التاريخ والأدب

ابن سينا | أشهر الأطباء الفلاسفة

كان ابن سينا نموذجًا للطبيب الناجح والفيلسوف المثقف، وكان رجل دولة وسياسة من طراز عالٍ، وكان سفيرًا لحركة التنوير الثقافي التي قادتها الدولة الإسلامية العباسية.

ابن سينا الطبيب الفيلسوف (980-1037م)

هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، من أشهر الأطباء الفلاسفة في العصر العباسي -العصر الذهبي للدولة الإسلامية- وقال عنه الفيلسوف الإيطالي أنتوني فلو “أعظم المفكرين المتحدثين بالعربية على الإطلاق”، وأطلق عليه الأوروبيون لقب “أمير الأطباء”.

مولده ونشأته

ولد ابن سينا بالقرب من بخارى في خراسان عام 980م، وتلقى تعليمًا مميزًا منذ الصغر، إذ حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في السادسة من عمره، ثم أتقن اللغة العربية وآدابها.

بعد ذلك، اتجه إلى دراسة الشريعة والفقه والفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية، ثم درس الطب في السادسة عشرة من عمره، وأتقنه بسهولة كما قال.

عندما مرض سلطان بخاري، وحار الأطباء في أمره، أرسلوا إلى ابن سينا الذي عالجه، وتعافى السلطان على يديه.

فكان لهذا الحدث أثرًا كبيرًا في زيادة علم ابن سينا وثقافته؛ فقد أمر السلطان بفتح مكتبة القصر السلطاني له، لينهل من كتبها الفريدة ومخطوطاتها النادرة.

إنجازات ابن سينا في الطب

كان ابن سينا طبيبًا راسخًا متمكنًا، وكان يقول: إن الطب ليس علمًا صعبًا وشائكًا مثل الرياضيات والميتافيزيقيا، فأحرز فيه تقدمًا كبيرًا، وعالج المرضى، وأصبحت له شهرة واسعة.

وله الكثير من المؤلفات في الطب، أشهرها على الإطلاق كتاب (القانون في الطب)، ويُعد هذا الكتاب موسوعة طبية لخصت الطب الإسلامي في ذلك الوقت، وكان له تأثيرٌ كبيرٌ على التطور الطبي حينذاك.

تُرجم كتاب ابن سينا إلى اللاتينية والعبرية ولغات أخرى، وأصبح كتابًا معتمدًا للتدريس في مدارس الطب في أوروبا حتى القرن السابع عشر، فقد كان كتابًا شاملًا.

القانون في الطب (The Canon)

قسّم ابن سينا كتابه إلى خمسة كتب، وكل كتاب مقسم إلى أجزاء كالتالي:

الكتاب الأول

الجزء الأول: التعريف بالطب، ومهمته، وعلاقته بالفلسفة، وعلم التشريح ووظائف الأعضاء.

الجزء الثاني: أسباب الأمراض وأعراضها.

الجزء الثالث: التغذية العامة، وسبل الوقاية من الأمراض.

الجزء الرابع: العلاجات العامة.

الكتاب الثاني

كتب فيه عن الأدوية البسيطة، وطرق استخدامها وفاعليتها.

الكتاب الثالث

عن الأمراض الجهازية مثل أمراض (الجهاز الهضمي، والتنفسي، والبولي، والأعضاء التناسلية، وأمراض المخ، والعيون، والأذن، والقلب، والثدي، وغيرها).

الكتاب الرابع

  • عن الأمراض غير الجهازية مثل الحمى.
  • أعراض الأمراض وكيفية تشخيصها.
  • المنومات.
  • الجروح وطرق علاجها.
  • الخُلوع وكسور العظام.
  • السموم ومستحضرات التجميل.

الكتاب الخامس

خُصص هذا الكتاب للتراكيب الدوائية والعلاجات، وفيه نحو 760 دواءً بسيطًا ومركبًا، لعلاج الكثير من الأمراض.

كان كتاب (ابن سينا) مرجعًا موثوقًا، فقد وثق فيه تشريح العين، مع وصف تشخيص صحيح لحالات مثل إعتام عدسة العين، وحدد بعض الأمراض المعدية مثل السل، ووصف أعراض مرض السكري واعتلال الأعصاب.

كما شخّص ووصف بعض الأمراض النفسية؛ كالاكتئاب والوسواس، وكتب في التشريح العصبي الوظيفي للعمود الفقري، وكان من أوائل الأطباء الذين اعتمدوا التجارِب السريرية في الممارسات الطبية.

وذكر بعض المؤرخين بعض مساهمات ابن سينا في طب النساء والولادة وأحوال الرُضع وتغذيتهم.

ابن سينا والفلسفة

كان ابن سينا يربط الفلسفة دومًا بالعلوم، ويرى بعض المؤرخين أنه كان فيلسوفًا أكثر منه طبيبًا، بدأ حياته الفلسفية كعضو من النخبة المثقفة المقربة من الدوائر السياسية الحاكمة، إذ كان طبيبًا ومستشارًا سياسيًا لكثير من الحُكام.

من أشهر مؤلفاته في الفلسفة “كتاب الشفاء”، وهو موسوعة من خمسة أجزاء يتحدث فيها عن فلسفته في الدين، والمنطق والرياضيات والفيزياء والميتافيزيقيا.

كان هذا الكتاب نتيجة نشأته الأولى، وتعليمه في بُخارى، ونظرته للعلم والفلسفة كوحدة متكاملة، فجمع فيه مختلف خيوط الفكر الفلسفي، ووضع تصنيفًا موحدًا للعلوم والمعارف، وقسمها إلى علوم نظرية وعلوم عملية.

وشرح في كتابه علوم الفيزياء والطبيعة وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا)، وعلوم الفلك والجيولوجيا والمعادن والأرصاد الجوية، وعلم النفس والحيوان والنبات، والكيمياء والرياضيات والجغرافيا.

كما أفرد في كتابه، وكتب عن علوم الاقتصاد والسياسة والفراسة وتفسير الأحلام والموسيقى والفن والتنجيم والمعجزات.

وكتب ابن سينا موسوعة أخري في الفلسفة باللغة الفارسية (نظرية المعرفة)، كما كتب أيضًا موسوعة الإرشادات والتنبيهات في الفلسفة.

ابن سينا وعلم ما وراء الطبيعة

اهتم ابن سينا بعلوم ما وراء الطبيعة معتمدًا على آراء أرسطو وأفلاطون، ووضع نظامًا شاملًا مفصلًا لها، وأضاف الكثير من المؤلفات لهذا العلم، من أشهرها كتاب الحكمة العروضية.

ميراث ابن سينا

ويزعم المؤرخون أن ابن سينا كتب نحو 450 مؤلَّفًا، ما وصل إلينا منها 240 فقط، في كافة المجالات، ما زال أثرها باقيًا حتى الآن، ومن أهم مؤلفاته:

  • القانون في الطب.
  • كتاب الشفاء.
  • مختصر إقليدس.
  • الحكمة العروضية.
  • نظرية المعرفة.
  • الإرشادات والتنبيهات.
  • منطق المشرقيين والقصيدة المزدوجة في المنطق.

والكثير من الأطروحات في الأغذية والأدوية وعلوم الفضاء.

أبرز اختراعات ابن سينا

اخترع جهازًا لقياس الطول، وعرَّف طبيعة الضوء وكيفية انبعاثه.

اخترع جهازًا لمراقبة حركة النجوم، واكتشف أن كوكب الزهرة أقرب للشمس من الأرض.

شرّح النبات ووضح أجزاءه بدقة.

وفي النهاية، ستظل سيرة ابن سينا التي أملاها لتلميذه أبي عبيد الجوزي هي المصدر الوحيد عن تاريخه وحياته، هذا الفيلسوف والطبيب الناجح ورجل الدولة المتمرس، المعلم والأديب.

ربما كان ابن سينا محظوظًا بوجوده في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وربما كان أعظم سفير لحركة التنوير الثقافي التي قادتها الدولة الإسلامية العباسية، ولكن الأكيد أن ابن سينا ما زال يثير إعجاب العالم حتى الآن، كما كان يثير الإعجاب وهو على قيد الحياة، نرى ذلك واضحًا عند زيارة ضريحه في مدينة همدان؛ فنري السياح يزورون الضريح بمزيد من الإعجاب لهذا العالم الذي أثرى العلم والعلوم، هذا الضريح الذي أضيف له متحف ومكتبة تحتوي على أكثر من 8000 مجلد في شتى العلوم.

المصدر

كتابة: نهال المغربي

مراجعة: آية ياسر

تدقيق لغوي: محمد بشير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى