شذوذ رعاية الصغار في بعض الأسماك البحرية!
من الشائع أن معظم الأسماك البحرية لا ترعى صغارها، وتترك البيض متحركًا مع تيارات المحيط. على عكس الكائنات الأخرى كالطيور مثلًا، والتي ترقد على بيضها حتى يفقس، وترعى الصغار. هذه الظاهرة تسمى “الحضانة الطفيلية”، ولكن الغريب هنا أنه تم اكتشاف نوع من الأسماك البحرية -التي تعيش بجوار الشعب المرجانية- يرعى صغاره.
جياكومو برناردي “Giacomo Bernardi”، أستاذ علم البيئة والبيولوجيا التطورية في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، ذهب إلى الفلبين لدراسة نوع يسمى “damsel fish” من جنس “altrichthys”، حيث يوجد نوعان منه يحميان صغارهما، واكتشف الفريق نوعًا ثالثًا يوفر أيضًا رعاية الأبوين. قال الدكتور برناردي: “إن هذا نادر للغاية في أسماك الشعاب المرجانية؛ حيث أنه في معظم الأنواع، تتشتت اليرقات في كل اتجاه، وتنجرف مع التيارات قبل أن تستقر على الشعاب المرجانية، وتؤكل 99% منها”.
لاحظ الدكتور برناردي أن الأسماك البالغة من جنس (altrichthys) تحمي صغارها، كما لاحظ أن بعض الأسماك الصغيرة تختلف عن الأخرى. وكشفت الاختبارات الجينية أن تلك الأسماك الغريبة يرجع اختلافها إلى أنها تعرضت للرعاية الأبوية، كما أظهرت أن العديد من آباء هذا الجنس ترعى صغارًا مختلطة، طبعاً من نفس النوع، ولكن ليسوا من نفس الأبوين. وقال: “كانت هذه مفاجأة كاملة لي، ولم أجدها إلا من خلال الاستعانة بعلم الوراثة”.
استشار برناردي زميله بروس ليون “Bruce Lyon” في جامعة كاليفورنيا، وأستاذ البيئة وعلم الأحياء التطوري، والذي يدرس الحضانة الطفيلية في الطيور. كما سجلوا النتائج التي توصلوا إليها في ورقة نُشِرت في مجلة “Molecular Ecology”. وذكر الدكتور ليون التالي: “في الطيور أو الأسماك، هناك طريقتان فقط لكي ينتهي الأمر بفراخ أو صغار مختلطة. أولهما التبني، أي أن فرخًا من خارج العائلة يتم تبنيه وقبوله داخل الحضانة. والثانية هي الحضانة الطفيلية، فالكبار يضعون بيضهم في أعشاش الآخرين”.
وجد فريق الدكتور برناردي دليلًا على كلتا الظاهرتين السابقتين. فالدليل على ظاهرة التبني هو أنهم وجدوا بعض الصغار من أنواع أخرى بين فراخ جنس (altrichthys)، وفسروا هذا على أن هؤلاء الغرباء اندمجوا مع فراخ ذلك الجنس للحصول على الحماية. أما الدليل على ظاهرة الحضانة الطفيلية فهو أن الباحثين وجدوا أن الفراخ -المختلطة من نفس النوع- نتجت في الغالب من عائلات لها نفس الحجم، ولكن مختلفة وراثيًا، وأفضل تفسير لذلك هي ظاهرة الحضانة الطفيلية.
وعلق الدكتور برناردي على ذلك فقال: “لو أنها ليست الحضانة الطفيلية، فكل صغار الأسماك سوف تسبح أكثر ويتم تبنيها، وهذا يبدو غير مُرجَّح؛ وذلك لأن الأعشاش متباعدة، ومعدل الوفيات هائل بالنسبة لصغار لا تخضع للحماية”. وفي عدة مرات، جمع الدكتور برناردي تلك الآباء للحصول على عينات جينية، وذكر أن الصغار التي تمت حمايتها -من قِبَل الآباء التي تم جمعها- قد تم افتراسها في الحال. إذًا، لا يبدو على الآباء أنها تحمي صغارها بطريقة عدوانية، ولكن بمجرد غياب الحماية، يتحرك المفترسون في جزء من الثانية. الفكرة هنا أن الصغار سوف تسبح باحثة عن أي فراخ أخرى تندمج معها، وهذا يبدو من غير المرجح للغاية.
تستطيع الاختبارات الجينية على بيض جنس (altrichthys) أن تمثل دليلًا قاطعًا على ظاهرة الرعاية الطفيلية. ولكن الدكتور برناردي كان في حيرة من أمره: “أعشاش ذلك الجنس موجودة عميقًا في الشعاب، والتي تمثل مكانًا رائعًا، ولكن هذا الاختبار مصيري، وأنا أود القيام ببعض الاختبارات مع ذلك الجنس في أحواض خاصة”.
كما ذكرنا سابقًا، هناك أنواع أخرى من الأسماك يتم تبنيها من بين فراخ جنس (altrichthys)، وملاحظات دكتور برناردي تفترض أن هذه هي إحدى استراتيجيات البقاء. وفي صباح ما، شهد فريقه حدث تجمع ضخم من يرقات (damselfish)، والتي انجرفت مع التيارات على الشعاب بأعداد مهولة. وقد وصف ذلك الحدث قائلًا: “كانت هناك سحب من صغار الأسماك. وبعد مرور بضعة أيام، رأينا تلك السحب قد أصبحت أنحف وأنحف؛ وذلك بسبب افتراسها. وفي النهاية، تلك الصغار التي نجت، كان ذلك بسبب أنها قد تم تبنيها بين فراخ (altrichthys). أنا واثق بأن بعض الفراخ التي هربت من الافتراس قد اختبأت بين الشعاب، ولكن أظن أن فكرة التبني تلعب دورًا هامًا”.
ووفقًا لما قاله الدكتور ليون، ترتبط الرعاية الأبوية والحضانة الطفيلية ارتباطًا وثيقًا في شجرة الحياة. حيث قال: “في معظم المجموعات التصنيفية التي تطورت فيها رعاية الأبوين، تتطور أيضًا بعض أشكال التطفل الإنجابي. وبالنظر إلى ندرة أو قلة الرعاية الأبوية في أسماك الشعاب المرجانية، من المثير للاهتمام أن تُظهِر هذه الأنواع أشكالًا من الطفيليات الإنجابية، مثل التبني والتطفل الحضني. عندما تتطور الكائنات الحية لإنتاج بعض الموارد، إذا كان ذلك قابلًا للغش، فإن التطور سوف ينتج عنه غش”.
كتابة: منار ابراهيم
مراجعة: مصطفي احمد
تحرير: زياد محمد
تصميم: عاصم عبدالمجيد