الفلسفةعلم النفس

ما هو مصدر الأخلاق؟

لا يزال هناك افتراض واسع الانتشار بين الناس بأن الدين هو مصدر الأخلاق. ويستند ذلك عادة إلى الاعتقاد بأن الدين ينقل الأخلاقيات. إذ إن البشر يُخلقون على فطرة معينة فطرها الخالق.

وعلى الرغم من أن الأصول الطبيعية الكاملة للأخلاق قد أُسست بشكل جيد من قبل العلماء، ومقبولة على نطاق واسع في العالم الأكاديمي، إلا أن العديد من الناس لا يعلمون من أين تأتي الأخلاق وأصلها.

أصول الأخلاق

إن فهم أصول الأخلاق مثل جميع السمات السلوكية، يتطلب منظورًا تطوريًا، مع الأخذ في الاعتبار التطور البيولوجي والثقافي. حيث نرى أنه من المفيد تبسيط هذا الموضوع من خلال التفكير أولًا في الخصائص الفردية ثم الخصائص الجماعية التي تُشكل الأخلاق البشرية.

وتشمل الخصائص الفردية السمات الغريزية والعاطفية، مثل التعاطف والذنب. وتدور العوامل الجماعية حول التعاون والمنافسة، والطرق التي تتطور بها المعايير والقواعد المجتمعية والثقافية. فضلًا عن القدرات العقلية التي لها تأثير كبير على الحس الأخلاقي للبشر. وبطبيعة الحال، تتشابك هذه العوامل لكي تصنع الأخلاق.

الصفات الغريزية والعاطفية كالتقمص العاطفي، والشعور بالذنب، والضمير، والخزي (والحرص على السمعة)، والاشمئزاز، والنفور من الغضب وعدم المساواة. وكل هذه المشاعر وارتباطاتها السلوكية يمكن أن تظهر في الأطفال.

يُظهر الأطفال التعاطف والإنصاف والعدالة والقدرة على الحكم على “الخير” و”الشر”. وبعض هذه المشاعر، كالاشمئزاز والغضب، يمكن أن تغذي الرأفة أو القسوة. فحتى التعاطف من شأنه أن يغذي العدوان، كما هو الحال عندما يرتبط شخص ما ارتباطًا عاطفيًا بأحد أفراد الجماعة.

1- التعاطف

تشير تجارب علم الأعصاب إلى أن دوائر الدماغ العاطفية نفسها تنشط عند البشر عندما نشعر نحن أنفسنا بالألم، وعندما نرى الآخرين يشعرون بالألم.

إن التقمص العاطفي هو رد فعل جسدي، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بسلوك الانعكاس اللاواعي (unconscious mirroring behavior). وغالبًا ما يكون تلقائيًا ولا إراديًا، مثل الفزع من ألم مفاجئ أو عندما نرى شخصًا يُصاب.

يتجلى التعاطف أيضًا في التزامن العاطفي وتقارب المزاج والعدوى. كما يحدث في الحشود والجمهور، ومجموعات كبيرة من المشاهدين والجماعات الدينية.


2- القدرات الإدراكية

كما أن الخصائص الفردية التي تولد الحس الأخلاقي الإنساني تتضمن قدرات إدراكية أعلى، ولا سيما ضبط النفس.



العقل/ الذكاء العقلاني

ضبط النفس هو قدره الكائن الحى على التحكم في رغبته إذ أنها تسمح للكائن الحي بالتوقف عن تحقيق هدف أو إشباع رغبة ما للقيام بشيء أكثر صعوبة لمكافأة أكبر ولكن متأخرة. مثلًا، يتيح ضبط النفس للحيوان المفترس أن يطارد فريسته عوض أن ينقض عليها فورًا. إن ضبط النفس ككابح للعدوان أمر حاسم للتعاون في الحيوانات.
ويتفوق البشر في ضبط النفس، لأن الإنسان يتميز بالعقل وقدرات إدراكية أكثر. مثل السيطرة على النوبات، فالغاضب عليه أن يفكر جيدًا قبل أن يتحدث أو يتصرف؛ لأن كل ما قد يفعله أو يقوله يمكن أن يجعل الوضع أسوأ مما هو عليه في الحقيقة.

3- التكيُّف

إن دور العقل أو العقلانية في تشكيل الحس الأخلاقي البشري واضح في حد ذاته، وقد كان يعتقد الفلاسفة وعلماء النفس في الماضي أنه العامل الرئيسي الذي يشكل مصدر الأخلاق البشرية قبل أن يتم تقدير وفهم الدور المركزي للغريزة والعاطفة بشكل كامل.
وهناك جدل الآن حول ما إذا كانت العاطفة أو العقلانية تملك تأثيرًا أكبر على الحس الأخلاقي البشري. وعلى الرغم من أن العاطفة غالبًا ما تكون أكثر قوة من العقلانية، إلا أن العقلانية أكثر مرونة وتكيفًا من العاطفة، وقادرة على التغلب على العاطفة عندما يستخدمها الفرد بشكل متعمد وحذر (بمساعدة ضبط النفس).

4- العوامل الجماعية والاجتماعية والثقافية:

ومن الواضح أن للتنشئة الاجتماعية والتعليم دورًا رئيسيًا في تشكيل غرائزنا الأخلاقية الفطرية إلى أشكال مختلفة تتخذها أخلاقنا الخاصة داخل المجتمعات والثقافات المختلفة.

5- المصلحة الذاتية والمعاملة بالمثل:

تركز العوامل الاجتماعية على تشكيل الأخلاق، مثلًا في العمل الجماعي، تخلق روح التعاون والمشاركة. مثل نظرية الألعاب، حيث تطبق نماذج رياضية لدراسة صنع القرار العقلاني في حالات المنافسة والتعاون. وهي أساسية لفهم مجالات مثل الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية.


يمكن فهم الأخلاق على أنها خاصية طبيعية تنبثق من السمات التي تستند إلى الغريزة والعاطفة وتتشكل عن طريق العقل، وتتطور في سياق اجتماعي مكثف.


من المؤكد أن البشر لديهم أيضًا ميول طبيعية نحو العنف والقسوة والأنانية. لكن السمات الاجتماعية والتعاونية لها ميزة عامة على الميول العنيفة والمعادية للمجتمع في كل من التكيف التطوري البيولوجي والثقافي.


أخذت سمات التعاون والرحمة زمام المبادرة بشكل خاص متفوقة على العنف والقسوة في المجتمعات الديمقراطية العلمانية الحديثة والمتعلمة، وذلك مقارنة بمعظم تاريخ البشرية. فالعقل والتفكير النقدي الصارم في هذه المجتمعات هما مصدر الأخلاق في هذه العملية المستمرة للتحسين المجتمعي.

المصدر

كتابة: فاطمة عبد الهادي

مراجعة: محمود علام

تدقيق لغوي: محمد لطفي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى