عندما أتذكر أيام الطفولة، أشعر بتلك النسمات الخفيفة التي تُداعب وجوهنا بفصل الخريف، مع كَمّ الراحة النفسية الهائلة والنشاط بتلك الفترة.
حسنًا، فالجو ليس بحار مثل الصيف، وليس ببارد وقاسٍ مثل الشتاء، فهو مُختلف من حيث درجات الحرارة، وألوانه المبهجة.
فمع انتهاء فصل الصيف وبداية فصل الخريف، تحدث تغيُّرات جوية مُختلفة، بالإضافة إلى تغيُّرات في النباتات، حيث تسقط أوراقها لتصبح مُستعدة لفصل الشتاء مع جوه القارس، بالإضافة إلى تحوّل ألوانها إلى الأصفر، والأحمر، والأرجواني، والبرتقالي.
فهلمَّ بنا؛ لنتعرف أكثر على الخريف وتغيُّراته البيئية.
فصل الخريف
يبدأ عندما تتساوى ساعات الليل بالنهار، ويميل فيه نصف الكرة الشمالي قليلًا بعيدًا عن الشمس، وبالتالي تُصبح الأيام أقصر، ويبدأ انخفاض درجة الحرارة، ويستمر حتى يبدأ تراجُع نصف الكرة الشمالي بعيدًا عن الشمس.
لماذا تتساقط الأوراق في الخريف؟
استعدادًا لبعض التغيُّرات البيولوجية التي يحتاجها النبات، بسبب الظروف المناخية لفصل الشتاء، تُوجد عدة تصوّرات:
1. تحتاج النباتات لكثير من الطاقة والماء بفصل الشتاء؛ لتُحافظ على شكلها وصحتها، ولكن على عكس احتياجاتها، فالشتاء بارد وجاف، مع قلة الطاقة الشمسية التي تمد النباتات باحتياجها، فتسد مداخلها من الفروع بتساقُط الأوراق.
2. أحيانًا يكون من وسائل الحماية الذاتية، حيث تتميز النباتات الخضراء في المناخات الباردة بتغطيتها بالمواد الشمعية والراتنجات؛ لحمايتها من الكسر والتجمُّد، أما الأوراق الرقيقة فمُعرَّضة للكسر.
3. يتمدد الماء عند التجمُّد، فإنَّ الماء الموجود في الأوراق سيمزقها في فصل الشتاء.
ونتيجة لتلف تلك الأوراق، يزداد عدد الأوراق غير المُنتجة، فتُحاول الأشجار التخلُص منها؛ لإنتاج مساحة كافية من المصانع لإنتاج الغذاء.
هل جميع أنواع الأشجار تتساقط أوراقها؟
تُعرَف بعض الأشجار (مثل أشجار الأَرز) بـ النوع دائم الخضرة، أي مُداومة على لونها الأخضر، بالإضافة لعدم تساقُط أوراقها في الخريف.
وذلك بسبب حماية أوراقها بطبقة شمعية سميكة تُسمَّى “الراتنج”، تحميها من درجة الحرارة المُنخفضة والتمزُّق، ولا تتساقط الأوراق إلا في حالة الشتاء القارص.
طريقة تحوُّل لون الأوراق وذبولها
1- مع انخفاض درجة الحرارة، تنشط هرمونات النبات لبدء عملية الفصل أو الانشطار.
2- يتوقف إنتاج الكلوروفيل، وتنخفض نسبة الأصباغ.
3- تُغلَق أوعية النبات المسئولة عن إمداد الماء والمُغذيات.
4- يبدأ تكوُّن طبقة من الخلايا بين ساق الورقة والغصن، تُعرَف بـ “طبقة الانفصال”.
5- تعمل على قطع الورقة ببطء، دون ترك جرح مفتوح.
6- مع سقوط الأوراق، يدخل النبات في حالة سكون؛ لتوفير الطاقة اللازمة لإنتاج البراعم بفصل الربيع.
وقد لا يُوجد ضوء كافي لحدوث عملية البناء الضوئي، فتبدأ الأشجار بغلق مناطق إنتاج الغذاء، وتقليل كمية الكلوروفيل.
أمّا عن سبب تحوُّل لون الأوراق:
عند تَحلُل صبغة الكلوروفيل، يبدأ تلاشي اللون الأخضر، وظهور ألوان الكاروتينات الصفراء والبرتقالية.
وفي نباتات أخرى تظهر صبغة الأنثوسيانين، والتي تعكس اللون الأحمر والأرجواني على الأوراق.
الكلوروفيل هو مادة كيميائية تجعل أوراق الشجر خضراء، ومع انخفاضها تُصبح المواد الكيميائية الأخرى أكثر بروزًا في الأوراق، كما أنه المسؤول عن امتصاص الطاقة الضوئية للشمس.
بالنسبة للحيوانات:
هناك بعض الأساليب المُختلفة التي تعتمد عليها الحيوانات للتغلُّب على برودة فصلي الخريف والشتاء:
1- الهجرة:
تنتقل إلى أماكن أكثر دفئًا، مثل بعض الطيور، والثدييات مثل الوعل، وبعض أنواع الحشرات أيضًا.
2- الادّخار:
في هذه الطريقة، تُوفّر الحيوانات أكبر قدر من المخزون الغذائي، مثل السناجب والقنادس.
3- التكيُّف:
يُكيُّف الكثير من الحيوانات سلوكهم وأجسادهم، فيقومون بتكثيف ما يُغطيهم من الفرو، كما يُغيرون نوعية الطعام، مثل الأرانب التي تأكل في هذه الفترة من العام اللحاء والأغصان.
4- السُّبات:
حيث تُسمّن بعض الحيوانات نفسها بفصلي الصيف والربيع، قبل الدخول في سُبات عميق بدايةً من الخريف.
بالإضافة إلى بعض الطرق الأخرى، فتُخفض الأسماك والزواحف عملية الأيض، وتحرق طاقة أقل بكثير، بينما يلجأ البعض الآخر لإنتاج مواد كيميائية تمنعهم من التجمُّد.
يُعتبر الخريف نهاية مُوسم الحصاد، وتحتفل الكثير من الثقافات الزراعية به، كما أنه واحد من الاعتدالين، حيث تمر السنة باثنين من الاعتدالات وهما: الخريف والربيع، واثنين من الانقلابات وهما: الصيف والشتاء.
فصل الخريف فصل مُميز، به العديد من التغيٌُرات في الطقس، والمُناخ، وتتابُع الليل والنهار، كما أنه مُقدمة لفصل الشتاء.
وبناءً عليه، تُحاول الكثير من الكائنات الحية التكيُّف، إما بالهجرة، أو إفراز مواد كيميائية أو البيات الشتوي إلى آخره.
كتابة: ندي عبد الرحيم
مراجعة: نرمين خالد
تحرير: أسماء مالك
