الكيمياء

أشكال جديدة متوقعة قد تكون أصلد من الماس!

اسأل معظم الناس عن أصلد المواد على الأرض، ربما يُجيبون: “الماس”.

تمنحك صلادة الماس قدرات قطع لا تصدق والتي -إلى جانب جمالها- أبقت عليها طلبًا كبيرًا منذ آلاف السنين.

إن المواد فائقة الصلادة «superhard materials» يمكنها تقطيع وحفر وحتى تلميع المواد الأخرى، كما يمكن من خلالها صناعة طبقات مقاومة للخدش يمكن أن تساعد في الحفاظ على سلامة المُعِدات باهظة الثمن من التلف، ولذلك يفتح العلم الآن الباب أمام تطوير مواد جديدة بهذه الصفات المُغرية.

استخدم الباحثون تقنيات حسابية لتحديد ثلاثة وأربعون نوعًا من أشكال الكربون الغير معروفة سابقًا والتي يُعتقد أن تكون مستقرة وفائقة الصلادة -بما في ذلك العديد من الأنواع التي يُتوقع أن تكون أقصى بقليل من الماس- ويتكون كل صنف جديد من ذرات كربون مرتبطة بنمط متميز في الشبكة البللورية.

وفي دراسة نُشِرت في الثالث من سبتمبر في مجلة «npj computational materials»، جمعت بين التوقعات الحسابية للهياكل البللورية والتعلم الآلي «machine learning» وهو أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence» (AI» يوفر للأنظمة القدرة على التعلم والتحسين التلقائي من التجربة دون أن تتم برمجتها، ويركز على تطوير برامج الكمبيوتر التي يمكنها الوصول إلى البيانات واستخدامها في تعليم نفسها، للبحث عن مواد جديدة.

حسنًا كل هذا العمل عبارة عن بحث نظري، مما يعني أن العلماء توقعوا هياكل الكربون الجديدة ولكن لم يخلقوها بعد.

علَّقت إيفا زوريك «Eva Zurek» أستاذة الكيمياء في كلية الفنون والعلوم من جامعة بوفالو «University of Buffalo» والتي تشارك في قيادة المشروع مع ستيفانو كورتارولو «Stephano Curtarolo» أستاذ الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد بجامعة ديوك «the University of Duke» قائلة: “يعتبر الماس الآن أقصى المواد المتاحة تجاريًا، لكنه غالي الثمن”، وأضافت: “لديَّ زملاء يقومون بتجارب عالية الضغط في المعمل، حيث يضغطون على المواد الموجودة بين الماس، ويشتكون من ارتفاع تكلفة الماس”، وأننا: “نود أن نجد شيئًا أصلد من الماس، فإذا تمكنت من العثور على مواد أخرى صلدة، فمن المحتمل أن تجعلها أرخص. قد يكون لها أيضًا خصائص مفيدة لا يملكها الماس، ربما تتفاعل بشكل مختلف مع الحرارة أو الكهرباء على سبيل المثال”.

ولفهم ما تعنيه أساسًا كلمة “صلادة”، وضَّحت زوريك أن خاصية الصلادة «Hardness» ترتبط بقدرة المادة على مقاومة أي محاولة لتغيير شكلها -أي هناك فرق بين الصلابة والصلادة، فالصلابة هي عدم القابلية للكسر وبالتالي المرونة، بينما الصلادة هي صلابة مُكتظّة بسكون، يعني أن الجسم الصلد لا يمكن أن يُسحب أو أن يُطرق لأن صلابته خالية من أي مرونة فلا يمكن إدخال أي تغيير على شكله، وإذا حصل فإنه ليس بدرجة الصلادة الكافية-.

واعتبر العلماء أن المادة تكون فائقة الصلادة إذا كانت لها قيمة صلادة أكبر من 40 جيجا باسكال «gigapascals» -الباسكال هي وحدة قياس للضغوط والجهود من النظام الدولي للوحدات (System International of Units» (SI»- مقاسة من خلال تجربة تسمى باختبار صلادة فيكرز «the Vickers hardness test».

إن دراسة هياكل الكربون الجديدة البالغ عددها ثلاثة وأربعون من المتوقع أن تفي بغرضها، فقد قُدِّر ثلاثة منهم على أنهم يتجاوزون صلادة فيكرز للماس، ولكن فقط قليلاً، كما تُحذر زوريك أيضًا من وجود بعض الشكوك في الحسابات.

