اقتصاد وإدارة أعمال

الكساد العظيم

من المُرجَّح أن الإقتصاد العالمي قد يعيش هذا العام أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، لكن ما الكساد العظيم؟ وما هي تلك الحقبة التي تبث الرعب في قلوب العالم؟
كان الكساد الكبير أعظم وأطول ركود اقتصادي في تاريخ العالم الحديث، بدأ مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية، وتحديدًا في بورصة نيويورك في حي “وول ستريت” في أكتوبر 1929، وذلك عندما تم طرح 13 مليون سهم للبيع، لكنها لم تجد مُشترين، فوجد آلاف المُساهمين أنفسهم مُفلِسين، وخسر مُؤشر “داون جونز” الصناعي نحو 89% من قيمته، ولم ينتهِ حتى عام 1946، بعد الحرب العالمية الثانية.
كانت البنوك الأمريكية سببًا في اندلاع أزمة الرهن العقاري، التي أشعلت نيران أزمة مالية على نطاق أكبر، وجدت سبيلها إلى باقي أنحاء العالم، وكان الاحتياطي الفيدرالي سببًا في وقوع أكبر كارثة اقتصادية في القرن العشرين.
مع وقوع تلك الأزمة، انتقلت تأثيرات انهيارات الأسهم الأميركية إلى باقي القطاعات، ولم يُفلح الإنفاق الحكومي الذي ارتفع خلال النصف الأول من عام 1930، في إعادة الاقتصاد الأمريكي إلى
مُستويات ما قبل الانهيار الكبير، إذ انخفض إنفاق المُستهلكين بنسبة 10%، بسبب الخسائر الفادحة بسوق الأسهم، بالإضافة إلى موسم جفاف شديد عصف بالأراضي الزراعية الأمريكية في بداية صيف 1930.
وامتدت الأزمة المالية سريعًا داخل الولايات المُتحدة، إذ أعلنت عشرات البنوك والمصانع إغلاق أبوابها، ونتيجة لذلك أصبحت أعداد العاطلين عن العمل كبيرة للغاية.
أما هؤلاء الذين حالفهم الحظ بالبقاء في العمل، فقد قَلَّت أجورهم وبالتبعية انخفضت القوة الشرائية.

ومع تلاشي ثقة المُستهلكين في أعقاب انهيار سوق الأسهم، دفع التراجُع في الإنفاق والاستثمار المصانع والشركات لإبطاء وتيرة الإنتاج، والبدء في تسريح العمال.
رغم التدخُلات غير المسبوقة والإنفاق الحكومي الكبير من قبل إدارات “هربرت هوفر” و”فرانكلين روزفلت”، ظلَّ مُعدَّل البطالة في أمريكا قرب 19% في عام 1938، وبقي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي دون مُستويات ما قبل 1929، في الوقت الذي كانت تقصف فيه اليابان البحرية الأمريكية في “بيرل هاربر” أواخر عام 1941.
رغم أن انهيار البورصة حَفَّز الإنكماش الاقتصادي على مدى عقد من الزمان، يرى المُؤرخون أنه ليس السبب الوحيد وراء الكساد الكبير، ولا يُفسر لماذا كان عميقًا وطويلًا إلى هذه الدرجة الكبيرة، ويُؤكدون أن مجموعة مُتنوعة من الأحداث والسياسات أدَّت إلى إطالة أمده.

أسباب الكساد


يتفق مُعظم المُؤرخين الاقتصاديين على أن الانهيار وحده لم يتسبب في الكساد الكبير، وأنه لا يُفسر سبب شِدّة عُمق الركود واستمراره.
ساهمت مجموعة مُتنوعة من الأحداث والسياسات المُحددة في الكساد الكبير، وساعدت في إطالة أمده خلال الثلاثينيات.
بحسب ما يقوله رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق “بن برنانكي”، فإن المركزي الأمريكي قد ساعد في خلق الكساد، عندما استخدم سياسات نقدية مُتشدِدة عندما كان ينبغي أن يستخدم العكس.
قررت واشنطن تمرير ما يُعرَف بـ “سموت – هاولي” -مع ذُعر القادة السياسيين- لحماية الصناعات المحلية والوظائف، ونتيجة لذلك انخفضت التجارة العالمية بنسبة 65% وفقًا لقيمتها الدولارية في ذلك الوقت، وبنسبة 25% وفقًا لعدد الوحدات.
وفي الوقت نفسه، ساهم استحداث قانون الجمارك في عام 1930 في تعميق أزمة الكساد العظيم، والذي كان يهدف لحماية المُزارعين في البداية، ثم امتد ليشمل بعض الصناعات المحلية.
لم ينشط دور الاحتياطي الفيدرالي طيلة الثماني سنوات الأولى بعد تأسيسه عام 1913، وعقب تعافي الاقتصاد من الكساد الذي ضرب البلاد بين عامي 1920 و1921، سمح البنك المركزي الأمريكي بتَوسُّع نقدي كبير.
نما إجمالي المعروض النقدي بمقدار 28 مليار دولار، بزيادة نسبتها 61.8% بين عامي 1921 و1928، وارتفعت الودائع المصرفية بنسبة 51.1%، وزادت المُدَّخرات بنسبة 224.3%، وقفز صافي احتياطيات التأمين على الحياة بنسبة 113.8%.
من خلال زيادة المعروض النقدي وإبقاء أسعار الفائدة مُنخفِضة، حَرَّض الاحتياطي على التَوسُّع السريع الذي سبق الانهيار، حيث غَذَّى المعروض النقدي الفقاعات في سوق الأسهم والعقارات.
حتى بعد الانهيار، اتخذ البنك المركزي مسارًا مُعاكسًا تمامًا، بخفض معروض النقود بمقدار الثُلث، وهو ما تَسبَّب في مُشكلات حادة بالسيولة لدى العديد من البنوك الصغيرة، وخنق آمال الانتعاش السريع.
وترافقت أزمة الكساد مع دخول الآلات في عملية الإنتاج، الأمر الذي ضاعف المعروض في الأسواق، ودفعت الأزمة الدول إلى التدَّخُل في الشأن الاقتصادي، وهو الأمر الذي تكرر على نحو مُشابِه في الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ثم قررت الحكومة الأمريكية مُواجهة تداعيات أزمة الكساد العظيم عام 1933، وإنشاء مُؤسسة لرعاية العاطلين عن العمل نتيجة الأزمة، وإصدار قوانين تمنع البنوك من التعامُل بالأسهُم والسندات، بالإضافة إلى إصدار قانون الإصلاح الصناعي وقانون آخر، لتحقيق الاستقرار في قطاع الزراعة في أمريكا، وخضعت قطاعات إنتاج مثل: الفحم والمترو للتأميم الحكومي في فرنسا وبريطانيا.

نهاية الكساد


في عام 1932، انتخبت الولايات المُتحدة “فرانكلين دي روزفلت” رئيسًا للبلاد، وهو الرئيس الذي تَعهَّد بإنشاء برامج حكومية لإنهاء الكساد.
وفي غضون 100 يوم تحت حُكمه، وقَّع على الاتفاق الجديد ليُصبح قانونًا، وأنشأ نحو 43 وكالة جديدة، تهدف إلى خلق فرص للعمل وتوفير إعانات البطالة.
أعطت الحرب العالمية الثانية أيضًا دفعة للاقتصادات للتعافي عبر التجارة، والإنتاج المُتزايد الضروري لاستخدامات الحرب.

سبب الكساد العظيم ليس مُحددًا تمامًا وغير واضح، حيث أن طبيعة الاقتصاد حينها جعلت الأمر أكثر تعقيدًا، بالإضافة لعدم وجود التكنولوجيا الحديثة وقتها.
لكن الحقيقة التي لا يُمكن إغفالها، هي أن تلك السنوات لن تُمحى ولن تُنسى في تاريخ الاقتصاد العالمي.

المصادر 1 2 3 4

كتابة: أسامة صابر

مراجعة: أحمد مغربي

تدقيق لغوي: رباب مصطفى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى