الفلسفة

هل الإنسان مُسير أم مُخير؟

هذا السؤال الأزلي سيبقى لآخر الوقت يدور في أذهان البشر، على الرغم من وضوح الإجابة لدى الجميع بأننا مخيرون في حياتنا، اختياراتنا والقرارات التي نتخذها. وموضوعنا الآن عن الاستقلالية الذاتية أو الحكم الذاتي “human autonomy”، تلك الخاصية التي حبا الله بها البشر ليميزهم عن جميع الكائنات الحية. فالبشر أحرار في اتخاذ قرارتهم في الحياة.

 

ولتعريف الحُكم الذاتي أو الاستقلالية البشرية سنتحدث عن القصة المشهورة في الكتب السماوية، آدم والفاكهة التي حرّمها الله عليه وعلى زوجته حواء. كان من الممكن أن يجعل الله الفاكهة صعبة الوصول أو مستحيل الحصول عليها، وأيضًا لم يحاول إغرائهم ليفعلوا ذلك. ولكن أراد الله اختبار مدى قوة صبرهم واحتمالهم؛ حيث زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وأخرجهم الله من جنته وأنزلهم للحياة الدنيا. تلك هي القصة باختصار، ولكن في منظور علماء النفس والفلسفة أن ما فعله الله هبة للبشر؛ حيث أعطاهم حريتهم بدلًا من أن يكونوا مجرد حيوانات أو روبورتات يأخذون الأوامر وينفذونها دون تفكير.

 

إن الاستقلالية الذاتية لا تعني فقط الحرية في اتخاذ القرارات، وإنما هناك مسؤولية لتحمل عواقب ونتيجة تلك القرارات. فالبشر ليسوا كالحيوانات المفترسة التي عندما تجوع تنتظر فريستها للانقضاض عليها، ولا يُمكنك العتاب أو اللوم عليهم فتلك طبيعتهم، ولكن عندما يُقدم أحد من البشر على فعل هذا فإنه مُلامٌ لا محالة على ما قام به؛ لأن لديه ما يفكر به ويميز بين الصواب والخطأ وعليه تحمل نتيجة ذلك.

 

ولكن من العجيب أن تلك النفس البشرية التي حباها الله بالحرية والعقل، تضع قوانين لتسيير أمور حياتها وتحديد سياسة الثواب والعقاب والعلاقات المختلفة بين البشر. ولكن من المُؤكد أن لديهم الحرية في اتباع تلك القوانين وتنفيذها أو تجاهلها واجتنابها والتعرض للعقاب نتيجة مخالفة تلك القوانين. وهذا ما يجعل خاصية الحكم الذاتي واستقلالية البشر ذات قيمة.

 

ولكن هناك بعض المحاولات والاجتهادات من بعض الحكومات لسلب تلك الخاصية من البشر؛ لجعلهم دائمًا مُطيعين وهادئين، حيث يعملون ويقومون بأداء ما عليهم من واجبات في هدوء وسلامة، وذلك لتوسيع مدى نطاق سيطرتهم علينا وتعويضنا بالقليل المتاح. ويُعد ذلك نوعًا من فرض السيطرة المرفوض، فإذا كُنا نُريد أن تكون لدينا حياة بشرية كاملة، علينا التوصل إلى ذلك بأنفسنا دون الحاجة أو مساعدة من أي شخص. فالعصيان هو الهبة الثمينة للتمرد على تلك الأوضاع، وصلاح الحال من سئ إلى أفضل ما يُمكن الوصول إليه. فعلينا الدفاع باستماتة والحفاظ على جوهر إنسانيتنا، وهي الحرية التي أعطاها الله لنا ضد من يحاول سلبها وسرقتها.

 

المصدر

 

كتابة: محمود وحيد

مراجعة: راندا

تصميم: نهى عبدالمحسن

تحرير: هدير رمضان

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى