البيئة والطاقة

كل ما تريد معرفته عن المد الأحمر

المد الأحمر هو اسم شائع لظاهرة تُعرَف باسم “إزهار الطحالب”، وهو حدث تتراكم فيه طحالب المصبات البحرية أو العذبة بسرعة في الممرات المائية أو يحدث لها إزهار.
هذه الطحالب، وبشكل أكثر تحديدًا يُمكن أنْ نُطلِق عليها “العوالق النباتية”، وهي عبارة عن كائنات مجهرية أُحادِية الخلية، تشبه الكائنات الحية النباتية، والتي يُمكن أنْ تُشكّل بقعًا مرئية كثيفة بالقُرب من سطح الماء. تحتوي بعض أنواع العوالق النباتية على أصباغ تختلف في اللون من الأخضر إلى البني إلى الأحمر، وعندما تتواجد بتركيزات عالية يتحول لون الماء إلى ألوان داكنة، تتفاوت من الأبيض إلى الأسود تقريبًا، وعادة ما يكون أحمرًا أو بنيًّا، لكن ليست كل أزهار الطحالب كثيفة بما يكفي لتُسبّب تلون المياه، وليست كل المياه المُرتبطة بـإزهار الطحالب تكون حمراء.

الطحالب المُسبّبة للظاهرة:
لا ترتبط ظاهرة المد الأحمر عادة بحركة المد والجزر للمياه، وبالتالي يُفضّل العلماء استخدام مُصطلح “إزهار الطحالب”، وغالبًا ما يُستخدَم مُصطلح “المد الأحمر” في الولايات المُتحدة الأمريكية لوصف نوع مُعيّن من الطحالب الشائعة في شرق خليج المكسيك، ويُسمَّى أيضًا: “مد فلوريدا الأحمر”.
هذا النوع من الإزهار ناتج عن نوع من أنواع الـ “dinoflagellate”، وهي كائنات حية حقيقية النواة، وأجسامها مُغطاة بطبقة سميكة ولها أسواط، ومعروفة باسم “Karenia brevis” -مُلهِمَة اسم المد الأحمر-.
ويحدث هذا الإزهار سنويًا تقريبًا على طول مياه فلوريدا، ويُمكن أنْ تتجاوز كثافة هذه الكائنات خلال الإزهار عشرات الملايين من الخلايا لكل لتر من مياه البحر، وغالبًا ما تُلطَّخ المياه بلون بني محمر غامق، وهذا النوع من الإزهار يُمكن أنْ تُسببه أنواع أخرى من الـ dinoflagellate تُعرَف باسم Alexandrium fundyense.

دورة حياة الطحالب:
تتكاثر الطحالب عادة عن طريق التكاثر اللاجنسي بواسطة الانشطار، حيث تنمو خلية واحدة ثُمَّ تنقسم إلى خليتين، ثُمَّ من خليتين إلى أربع، ومن أربع إلى ثمان، وهكذا.
عندما لا يتم التحكم في النمو بسبب الظروف البيئية -مثل الرعي بواسطة الحيوانات أو نقص العناصر الغذائية أو الضوء-، يُمكن أنْ تتراكم مجموعات الطحالب الضارة إلى مُستويات مُذهلة بصريًا ولكنها كارثية.
بالنسبة لبعض الأنواع، يُؤدي انخفاض العناصر الغذائية المُتاحة إلى التحوّل إلى التكاثر الجنسي، عند شعورها أنَّ فترات ازدهارها تقترب من نهايتها، وتُشكّل الطحالب خلايا خاملة ذات جدران سميكة تُسمَّى “الأكياس cyst”، والتي تستقر في الرواسب القاعية.
يُمكن لهذه الأكياس البقاء على قيد الحياة لسنوات، مما يسمح للنوع بأنْ يُقاوم نقص المواد الغذائية، ودرجات الحرارة الشتوية الشديدة، أو حتى ابتلاع الحيوانات، وعندما تُصبح الظروف مُناسبة، تُمزَّق الأكياس وتنمو وتتضاعف وتكتظ في الممرات المائية، مع جيل جديد من الخلايا النشطة ضوئيًا لتستعد لإزهار جديد.
تُمثّل مرحلة الكيس استراتيجية فعّالة للبقاء، يُمكن حمل الأزهار إلى مياه جديدة عن طريق التيارات البحرية أو الأسماك أو حتى البشر، ثُمَّ تبدأ في الانتشار إلى منطقة جديدة.