وكانت أقصي الهياكل التي وجدها العلماء تميل إلى احتواء شظايا من الماس واللونسداليت «Lonsdaleite» -المعروف أيضًا بالماس السداسي وذلك لأنه يمتلك بنية سداسية في الفراغ ثلاثي الأبعاد- في شبكتها البللورية.

وبالإضافة إلى الثلاثة وأربعين شكلًا جديدًا من الكربون، يتوقع البحث مؤخرًا أن أعدادًا من هياكل الكربون التي وصفتها الفرق الأخرى في الماضي ستكون فائقة الصلادة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ما ذُكِر سابقًا، لماذا يتمسك العلماء في نظرتهم إلى المواد فائقة الصلادة للمواد التي تحتوي على ذرات الكربون؟

تُجاوب زوريك على هذا السؤال بأن: “هناك عدد قليل جداً من المواد فائقة الصلادة، لذلك من المهم العثور على مواد جديدة”. وأن: “الشيء الوحيد الذي نعرفه عن المواد فائقة الصلادة هو أنها تحتاج إلى روابط قوية، أن الروابط بين ذرتي الكربون «Carbon Carbon bonds» قوية للغاية، ولهذا السبب نظرنا للكربون، أن العناصر الأخرى الموجودة عادةً في المواد فائقة الصلادة تأتي من نفس الجانب في الجدول الدوري أمثال البورون «Boron» والنيتروجين «Nitrogen»”.

وقد تم إجراء دراسة، استخدم الباحثون فيها «XtalOpt»، وهي خوارزمية تطورية مفتوحة المصدر للتنبؤ بالهيكل البللوري، فتم تطويرها في مختبر زيورك لإنشاء هياكل بللورية عشوائية للكربون، ثم استخدام الفريق نموذجًا للتعليم الآلي للتنبؤ بصلادة أنواع الكربون هذه، استخدم XtalOpt الهياكل الواعدة والمستقرة كآباء «Parents» لكي تنتج هياكل جديدة إضافية وهكذا.

وتم تدريب نموذج التعلم الآلي لتقدير الصلادة باستخدام قاعدة البيانات «AFLOW» اختصاراً لجملة «Automatic FLOW database»، وهي مكتبة ضخمة من المواد ذات الخصائص التي تم حسابها. كما يحافظ مختبر كورتارولو على AFLOW، وقد طور سابقًا نموذج التعلم الآلي مع مجموعة ألكسندر اساييف «Olexandr Isaye»” في جامعة نورث كارولينا في تشامبل هيل «the University of North Carolina at Chapel Hill».

يقول كورتارولو أن: “هذا التطور السريع في المواد، يستغرق الأمر دائمًا وقتًا، لكننا نستخدم AFLOW والتعلم الآلي لتسريع العملية بشكل كبير”، وأضاف: “أن الخوارزميات تتعلم، وإذا كنت قد درّبت النموذج جيدًا، فستتوقع الخوارزمية خصائص المادة، وفي هذه الحالة الصلابة تكون بدقة معقولة”.

كما ذكر كورماك توهير «Cormac Toher» مؤلف مشارك في الدراسة، وباحث مساعد في الهندسة الميكانيكية وعلوم الحياة بجامعة ديوك بأنه: “يمكنك الحصول على أفضل المواد المتوقعة باستخدام التقنيات الحسابية وجعلها تجريبية”.

المؤلفان الأول والثاني لتلك الدراسة الجديدة هما باتريك أفيري «Patric Avery» وشياو يو وانغ «Xiaoym Wang» خريجا جامعة بوفالو وكلاهما طالبان في مختبر زوريك، بالإضافة إلى زوريك نفسها وكورتارولو وكورماك توهير، وكان هناك مؤلفين مشاركين في البحث وهم: كوري أوسيس «Corey Oses» وإريك جوسيت «Eric Gussett» من جامعة ديوك، ودافيد بروسبيريو «Davide Proserpio» من جامعة ميلانو «the Universitá degi Studi di Milano».

وتم تمويل هذا البحث من مكتب الأبحاث البحرية بالولايات المتحدة الأمريكية «the U.S. Office of Naval Research» بدعم إضافي من جامعة ميلانو ودعم حسابي من مركز «UB’s Center» للبحوث الحاسوبية.

 

المصادر 1 2 3

 

كتابة: مصطفى أحمد مصطفى

مراجعة: ميار محسن

تحرير: زينب أحمد

تصميم: أحمد محمد

اظهر المزيد

مصطفى أحمد مصطفى

مسئول قسم الأحياء والكيمياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى