هوس التخفي | أثر ارتداء الكمامة من الناحية النفسية
مرحبًا بكَ في عالَم الرُّهاب الاجتماعي!
أنا نادين.. حَبيسة هذا العالَم الافتراضي!
لا أتذكر منذُ متى وأنا على هذا الحال..
أشعُر بالخوف.. أبتعد عن الجميع!
يضيقُ صدري وتختفي ملامح وجهي، ولكن لا أجرؤ على نزع كمامتي، فهي لا تزال حِصني وملجأ حمايتي!
هل تظنُّ أنني أُبالغ؟
لا… لا تظنّ ذلك الآن!
دَعني أروي عليكَ أولًا حواري مع مُعالجي النفسي عن أثر ارتداء الكمامة من الناحية النفسية، وعلاقته بتاريخي المَرضِي عن “هوس التخفِّي” وما ترتَّب عليه بداخلي من رُهاب اجتماعي… تابع معي.
علاقة ارتداء الكمامة بالرهاب الاجتماعي
من داخل غرفة الطبيب النفسي..
“تعلَم أننّي استطعتُ تخطَّي هوس التخفي ورهبة التواصل الاجتماعي منذ زمنٍ طويلٍ، ولكن مع تكرار ارتداء الكمامة منذ عدة أشهر وقد عاد يُساورني نفس شعوري القديم، حتى بدأ يتكون لدي شك أنني لن أكون قادرة على التخلي عنها بعد الآن، فقد صارت ملجأ أماني وحِصن حمايتي من التعامل مع الناس.”
كان يستمع إلى انفعالاتي بانتباه شديد، وما لبثت أن توقفت عن الحديث حتى بادر بسؤالي قائلًا: “هل تعنين بداية انتكاسة الرُّهاب الاجتماعي من جديد؟”
كان لوقع سؤاله ألمًا على مسامعي، فقد كنتُ أعاني معظم أيام حياتي من الرُّهاب الاجتماعي، ولم أكن أتوقع أن تتكوَّن عواقب وخيمة لارتداء الكمامة من الناحية النفسية تصل لديّ إلى بدء شرارة رُهابي الاجتماعي من جديد.
أعراض الرهاب الاجتماعي
أفقتُ من شرودي على صوته متحدثًا:
“لابأس، فاليوم سنحاول اللِّحاق ببداية الأمر سويًا، ولكن أولًا، ما هي الأعراض التي جعلتك تظُّنين أنكِ في بداية أعراض الرُّهاب الاجتماعي من جديد؟”
أجبته قائلةً:
أعراض شعورية متمثلة في:
- قلق دائم من حضور أي موقف اجتماعي.
- خجل وخوف شديد من التعامل مع الناس.
- تجنُّب الحديث مع أي شخص غريب.
- تذكُّري للأحداث البائسة السابقة مع حدوث أي موقف سلبي.
أعراض جسدية متمثلة في:
- خفقان القلب والارتجاف.
- صعوبة في التقاط الأنفاس.
- الشعور بأنّ عقلي أصبح فارغًا أثناء الحديث.
- التعرقُّ الشديد مع التورُّد في ملامح وجهي.
- أسباب الرهاب الاجتماعي
قال مطَمئنًا: “لا بأس، ولكنّنا نعلم سويًا أن إحساسك بهذا الشعور ومراودته لكِ من حين إلى آخر ناتج عن حدثٍ سلبي قديم، ترتّب على أثرِه جعل القلق الاجتماعي سلوكًا مُكتسبًا لديكِ، وأنّه ليس نابعًا عن سببٍ وراثي أو سببٍ في تغيير بنية الدماغ، مِثلَما هو منتشر عند عددٍ كبير من الناس.
فالكمامة بالنسبة إليكِ قد فاقت كونها دافعًا أساسيًا للحماية من العدوى، وأصبحت هوسًا للتخفي ليس أكثر.”
- علاج الرهاب الاجتماعي
1- علاج دوائي
ثم استكمل: “لذلك سنلجأ للعلاج السلوكي، لكن إن لم يكن كافيًا قد نلجأ للعلاج الدوائي من جديد”.
هُنا، جحظَت عيناي واتسعت حدَقَتيهما، لكنّه لم يُمهلني قول شيئًا، واستطرد قائلًا:
“نعم سوف نلجأ لتكرار جرعات:
(أ) مضادات الاكتئاب مرة أخرى.
(ب) مثبطات امتصاص السيروتونين.
(ج) حاصرات مستقبلات بيتا.
تنهدت بعمق بعدما تذكرت معاناتي القديمة مع استخدام تلك الجرعات، ومدى الوقت الذي استغرقته للعودة إلى حياتي الطبيعية من دونها، ثم قلت في أسى:
“لا.. لن ألجأ مُطلقًا للعلاج الدوائي من جديد، سوف أتابع بالعلاج السلوكي وأنا على يقين أن لديّ القدرة على تجاوز تلك المرحلة من دونه.”
2- علاج سلوكي
ارتسمت ابتسامة تلقائية على وجهِه، ثم قال محفّزًا: “عظيم، هذا ما كنت أتوقع سماعَه، والآن، سوف أُملي عليكِ بعض الأمور التي يجب أن يحتوي يومك عليها؛ حتى نتخطى تلك الانتكاسة بأقل خسائر نفسية ممكنة.
(أ) تأكدي من حصولك على قدرٍ كافٍ من النوم، قبل مواجهة أي يومٍ جديدٍ قدر المستطاع.
(ب) اتَّبِعي نظامًا غذائيًا صحيًا، وانسي أمر الحِمية الغذائية تمامًا في هذه الأوقات.
(ج) حاولي القيام ببعض التمارين البدنية؛ لمساعدتك في تحسُّن حالتك النفسية.
(د) تجنبي تناول أي مواد ذات نسبة عالية من الكافيين.
(ه) كوني على يقين أن مخاوفك من التخلي عن ارتداء الكمامة أمرًا نابعًا من مخاوفكِ الداخلية فقط.
(و) أكثري من التواصل مع الأشخاص المقربين، ومن تشعرين بالراحة في الحديث معهم.
(ز) ابدئي بالبحث عن الانضمام لمجموعة تطوعية خاصة للاهتمام بالأطفال.
(ح) تناولي الطعام مع أحد أصدقائكِ، مع المحافظة على انتزاع الكمامة منذ بداية اللقاء.
(ط) حاولي حدوث مزيد من التواصل البصري مع أكثر من شخص في آن واحد.
(ي) أخيرًا، جامِلي شخصًا ما أثناء النّظر داخل عينيه.
ثم أضاف: “إنّ الداء الحقيقي هو الخوف من الحياة لا الموت؛ فلا تدعي الحياة تمُر بسبب خوفك”
كان هذا ختام حديثي معَه، فشكرته بعد ترتيب موعد جديد للأسبوع المقبل، ثم غادرت غرفة عيادته وبداخلي أمل وثقة بإمكانية تحدّي مخاوفي في مواجهة ذلك العالم الخارجي، وتخطِّي أمر صعوبة التخلّي عن ارتداء الكمامة من الناحية النفسية، وهوس التخفّي الناجم عنه.
“تعلمتُّ أن الشجاعة ليست غيابَ الخوف، ولكنّ القدرة على التغلب عليه” نيلسون مانديلا.
كتابة: آية المعتز
مراجعة: مي أبوزيد
تدقيق لغوي: إسراء وصفي