أسباب إزهار هذه الطحالب:
يُمكن أنْ يُصبح هذا النمو الهائل للطحالب ضارًا بكل من البيئة والبشر، وهذا هو السبب الذي يجعل العُلماء يُشيرون إليها في كثير من الأحيان على أنها “إزهار الطحالب الضارة”.
عندما تتدفق المُغذيات من المناطق الداخلية إلى الأنهار وتصل إلى المحيط، فإنها تُوفر وليمة مُغذية للطحالب، مما يُؤدي إلى نموها بسرعة.

يُمكن أنْ يحدث هذا بشكل طبيعي مع غمر الأنهار وإحضار تربة غنية بالمُغذيات من الغابات والأراضِ العشبية، ولكن يُمكن أنْ يحدث ذلك أيضًا عندما تنتقل الأسمدة والبراز من الماشية إلى أسفل هذه الممرات المائية نفسها، أو عندما تُؤدي التنمية الساحلية إلى تآكُل مُفرط في الشواطئ.
تشمل العوامل الأخرى التي تُؤثر على إحداث المد الأحمر: درجات حرارة سطح المحيط الدافئة، وانخفاض الملوحة، ومحتوى عالٍ من العناصر الغذائية والبحار الهادئة والأمطار تليها الأيام المُشمسة خلال أشهر الصيف.
بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أنْ تنتشر الطحالب المُرتبطة بالمد الأحمر أو يُمكن حملها لمسافات طويلة بواسطة الرياح أو التيارات أو العواصف أو السفن.

أضرار الطحالب:
يُسبّب إزهار هذه الكائنات اضطرابات شديدة في مصايد المياه؛ لأنَّ السموم الموجودة في هذه الكائنات الحية تتسبب في أنْ يُصبح المحار الموجود في المياه الموبوءة سامًا للاستهلاك البشري بسبب الساكسيتوكسين “saxitoxin”.

الآثار الأكثر وضوحًا للمد الأحمر:
زيادة عدد الوفيات في الحياة البرية المُرتبطة بالأنواع البحرية والساحلية من الأسماك والطيور والثدييات البحرية وغيرها من الكائنات الحية، وفي حالة المد الأحمر في فلوريدا، تحدث هذه الوفيات بسبب التعرض للسموم العصبية القوية التي تُنتِجها Karenia brevis بشكل طبيعي، وتُسمَّى brevetoxin.

مشاكل تُسببها طحالب المد الأحمر:
في إزهار 1996، توفي 149 “خروف بحر” قُبالة ساحل ولاية فلوريدا، وخلال إزهار استمر من 1987 إلى 1988، مات أكثر من 740 دولفين مُختنقًا بعد تناول أسماك مانهاتن الملوثة.
قبالة سواحل كاليفورنيا، تُنتِج طحالب الـ Pseudo-nitzschia سمًا عصبيًا آخر له تأثير مُماثل على أسود البحر، والغاق “cormorants”، والبجع.
يتأثر البشر أيضًا بسموم الطحالب، وذلك ليس بسبب رائحة الطحالب السيئة والتي تصد صائدي الشواطيء فحسب، بل يُمكن أنْ تُمرِض السبّاحين أيضًا، عندها تُصبح عمليات إغلاق الشواطيء ضرورية، والتي تُسبّب خسائر كبيرة للسياحة -تُقدر الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الخسائر السنوية نتيجة المد الأحمر بحوالي 82 مليون دولار في مبيعات المطاعم والفنادق والسياحة والصناعات داخل الولايات المُتحدة-.
يُراكِم المحار بشكل طبيعي السموم؛ لأنه يقوم بتصفية الطحالب من الماء للغذاء، ويُمكن أنْ يُؤدي تناول المحار المُلوَث إلى أمراض خطيرة تتضمن: مشاكل في الهضم، وخز في الأطراف، دقات قلب سريعة، مشاكل في التنفس، وقد يصل الأمر إلى الوفاة في حال لم يتم العلاج الطبي بسرعة.

طحالب المد الأحمر لا تخلق محيطات سامة مُؤقتًا فقط، بل يُمكنها استنزاف الأكسجين المُذاب في الماء، مما يُسبّب ظاهرة معروفة باسم “المنطقة الميتة”.
عندما تموت الطحالب، تُصبح وليمة للميكروبات مثل البكتيريا، هذه الميكروبات تحتاج إلى أكسجين، وأثناء تغذّيها على الطحالب الميتة تتكاثر وتستهلك المزيد من الأكسجين في المحيط.

هذا يترك القليل المُتاح للأسماك وغيرها من الكائنات التي تتنفس تحت الماء، وفي النهاية في حال نضوب المحيط من الأكسجين، تموت الأسماك بشكل جماعي، تاركة سطح المحيط مُغطَّى بالأسماك العائمة الميتة بقدر ما ترى العين.

وقت وأماكن ظهور المد الأحمر:
المد الأحمر موسمي، وغالبًا ما تكون ذروته في أواخر الصيف، عندما تكون ظروف المحيط مثالية لنمو الطحالب، ومن المعروف أنها تستمر قُبالَة ساحل فلوريدا لمدة تصل إلى 18 شهرًا في كل مرة، وعلى الرغم من أنَّ حدوثه أمر طبيعي؛ تُشير الدراسات إلى أنَّ إزهار الطحالب الضارة يزداد بوتيرة مُتكررة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى تغيُّر المناخ وتلوث السواحل بمُغذيات الطحالب.
وتشمل البلدان المُتأثرة بأحداث المد الأحمر: الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، شيلي، الدنمارك، إنجلترا، فرنسا، غواتيمالا، هونج كونج، الهند، أيرلندا، إيطاليا، اليابان، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، غينيا الجديدة، بيرو، الفلبين، رومانيا، روسيا، اسكتلندا، إسبانيا، السويد، تايلاند، الولايات المُتحدة، وفنزويلا، وذلك حسب (مُنظمة الصحة العالمية 2007) و(مركز السيطرة على الأمراض 2012).
إذا كُنتَ من إحدى هذه الدول، فيُمكن مُتابعة حالة المد الأحمر وأوقات وأماكن ظهوره من هذا الموقع: https://www.arcgis.com/apps/View/index.html?appid=87162eec3eb846218cec711d16462a72

كيف واجه العُلماء هذه المشكلة؟
رغم هذه المساويء، فليس الوضع ميؤوسًا منه تمامًا، من خلال الجهود المُنسّقة في تنظيف الأنهار والسواحل من المُغذيات الزائدة، يُمكن للمُجتمعات الحد من انتشار المد الأحمر المُتكرر بشكل مُتزايد.
بعد النمو السكاني المُفاجيء في خمسينيات القرن العشرين، أصبح خليج تامبا مُغطَّى بطبقة سميكة من الطحالب، حيث تمَّت إزالة أشجار المانجروف وإلقاء المياه المُلوثة في الخليج مُباشرة.
الآن، بعد أكثر من 40 عامًا من الترميم، أصبح الخليج أكثر نظافة من أي وقت مضى، وهذه واحدة من القصص الناجحة التي تُثبِت أنَّ الإصلاح مُمكن، ولا ننسى التطورات التكنولوجية مثل صور الأقمار الاصطناعية، والتي سمحت للعلماء بتتبع ورصد الطحالب الضارة بشكل أفضل، يُساعد تتبع ومُراقبة طحالب المد الأحمر في تقليل التأثيرات الضارة للطحالب، من خلال نشر تحذيرات من تناول المحاريات المُصابة، أو السباحة في المياه الموبوءة.
على سبيل المثال، قام مُختبر Sarasota Operations Coastal Oceans Observation Lab (SO COOL) بتطوير أدوات يُمكنها اختبار طحالب المد الأحمر في المياه الساحلية، كما يُحاول الباحثون تطوير ترياق لسموم المد الأحمر.

ختامًا، يُمكن للنظام القانوني أنْ يرتفع لمُواجهة تهديد المد الأحمر،

المد الأحمر هو المُشكلة التي تُهدد الحالة الصحية والاقتصادية والبيئية في ولاية فلوريدا بالتحديد، على الرغم من أنَّ المد الأحمر قد أثّر على سواحل فلوريدا منذ مُنتصف القرن التاسع عشر على الأقل، فقد ازدادت قوة المد والجزر في الآونة الأخيرة من حيث القوة والمدة والتردد، ومع تغيّر المناخ فمن المُحتمل أنْ يتغير المد الأحمر أيضًا.
لقد وجد الباحثون أنه في حين أنَّ كل من العوامل الطبيعية أو التي من صنع الإنسان يُمكن أنْ تخلق المد الأحمر، يُمكن للنظام القانوني أنْ يستجيب لهذه المُشكلة المُتنامية، وذلك إذا كان النظام القانوني يدعم عمل العُلماء، ويُحسّن التنسيق بين أصحاب المصالح، ويخلق قوانين أكثر صرامة لرمي الأسمدة، فمن المُمكن من المُجتمعات في جميع أنحاء الولاية أنْ تستجيب بطريقة فعّالة للمد الأحمر.
من المُؤكد أنَّ العُلماء والمُشرّعين ليس لديهم كل الإجابات عن مُشكلة المد الأحمر، لكن من خلال اتخاذ إجراءات حازمة اليوم، يُمكن أنْ نتحكم بهذه المُشكلة ونُقلل من آثارها الضارة.

 

المصادر 1 2 3 4 5

 

كتابة: كاميليا محمد

مراجعة: الاء نور الدين

تحرير: اسماء مالك

تصميم: عاصم عبد المجيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى