العصر العباسي الأول | العصر الذهبي للإسلام
العصر العباسي الأول | العصر الذهبي للإسلام
على مدار خمسة قرون، كانت الخلافة العباسية هي أزهى عصور الدولة الإسلامية. لِمَا كان من قوة حكامها واتساع حدودها الجغرافية، والازدهار الحضاري في كافة مجالات الحياة، خاصةََ العلم والعُمران والتجارة وغيرها.
وسميت “الخلافة العباسية” نسبة إلى العباس عمّ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي ثالث خلافة بعد عهد الخلفاء الراشدين والخلافة الأموية.
نشأة الخلافة العباسية
بدأت الدعوة إلى الخلافة على يد «محمد بن علي بن عبد الله بن عباس». إذ اختار دعاة ينتشرون في ربوع الدولة الأموية؛ لنشر أمر الدعوة بأن يتولى الخلافة رجل من آل البيت، وينتقدون الدولة الأموية وضعف الخليفة.
جاء من بعده ولده إبراهيم، الذي نظَّم الدعوة وجعل لها رجالََا في الكوفة وخرسان. حيث كُلف أبا مسلم الخراساني بالدعوة للخلافة العباسية جهرََا في خراسان، ومن هنا بدأت الدولة العباسية -من خراسان-، وانطلقت حتى سادت الشرق والغرب والشمال والجنوب.
العصر العباسي الأول
كان العصر العباسي الأول هو أقوى عصور الخلافة العباسية.إذ تَميَّز بقوة الخلفاء وحكمتهم السياسية والعسكرية، فسيطرت الدولة على رعاياها وساد الرخاء أنحاء الدولة.
كذلك اهتمَّ الخلفاء بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، فعملوا على توسعتهما والاهتمام بالشكل المعماري للمسجدين، والقيام على شؤونهما.
كما أولَى الخلفاء الجهاد في سبيل الله كل اهتمامهم. بعد توقف الفتوحات في أواخر الدولة الأموية، فحاربوا وفتحوا البلدان ونشروا الإسلام.
وكان للفرس نفوذََا خاصََا في الخلافة العباسية. إذ تولَّوا المناصب العليا والقيادية كالوزارات والولاية على الأقاليم، وكذلك سيطروا على قيادة الجيش وأغلب الجهاز الإداري للدولة. إذ كان ذلك سببََا رئيسيًّا في قوة الدولة، ولكنه أثار غضب الكثيرين وكان يثير حركات التمرد.
عانت الخلافة العباسية من الفِتَن الداخلية، والحركات المُناهضة لها لزعزعة استقرارها. لكن قوة الحُكام وحكمتهم مكَّنتهم من القضاء عليها والتصدِّي لها، ومن أمثلة هذه الفِتَن الخوارج والشيعة والمعتزلة والبرامكة في أفريقيا.
تصدَّت لهم الدولة بشكل أساسي، بدعم الحياة الفكرية والاهتمام بالعلوم الشرعية، وإنشاء المدارس للحِفاظ على الهُوِيَّة الإسلامية والتحذير من أصحاب البِدَع. كما شَهِد هذا العصر نشأة علوم تفسير القرآن، وظهرت المدارس الفقهية والأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل.
وازدهرت علوم النحو واللغة، والترجمة من اللغات الأجنبية، وأنشئ بيت الحكمة، وهو أول مجمَّع علمي للترجمة والفلك.
أشهر خُلفاء العصر العباسي الأول
الخليفة أبو جعفر المنصور:
هو مؤسس مدينة بغداد، وجعلها عاصمة للخلافة. كان قويََا حازمََا، وضع القوانين والتشريعات التي أسست الدولة القوية، وقضى على مَن تَبقَّى من الأمويين والمعارضين من العباسيين.
وازدهر في عهده البناء والعُمران، فكانت بغداد تحفة مِعمارية، وبنِيت على شكل دائري. كانت مجمع فيها للعلماء في جميع المجالات، وشجَّع على العلم والترجمة.
الخليفة هارون الرشيد
حكم بعد أخيه الهادي الذي خلف أباهما الخليفة المهدي، وكانوا جميعََا ذوي قوة ولهم بطولات في ساحات الجهاد. كان هارون الرشيد قائد الجيوش في عهد أبيه، وحارب البيزنطة ودافع عن حدود الدولة العباسية.
أحاط هارون الرشيد نفسه بذوي الخبرة من رجال السياسة والعسكرية. شَهِدت الخلافة العباسية في عصره ازدهارََا وتألقََا في كافة المجالات، ولم يكن الخليفة هارون الرشيد منصرفََا عن شئون دولته. إذ كان يحج عامََا ويغزو عامََا، وتوفي في رحلات الجهاد.
ازدهرت الحياة الاقتصادية في عهده وزاد العُمران، وتطوَّرت العلوم والفنون، وتمتَّع الناس بالرخاء والرفاهية. كانت بغداد في زمنه مَركزََا للحضارة وعاصمة العالم.
قضى هارون الرشيد على حركات التمرد في عهده، والتي كانت تسعى لزعزعة استقرار الدولة، مثل البرامكة والأغالبة وفي المشرق وبلاد الشام والخوارج والطالبين.
الخليفة المُعتصم بالله
أتى الخليفة المعتصم والخلافة تهددها الأخطار من الداخل والخارج، وذلك بعد الفتنة بين أخويه الأمين والمأمون، وعَهِد إليه المأمون بالخلافة وهو على فِراش الموت، إذ كان بطلََا شجاعََا متمرسََا بالحروب.
قضى على الحركات التمردية في الداخل كالخرمية والزط، وأرسل الجيوش للفتوحات وحارب البيزنطة عندما أغاروا على ثغور المسلمين، فأرسلَ جيشًا كبيرًا وصل به إلى أنقرة وفتح عمورية، وهو مَن حَرَّك الجيوش تلبية لنداء امرأة استنجدت به وقالت: “وامعتصماه”.
واستمَّر ازدهار الدولة في عهده في العلوم والحياة الاجتماعية والعمران، كما بنى مدينة “سامراء”.
العصر العباسي الثاني
يشمل باقي الخلفاء العباسيين بعد الواثق بالله، حتى سقوط بغداد في أيدي التتار، وقسَّم المُؤرخون العصر العباسي الثاني إلى أربع مراحل أو عصور:
نفوذ الأتراك.
النفوذ البويهي.
السلاجقة الأتراك.
ما بعد السلاجقة.
سيطر الجنود الأتراك والمماليك على الدولة وزاد نفوذهم، وكثرت تعدياتهم على الشعب، وفرضوا الضرائب، وتآمروا على الخلفاء وزادت الفِتَن، ولم يَعُد يأمن الناس على أرواحهم وأموالهم.
قلَّت الفتوحات، وأهمل الخلفاء الجهاد، وانشغلوا بالفِتَن الداخلية والمُؤامرات، وانشغل الناس بالترف واللهو والمجون، وبنوا القصور واأُشغِلوا بأمور الدنيا عن الجهاد.
وانتهت الخلافة العباسية بغزو التتار لبغداد وأبادوها بكل وحشية. بالرغم من وجود بعض الحُكام الصالحين مثل صلاح الدين الأيوبي، إلا أن الفساد لم يلبث أن يعود والمُؤامرات أن تزداد.
إعادة إحياء الخلافة العباسية في مصر
بعد سقوط بغداد وانهيار الخلافة، عاث التتار في الأرض فسادََا، وقتلوا الناس وحرقوا المدن، ولم يوقفهم إلا انتصار المسلمين في معركة “عين جالوت” بقيادة “قطز”. بعد هزيمة التتار في هذه المعركة أصبح إحياء الخلافة ممكنََا، فبعث قطز إلى أحد الأمراء العباسيين ليبايعه على الخلافة، ولكن توفي قبل ذلك.
فأرسل من بعده الظاهر بيبرس إليه، واستدعاه إلى القاهرة وبايعه بالخلافة، ولقب بـ “الخليفة المستنصِر”، وأقام بالقاهرة بدلََا من بغداد، وكانت سلطاته محدودة أمام سلطات الظاهر بيبرس.
واستمرت الخلافة العباسية بمصر على هذا الشكل، حتى فتحها العثمانيون عام 1517م، على يد سليم الأول في عهد السلطان الغوري.
كتابة: نهال المغربي
مراجعة: آية ياسر
تدقيق لغوي: شدوى محمود