لماذا تلجأ الحيتان إلى الانتحار؟
حقيقة انتحار الحيتان
من الظّواهر الأكثر مأساويّةً جنوح الحيتان على الشاطئ، فمن المؤثّر رؤيتها وهي تموت؛ إذ تموت الحيتان عند جنوحها إلى الشاطئ، وعلى الرّغم من أنّ الحيتان تشتهر بامتلاكها نظام ملاحة متطوّر يُمكّنها من تحديد اتجاهها في البحر، إلا إنّه من المعروف أنّ بعض أنواعها خاصةً الحيتان الطيارة (الرّبان)، والحيتان المنقاريّة، والحيتان القاتلة، تجنح نحو المياه الضّحلة أو الشّواطئ؛ ممّا يؤدّي إلى موتها.
فأولًا، دعونا نعرف أكثر عن الحيتان؛ الحوت من الثّدييات المائيّة، وهو أكبر الثّدييات والفقاريات، والحيوانات المعروفة في العالم. تنتمي الحيتان إلى رتبة الحيتانيّات التي تضمّ بالإضافة إلى الحيتان، الدّلافينَ، وخنازيرَ البحر، وتُعدّ الحيتانيّات من أحفاد الثديّيات البريّة، ويُعتقَد بأنّها من رتبة ذوات الظّلف، وقد انتقلت إلى الماء قبل 50 مليون عامًا. لدى الحوت الخصائص المميّزة للثديّيات؛ فهو من ذوات الدّم الحارّ، ويوجد له شعر وإن كان قليلًا، كما يتكاثر بالولادة، وتُرضع الأمّ الصّغار، ويتكوّن قلبه من أربع حجرات، ويتنفّس الهواء الجويّ بواسطة الرّئتين، إلا أنّه في الوقت نفسه قد تكيّف للسّباحة والعيش في الماء، لذا؛ فجسمه انسيابيّ، وله زعانف أماميّة وذيليّة، ومعظم الحيتان لديها زعانف ظهريّة.
تُقسم الحيتان إلى مجموعتين رئيستين:
1) الحيتان المسنّنة (The Toothed Whales): تُعرَف علميًّا باسم (Odontoceti)، ومن أنواعها حوت العنبر، وحوت العنبر القزم، والحوت الأبيض، وغيرها.
2) الحيتان البالينيّة ( Baleen Whales): تُعرَف علميًّا باسم (Mysticeti)، وتوجد في فمها صفائح بالينية بدلًا من الأسنان، ومن أنواعها، الحوت الأزرق، والحوت الزّعنفيّ، وحوت ساي، وحوت بريدي، وحوت أومورا، والحوت الأحدب، والحوت الرّماديّ، وحيتان المنك، والحوت مقوّس الرّأس، وغيرها.
إن حقيقة جنوح الحيتان على الشاطئ لهي من الظّواهر الأكثر مأساويّةً، فمن المؤثّر رؤيتها وهي تموت؛ إذ تموت الحيتان عند جنوحها إلى الشاطئ، وعلى الرّغم من أنّ الحيتان تُشتهَر بامتلاكها نظام ملاحة متطوّر يُمكنها من تحديد اتجاهها في البحر، إلا أنّه من المعروف أنّ بعض أنواعها خاصةً الحيتان الطيارة (الرّبان)، والحيتان المنقاريّة، والحيتان القاتلة، تجنح نحو المياه الضّحلة أو الشّواطئ، ممّا يؤدّي إلى موتها، وقد تشمل هذه الظّاهرة حيتانًا مُنفرِدةً أو قطيعًا كاملًا، وقد شهد هذا العام 2017م جنوحَ أكثر من 350 حوت طيّار إلى شاطئ الجزيرة الجنوبيّة في نيوزلندا، ونفق ما يقرب من 400 حوت طيار في شواطئ في تسمانيا في أكبر جنوح جماعي تم تسجيله في أستراليا.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تموت الحيتان عندما تجنح إلى الشاطئ؟ سبب ذلك أنّ جسم الحوت مُصمَّم للعوم والطّفو على الماء، والماء يُقلّل ضغط كتلة الحوت الكبيرة على أعضائه الداخليّة، وعندما يصل الحوت إلى البّر لا تتمكّن الأعضاء الداخليّة من تحمّل الضغط النّاجم من كتلة الجسم عليها، فتتعرّض للجروح الدّاخلية ممّا يؤدي إلى موتها، بالإضافة إلى أنّ وجودها على البرّ يُسبّب لها كدمات وجروح خارجيّة أيضًا.
ظاهرة جنوح الحيتان نحو الشّواطئ
في الحقيقة، لا يوجد تفسير علمي دقيق لظاهرة جنوح الحيتان نحو الشّاطئ، توجد عدّة نظريّات لتفسيرها، ولا يزال العلماء بحاجة إلى المزيد من الدّراسة والبحث؛ للتيقّن من الأسباب الحقيقيّة لهذه الظّاهرة، ومن النّظريات التي قد تُفسّر جنوح الحيتان نحو الشاطئ ما يأتي:
1- أمواج السّونار القصيرة ومتوسطة التّردد:
يرى بعض الباحثين وعلماء البيئة أنّ أمواج السّونار التي تطلقها القوات البحريّة، مثل القوات البحرية الأمريكيّة لرصد الغوّاصات قد تربك الحيتان، وتعطّل نظام الملاحة الخاصّ بها، وتتسبّب بفقدانها للاتّجاه، ممّا يدفعها إلى المياه الضحلة قرب الشاطئ؛ بحثًا عن الأمان، وقد وُجِد أنّ الحيتان التي تتعرّض لأمواج السّونار تظهر عليها أيضًا إصابات بدنيّة، بما في ذلك النّزيف في الدّماغ، والآذان، والأنسجة الدّاخليّة، كما ظهر عليها أعراض شديدة لمرض انخفاض الضّغط الجويّ أو شلل الغواص (Decompression Sickness)؛ ممّا يفسّر تغيّر أنماط الغوص عند الحيتان، ويُعتقَد أنّ الحيتان منقاريّة الأنف، والحيتان بطيخيّة الرّأس هي الحيتان الأكثر تأثرًا بالسّونار، ونظرًا لخطورة هذه الظّاهرة، فقد رفع مجلس الدّفاع عن الموارد الطبّيعية (The Natural Resources Defense Council) وبعض المجموعات البيئية الأخرى دعوى قضائيّة ضدّ البحريّة الأمريكيّة في عام 2008، تعهّدت البحريّة على إثرها بدراسة تأثير السّونار على سلوك الثّدييات البحريّة ومن ضمنها الحيتان، كما أنّ المحاكم الاتّحاديّة في كل من كاليفورنيا وهاواي، أصدرت تعليماتها إلى البحريّة للحدّ من استخدام السّونار.
2- مرض الحيتان:
يعتقد باحثون في علم الحيتان أنّ الحوت الذي يعاني من بعض الأمراض النّاتجة عن الالتهابات، أو الطفيليات، أو الإصابات، أو حتّى الأمراض التي تنتج عن الطّفرات الوراثيّة والشّيخوخة، قد تندفع نحو الشّاطئ، وإذا صادف أنّ الحوت المريض هو الحوت المسيطر الذي يقود قطيع الحيتان، فقد تتبعه بقيّة الحيتان إلى الشاطئ، فيجدوا أنفسهم محاصرين ولا يستطيعون العودة.
توجد فرضيّة أخرى تُفسّر الجنوح الجماعيّ للحيتان نحو الشّاطئ، مفادها أنّ جماعات من الحيتان تتّجه نحو الشّاطئ عند تلقّيها نداء استغاثة من حوت علِق عند الشاطئ، فتجد نفسها بالخطأ قد علِقت هي أيضًا، ولا تتمكّن من العودة إلى الماء. وذلك لأن معظم الحيتان موجهة للعائلات أيضًا؛ أى أنهم يعيشون في مجموعات كبيرة منذ لحظة ولادتهم، ويعيشون عادةً في جماعات، ولا يتركون أمهاتهم أبدًا مدى الحياة. إحدى الفرضيات وراء سبب الجنوح الجماعية هي هذه الرابطة الأسرية القوية، إذا أصبح أحد الحيتان مريضًا أو ضائعًا أو مسنًا أو مرتبكًا، فقد تحذو الحيتان الأخرى في القطيع حذوه. بعد كل شيء، يفعلون كل شيء معًا، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى موت الجماعة بشكل مأساوي، كوحدة واحدة.
3- نقص الغذاء:
يُعتقَد أنّ نقص مصادر الغذاء في مناطق تغذية الحيتان، وما ينتج عن ذلك من ارتباك وضعف، قد يدفعها نحو الشاطئ، أو في أثناء مطاردتها لفريسة أو هروبها من حيوان مفترس، فإنّها تجد نفسها قد وصلت إلى المياه الضحلة، في المقابل، يجد البعض أنّ هذا التفسير غير مقبول، خاصةَ أنّ الحيتان قد تجنح إلى الشاطئ في أماكن لا تتوفّر فيها الفرائس المعتادة للحيتان.
4- السّموم البيئية:
يُشير باحثون من الإدارة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجويّ (National Oceanic and Atmospheric Administration) أنّ تلوث الماء، وظاهرة المدّ الأحمر -وهي ظاهرة تزايد نموّ نوع من الطّحالب التي تنتج سمومها في الماء- قد يكونان وراء ظاهرة جنوح الحيتان نحو الشاطئ.
5- عوامل أخرى:
يُعتقَد أنّ العوامل الجويّة القاسية، والنّشاط الزلزاليّ تحت الماء، وشذوذ المجال المغناطيسي، قد يكون لها دورًا في ظاهرة جنوح الحيتان نحو الشاطئ.
كتابة: زهرة عابدين
مراجعة: رؤي غريب
تحرير: إسراء وصفي