الفلسفة

هل للفلسفة الغربية جذور مصرية؟

سلط “بيتر فليجل” المفكر والكاتب بموقع Philosophy Now الضوء على إمكانية وجود روابط مشتركة بين الفلسفة اليونانية القديمة والمملكة الحديثة لمِصر القديمة. فمنذ أكثر من سنة ماضية اكتشف علماء الآثار تمثالًا في القاهرة تحت المباني التي أُنشأت على أنقاض مدينة منطقة هليوبوليس الفرعونية، وظنوا أنه لملك من ملوك مصر لكنهم فوجئوا أنه لحاكم يدعى “بسامتيك الأول” وعُرف عنه أنه كان حاكمًا حاسمًا حيث عزز العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع اليونان، ولأول مرة سمحت سياساته للهيلين اليونانين “اليونانيون القدماء” ببناء مستعمرات على أراضي مصرية.

وكان المؤرخون اليونانيون وغير اليونانيين مقتنعون بأن هذه هي الشرارة التي أشعلت الثقافة اليونانية، حيث تعلم الهيلينون في هليوبوليس أصول الطب والهندسة والفلك. ولا شك أن تأثير ذلك على الثقافة اليونانية أثر بشكل كبير في فلسفة وفكر أعمق المفكرين اليونان مثل فيثاغورس وأفلاطون.

ولكن اختلف العلماء حول هذه الحقيقة فمنهم من صدقها واعتبر مصر نبراس للثقافة اليونانية، ومنهم من أنكرها وادعى أنها سراب، واستمر الجدل حول هذه القضية قائمًا حتى لفت عددًا من الكتاب الأفارقة والأمريكيين والكاريبين نظر الإعلام للادعاء بأن الفلسفة اليونانية سُرقت من أفريقيا وخاصة من مصر، واستشهد أكاديميون مثل الدكتور “مولفي كيتي” من جامعة “تمبل” بمجموعة متنوعة من المصادر اليونانية والمصرية على أن الحضارة الأفريقية كانت بمثابة البذور للفكر والعلم والطب الغربيين.

أحد خبراء الحضارة القديمة ألقى نظرة فاحصة على تلك الادعاءات، والتي كان من ضمنها أن أرسطو قد نهب الفلسفة المصرية من مكتبة الإسكندرية مع العلم أن المكتبة بنيت بعد وفاة أرسطو، علماء مصريات وعلماء كلاسيكيات قد تفهموا بشكل جيد تلك الادعاءات ورفضوها رغم ما كان وراءهم من مؤسسات أكاديمية عتيقة، بينما أسقطت بروفسير ماري ليفكويتز (باحثة ومؤلفة كتاب “ليس بسبب أفريقيا”) القضية لبديهية بسيطة وهى :”المصريون عُرفوا بالأساطير بينما اليونانيون عُرفوا بالمنطق والعقل” وحينما يأتي الأمر للفلسفة فأفريقيا لم تعلم شيئا لليونان.

وعلى الرغم من كل هذا الجدل إلا أن كلا من المؤيدين للتأثير المصري على الثقافة والفلسفة اليونانية والمعارضين تجاهلوا أمرًا غاية فى الخطورة والأهمية، وهو النصوص المصرية القديمة التي لم تكتشف كلها حتى الآن، والتي وجد بعضها منقوشًا على الصخور منذ آلاف السنين. واللافت للنظر أنها تحتوي على أفكار مشابهة جدا لبعض الجوانب في الفلسفة اليونانية القديمة مثل (العناصر الأربعة، نظرية الأشكال،المنظومة العقلية للوجود).

التوحيد والتعددية في مصر القديمة:
عرفت مصر فكرة تعدد الآلهة والمعبودات كما هو معروف تاريخيًا، حتى جاء إخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ودعا لفكرة التوحيد، وبالطبع كانت فكرة غريبة على العقلية المصرية آنذاك، لكنه استمر في الدعوة لتوحيد الآلهة وعبادة إله واحد وهو “آتون” الذي يرمز له بقرص الشمس. وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها تبني فكرة التوحيد والدعوة إليها، حيث أتت هذه الدعوة أيضا مشابهة لفكرة إرجاع خلق ونشأة الكون لعنصر واحد فقط في الفكر اليوناني، وأن العناصر الأربعة الأساسية في الكون قد انبثقت أو تطورت عن هذا العنصر.

العناصر الأربعة في مِصر واليونان:
فكرة العناصر الأربعة لدى المصريين قائمة أصلًا على اعتقاد أن الرقم 4 هو رمز للكمال والشمول، وقد صوروا هذه الفكرة على هيئة كبش أو ظبي له أربعة رؤوس كل رأس ترمز للمعبود أو الإلهة وتمثل أحد العناصر الأربعة، فقد مثل “أوزوريس” الماء، و “ري” مثل النار، و “شو” مثل الهواء، و “جيب” مثل التراب.
ومن لديه معرفة بفلسفة ما قبل سقراط يعرف جيدا أن إمبيدوقليس -وهو فيلسوف يوناني- قد أرجع نشأة الموجودات كلها إلى نفس تلك العناصر الأربعة “الماء والهواء والنار والتراب”. مع العلم بأن العقيدة المصرية وصلت لفكرة العناصر الأربعة في عصر الملك أحمس أي قبل ميلاد إمبيدوقليس بقرن كامل من الزمن، فهل يمكننا القول بأنه تأثر بالعقيدة والتوصر المصري القديم؟ ورغم ذلك التشابه الغريب يدعي البعض أن فكرة العناصر الأربعة في الفلسفة اليونانية قد أتت من تأثر إمبيدوقليس بالمذهب الفيثاغورثي فقط!

طبيعي أن يتحيز البعض لهواه وينكر أمورًا تبدو واضحة كالشمس، فهل يعقل أن تكون كل هذا التشابهات في الفكر محض صدفة؟ على أي حال تلك التشابهات التي قد تصل لحد التطابق بين الفكر المصري والفكر اليوناني ملفتة للنظر بشكل مدهش، وتدعو للبحث والتفكير والاعتزاز بالعقلية المصرية شاء من شاء وأبى من أبى.

المصدر 

 

كتابة: آيات أحمد 

تصميم: نهى عبدالمحسن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى