الموت ولكنها غير معتمدة على الجسد، ويستدل العديدون على وجود الروح بدون تحليل علمي. بينما في الواقع تعد أسرار الميلاد والموت والوعي أثناء الأحلام بل وحتى العمليات العقلية المعروفة مثل الذاكرة والخيال دليلًا يقترح وجود قوة حيوية قد توجد في صورة مستقلة عن الجسد.

 

لم يستطع النموذج العلمي المادي التعرف على البعد الروحي للحياة حتى الآن، أخبرونا بأننا مجرد نشاط للكربون وبعض البروتينات، نعيش لفترة ثم نموت، ولكن ماذا عن الكون؟ هو أيضًا بحسب وجهة النظر هذه ليس له معنى! إن النموذج العلمي هنا يعتمد على القوانين الكيميائية والفيزيائية المادية. تم وضع كل هذا في معادلات “لا حاجة لوجود روح”، لكن هناك نظريات جديدة تتحدى هذا المنطق المادي، في كل الاتجاهات يؤدي هذا النموذج المنتهية صلاحيته إلى ألغازٍ لا يمكن حلها وأفكارٍ غير منطقية.

 

يؤمن الروحانيون بوجود روحٍ خالدة معنوية غير حسية ولا علاقة لها بالمادة، بينما يرى العلماء الماديون أن الروح ما هي إلا مرادف للعقل ويمكننا معرفة كل شيء عنها عن طريق دراسة الدماغ وعلم الأعصاب. وتقليديًا يرفض العلم فكرة الروح كجزء من إيمان البشر أو يختزلها في صورة مفهوم نفسي يتماشى مع فهمنا للحياة بصورةٍ عامة، فإن الموت والحياة ما هما إلا عمليات بيولوجية، والمبدأ الأساسي هنا هو الكيمياء والفيزياء، أنت وكل الشعراء والفلاسفة عبارة عن غبارٍ يدور في مجرة درب التبانة، لا يوجد مرجع أو كتاب علمي واحد عن الروح، لم يتم الكشف عنها بالمجهر الإلكتروني مثلًا أو في أنابيب الاختبار في المعامل! لكن بينما حقق علم الأعصاب طفرةً هائلة في دراسة ومعرفة وظائف الدماغ، لماذا لا زلنا نجد بعض التجارب الغامضة؟ هنا تمامًا تكمن معضلة الروح، كيفية فهم النفس (الأنا)؟ كيف نشعر ونعيش تلك الحياة؟ المشاعر والخيالات وأشياء معنوية كثيرة لم يجد لها العلم تفسيرًا، وفي الحقيقة هذه المعضلة لا تخص العلم وحده بل تخص الفكر الفلسفي الغربي أيضًا بالكامل، حيث بدأت وجهة نظر العالم المادية الساذجة هذه تنحدر بنا إلى منعطفات قاتلة، بالطبع لن يعجب الفلاسفة بذلك!

 

حديثًا، بدأت نظرية مركزية الحياة “boicenterism” ونظريات علمية أخرى في تحدي النموذج الكيميائي الفيزيائي لتفسير الحياة، وبدأت في طرح الأسئلة الصعبة، هل هناك روح؟ هل هناك شيء يتحمل ويصمد ولا يتأثر بعوامل الزمن؟ الوعي والحياة والكون والواقع هم مركز هذه النظرية. وفكرنا في أن الحياة فقط عبارة عن ذرات وجزيئات تدور ثم تتفكك إلى لا شيء (الفكر العلمي المادي البحت)، لكن إذا أضفنا الحياة الحقيقية إلى هذه المعادلة يمكننا حل الألغاز الرئيسية في العلم الحديث متضمنة مبدأ اللامحدودية والفهم الجيد للقوانين المتناسقة مع الكون والمفسرة لظواهره المختلفة.

 

إذا أخذنا في الاعتبار تجربة الشقين الفيزيائية الشهيرة (كأحد التجارب التي يستدل بها على إمكانية وجود الروح)، فعند ملاحظتك لجزئ يمر خلال فتحات، سوف تلاحظ مروره كرصاصة في واحدة من هذه الفتحات، ولكن إذا لم يلاحظ أحدٌ حركة هذا الجزئ فإنه يعرض سلوك الموجة ويستطيع المرور خلال الشقين معًا في نفس الوقت، هذه التجربة وتجارب أخرى تخبرنا بأن الجزئ غير الملاحظ قد يوجد في صورة موجات من الاحتمال كما وضح الحائز على جائزة نوبل في عام 1926 ماكس بورن “max born”، حيث إنها تنبئات اتزانية، بمعنى أننا نستدل على وجود هذه الأشياء غير الملحوظة عن طريق آثارها ونواتجها الملاحظة، هذه الأشياء ليس لها وجود إلا في حالة ملاحظتها ومراقبتها. ولتبسيط أكثر للمعنى كما ذكرنا في مثال تجربة الشق، فإن الجزئ يمر من خلال شق واحد عند ملاحظته وفي حالة عدم ملاحظته فهو يسلك سلوك الموجة فيحتمل مروره خلال الشقين معًا في نفس الوقت أو خلال أحدهما.

 

يرفض العديد من العلماء تضمين هذه التجارب كدليل بسبب أن مبدأ الاعتماد على الملاحظة ما زال حبيسًا للعالم المادي، وعلى الرغم من ذلك فإن العديد من الباحثين بدأوا يتحدون هذا المبدأ حول العالم، وخلال عام 2011 أوضح فريق من الفيزيائيين بأن هناك غموض كمي يحدث في عالم البشر، فقاموا بدراسة عدد ضخم من المركبات يتكون من 430 ذرة وأكدوا أن هذا التصرف الكمي الغريب يمتد إلى العالم الأكبر الذي نعيش فيه!

 

وبشكلٍ أكثر أهمية يقودنا هذا كله إلى التساؤل مرة أخرى هل فعلًا تمتلك الكائنات الحية أرواحًا؟ الألوان والأحاسيس والأشياء التي ندركها كلها لا شيء، الزمان والمكان ما هي إلا أدوات يمتلكها عقلنا لوضعها معًا! بدأ العلماء على استحياء بالاقتناع بقوانين الحياة التي تجعل من الوجود ممكنًا ومقبولًا فضلًا عن التجارب المذكورة سابقًا. والنتائج المستخلصة لا تنبذ التفكير العلمي الكلاسيكي فقط، بل وتقترح أيضًا بأن جزءًا خالدًا من عقلنا يمكنه التواجد خارج نطاق الزمان والمكان وهو “الروح”.

 

المصدر

 

كتابة: عبدالله طاهر

مراجعة: ألاء حسين

تصميم: نهى عبدالمحسن

تحرير: إسراء وصفي

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى