الكيمياء

البوليمر، مادة غيرت ملامح الصناعة

في أحد قاعات الدراسة بكلية العلوم هذا العام، في واحدة من الجامعات المصرية، وقف أستاذ جامعي يشرح لطلابه ملامح مادته الدراسية التي سيقوم بتدريسها لهم في فصلهم الدراسي هذا تحت مسمى “polymers”، كان يبدو سعيدًا بأهمية وغرابة ما سيلقيه، مما أثار الحماسة في نفوس طلابه، وفي وسط حديثه ذكر قائلًا: البوليمرات أضحت ذات أهمية بالغة الآن في جميع مناحي حياتنا، لذا فهناك أخبار تقول أن بدايةً من العام الدراسي القادم سيكون لدينا قسم خاص لدراسة البوليمر، ويسمى دارسها “طالب بلاستيك” فصاح طلابه وتهللوا متعجبين ألهذا الحد دراسة البوليمر مهمة؟! فكان رده أكثر غرابة بالنسبة لهم: “هناك كليات أجنبية لدراسة البوليمرات وحدها دون باقي العلوم، فالبوليمرات هي المادة التي غيّرت ملامح الصناعة، ولن نبالغ إذا قلنا أنها المادة التي باكتشافها غيّرت وجه العالم كله.

تُرى ما هي البوليمرات؟ وكيف تم اكتشافها؟ والأهم، ما هي تطبيقاتها التي تجعلها بجلّ هذه الأهمية؟

بدأت قصة البوليمرات في القرن التاسع عشر، وقتَ كان المطاط الطبيعي -أو المطاط الهندي كما كان يُعرف سابقًا- ذو فائدة محدودة للصناعة، إذ كانت تذوب منتجات المطاط في الطقس الحار، وتتجمد وتتشقق في البرد، كما تلتصق بكل شيء تقريبًا، حتى جاء اليوم الذي أسقَط فيه المخترع الأمريكي تشارلز جوديير “Charles Goodyear” عن طريق الخطأ بعض المطاط الممزوج بالكبريت على موقد ساخن، حدث حينها تفاعل يُٰٖعرف الآن باسم الفلكنة أو الكبرتة “Vulcanization” للمطاط، فنستطيع حينها إدخاله في العديد من الاستخدامات الصناعية، ومن ضمنها صناعة إطارات السيارات.

حصدت عملية الفلكنة تلك على شهرة واسعة، ثم حصلت على براءة اختراع بعد عدة سنوات عام 1844، فقد كانت سببًا في إحداث ثورة وهي: صناعة المطاط. لم يكن جوديير حينها -كغيره في تلك الحقبة- يعلم ماهية البوليمرات، ولم يكن يعرف حقًا لم قد تغيّرت صفات المطاط.

وفي عام 1920، أحدث هيرمان شتاودينجر “Hermann Staudinger” -أستاذ في الكيمياء العضوية- ضجة في مجتمع الكيمياء الدولي عندما افترض أن مواد مثل المطاط الطبيعي لها أوزان جزيئية كبيرة جدًا في ورقة بحثية، قام ستودينجر بالعديد من التفاعلات التي تًُنتج جزيئات أوزانها الجزيئية كبيرة، من خلال ربط عدد كبير من الجزيئات الصغيرة معًا في سلسلة واحدة، أطلق على هذا التفاعل “بلمرة”، فقد كان يُلقب بـ”أبو كيمياء الجزيئات الكبيرة macromolecules”، حصل بعدها ستودينجر على جائزة نوبل عام 1953 لدراساته هذه. فبجهوده في فهم هذا المجال وجهود من بعده، وُضِعت أسس علم البوليمرات التي نعرفها اليوم.

ما هي البوليمرات؟

البوليمر: هي مادة مصنوعة من سلاسل طويلة ومتكررة من جزيئات صغيرة، هذه المواد لها خصائص فريدة ومتعددة؛ مما يتيح لنا استخدامها في شتى التطبيقات، وتختلف من نوع لآخر بناءً على كيفية الترابط فيما بينها. بعض البوليمرات تنثني وتتمدد مثل: المطاط والبوليستر، والبعض الآخر صلب وقوي مثل: الزجاج والإيبوكسز (epoxies).

تتواجد البوليمرات في كل جوانب الحياة الحديثة تقريبًا، حيث يستخدم البشر المنتجات التي تتواجد فيها البوليمرات بشكل يومي في جميع مناحي الحياة، من زجاجات المياه إلى إطارات الطيارات والمعدات الثقيلة، نستخدمها في كل شيء تقريبًا، في أكياس التسوق والصودا، زجاجات المياه وألياف النسيج، أغلفة الطعام وقطع غيار السيارات والألعاب، جميعها من البوليمرات، حتى هاتفك الذكي الممسك به بين أصابعك، يدخل في صناعته صناعة البوليمر.

كثيرًا ما يُستخدم مصطلح البوليمر لوصف منتجات مصنوعة من البلاستيك، والبلاستيك من البوليمرات الصناعية، ولكن في الحقيقة يوجد بوليمرات طبيعية أيضًا. المطاط والخشب أحد أمثلة البوليمرات الطبيعية، فالبوليمر يعد نوعًا من الجزيئات الكبيرة المسماة “macromolecules” والكائنات الحية أجسامها زاخرة بمثل تلك الجزيئات.

جزيء البوليمر ينشأ عن عملية تسمى البلمرة “polymerization”، وهي تتم من خلال التفاعل والجمع بين جزيئات صغيرة تسمى المونومرات، تجتمع معًا في سلسلة طويلة بروابط تساهمية، وباختلاف التفاعلات الكيميائية التي تحدث بواسطة الحرارة والضغط، تتغير الروابط الكيميائية التي تربط المونومرات معًا، وتؤدي هذه العملية إلى ربط الجزيئات في سلسلة خطية بسيطة أو بها تفرعات “branched” أو على شكل شبكة ويسمى “crosslinked”.

وختامًا، أودّ أن أذكر أنه لا تزال تطبيقات البوليمرات ومركباتها تتقدم وتتزايد بسرعة كبيرة نظرًا لسهولتها فيما يتعلق بالتصنيع، وعند التفكير في استخدام المادة البوليمر، ستحتاج أولًا إلى فهم كيفية تصرُّف المادة بمرور الوقت حتى تتمكن من تقدير قيمتها الحقيقية واستخدامها الاستخدام الأمثل. وبسبب كثرة وتنوع البوليمرات وخصائصها ولتسهيل دراستها، فقد تم وضع عدة تصنيفات للبوليمرات، لا يسعنا الآن شرحها بالتفصيل في هذا المقال، لذا؛ تابعونا في مقالاتٍ أخرى ذات الصلة.

المصادر 1 2 3

كتابة: نرمين خالد

مراجعة: مصطفى احمد مصطفى

تحرير: شيماء ربيع

اظهر المزيد

نرمين خالد

كاتبة بقسم الأحياء والكيمياء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى