التاريخ والأدب

تأثير تجارة الخزف الصيني على الفن المصري المملوكي

كانت القاهرة -خلال الفترة المملوكية- مركزًا ثقافيًا وتجاريًا هامًا مرتبطًا بحوض البحر المتوسط ​​بأكمله (الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وأوروبا). تم نقل أنواع مختلفة من البضائع، وخاصة التوابل والحرير والأحجار الكريمة والخزف، من الصين والشرق الأقصى -عبر اليمن والبحر الأحمر- إلى القاهرة؛ من أجل إرضاء السوق المحلية، والتصدير إلى البحر الأبيض المتوسط.

في هذا الإطار الدولي، لم تكن القاهرة مجرد مكان للتجميع والتوزيع، بل كانت أيضًا مركزًا مهمًا للاستهلاك، واستجابة عالية للأنماط الأجنبية القادمة من: الجزيرة، آسيا الوسطى، أوروبا، والشرق الأقصى بالطبع. في الواقع، سعت النخبة المملوكية إلى امتلاك وعرض الأشياء الغريبة والمزخرفة في المناسبات المهمة، مثل: حفلات الزفاف، المآدب، والاجتماعات مع السفراء والمبعوثين الأجانب.

تأثر المماليك بالخزف الصيني:
لم يُظهر الفن المصري قبل الفترة المملوكية اهتمامًا كبيرًا بالتصميمات الهندسية، فقد كان معظم التصميم الهندسي الإسلامي إيرانيًا. استندت الزخرفة في البداية على أنماط قادمة من إيران والأناضول، ولكن بعد عام 1350، أصبحت مصر المنطقة الإسلامية الرائدة في تطوير أنماط جديدة، وفي استخدام الزخارف الهندسية للأسطح المعمارية، ومخطوطات القرآن، وأثاث المساجد.

بحلول القرن الخامس عشر، قل اهتمام المماليك بشكل كبير بالأدوات الزجاجية والمعدنية، وأصبحت التأثيرات الصينية الخزفية مهمة للغاية. حيث قلدت صناعة الفخار المملوكية أواني سيلادون الصينية (خزف أخضر ملون بالأبيض والأزرق)، والفخار المزجج. ومن منتصف إلى أواخر القرن الخامس عشر، ومع تراجع رعاية المنتجات ذات الجودة العالية، كانت هناك أشكال أرخص من الفخار غير المزجج.

الأدلة الأثرية بالفسطاط على تداول الخزف الصيني:
الأدلة المادية من عمليات التنقيب الأثرية التي أُجريت في مصر -ولا سيما في الفسطاط/مصر- تشهد على هذه التجارة الدولية المكثفة، وتؤيد بيانات مثيرة للاهتمام حول مجموعة واسعة من الخزف المتداول في بلاد الشام الإسلامية، والتي تم إنتاج الغالبية العظمى منها في الصين وجنوب شرق آسيا.

معظم المعلومات المتعلقة بتاريخ إنتاج الخزف -أو السيراميك- الذي انتشر في مصر خلال الفترة الإسلامية، بما في ذلك الواردات من الصين، تأتي من عمليات التنقيب الأثرية التي أُجريت في الفسطاط من بداية القرن العشرين. بناءً على دراسة هذا الموقع، نعلم أن أول المنتجات الصينية المؤكدة في مصر هي الأواني الزجاجية متعددة الألوان (الخضراء والبنية والصفراء)، والأواني الزجاجية ذات اللون الأزرق والأخضر في عهد أسرة تانغ (618-907)، والتي تم استيرادها خلال القرن التاسع من منطقة جيجيانغ (جنوب شرق الصين). ازداد عدد الواردات في القرن التالي عندما بدأت تجارة “سيلادونات يوي – Yue celadons”، وهو نوع من الخزف الأخضر الصيني عالي الجودة، والأواني ذات اللون الأزرق والأخضر من جنوب الصين، والأواني البيضاء أيضًا.

بناءً على دراسة إحصائية أجرتها البعثة الأثرية اليابانية في الفسطاط، تبين أن الواردات الصينية شكلت 1.3% من التجمع الزجاجي المكتشف في الموقع. قبل بضع سنوات، وفي بداية السبعينيات، وجدت بعثة أثرية أمريكية أن نسبة السفن الصينية في الموقع كانت حوالي 0.6%. وحسب الدراستين، يبدو أن غالبية هذه المواد يمكن أن تكون مؤرخة بين أواخر القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي والقرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن وجود الخزف الصيني في الفسطاط أثر على نشاط صناع الخزف المحليين، الذين بدأوا في تجربة أنواع خزفية جديدة من أجل تحقيق نتائج مماثلة. حدث هذا في عدة نقاط في تاريخ الإنتاج الخزفي الإسلامي؛ ففي حالة العصر المملوكي وصلت المنتجات المحلية المستوحاة من القطع الأثرية الصينية (السيلادونات والأواني الزرقاء والبيضاء) إلى مستوى عالٍ من الجودة.

ورغم أن الفسطاط كانت المتلقي الرئيسي للمنتجات الصينية، إلا أنها لم تكن الوحيدة في مصر. في الواقع، كانت هناك مراكز مهمة أخرى مستفيدة من هذه المنتجات، خاصة في: الإسكندرية، سيناء، والمنطقة النوبية.

 

المصادر 1  

Bauden, Frédéric, and Malika Dekkiche. “Mamluk Cairo: a crossroads for embassies.” (2016), P824-825

 

كتابة: حمَّاد بن عيسى

مراجعة: منة الله محمد منصور

تحرير: زياد محمد

تصميم: احمد محمد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى