الفيزياء والفلك

قطتي شرودنجر!

العشوائية هي ظاهرة كثيرًا ما تجدها في حياتك اليومية، فمثلًا تجد العشوائية عند الزحام في إشارة مرور، في مواصلة من المواصلات أو حتى عند تسخين كمية ما من الماء. كان القرن العشرين هو البداية لما يسمى بعلم ميكانيكا الكم، الذي ارتكز في قيامه على عاملين أساسيين، وهما: مبدأ عدم التأكد لـ “هايزنبرج” وازدواجية الموجة والجسيم.

ولأن منطقية وحتمية العقل لا تقبلان مثل هذه الاحتمالات؛ حيث أن أعقد تفكير لنا قائم في أساسه على مبدأ (يوجد أو لا يوجد)، ولم يكن لعقولنا رفاهية تخيل (يوجد ولا يوجد) في ذات الوقت. من هذا المُنطلق قام العالم النمساوي “إروين شرودنجر” بإجراء تجربة نظرية لتوضيح ما هي الأسس، ومن ثم استنتاجات علم ميكانيكا الكم، وأطلق على هذه التجربة اسم تجربة قطة شرودنجر.

أُجريت التجربة على النحو التالي، قام “شرودنجر” بوضع قطة في صندوق، ووضع معها عداد جايجر (لقياس الإشعاع)، مطرقة، سم وبعض المواد القابلة للإشعاع بنسبة 50%. إذا أحس عداد جايجر بإشعاع فإنه يتحرك، فيُحرك المطرقة لتكسر زجاجة السم وتموت القطة، وإذا لم يتحسس إشعاعًا فالقطة حية تُرزق.
عندما يكون الصندوق مغلقًا، يدور في رأسك احتمالين، أن القطة على قيد الحياة وميتة في نفس الوقت. في هذه الحالة نقول أنها في حالة “تراكب”، وعند فتح الصندوق ورؤية حالته يحدث انهيار للدالة الموجية. قد يبدو كل ذلك غريبًا، لكن شيئًا مماثلًا يحدث لجزيئات الكم، فلا يمكنك أبدًا قياسها بالضبط؛ حيث أنهم سحابة من الاحتمالات، ونتيجة لذلك؛ فهي موجودة في حالة التراكب حتى يتم قياسها، وعند هذه النقطة تنهار الدالة الموجية.

حسنًا، ماذا إن قمنا بتغيير القصة قليلًا؟ فبدلًا من القطة داخل الصندوق، لنضع فيزيائيًا صغيرًا قادرًا على صنع ملاحظاته الخاصة. هذا الاقتراح اقترحه الفيزيائي يوجين فيجنر “Eugene Wigner” في عام 1967. اقترح فيجنر أن نطلق على الفيزيائية الصغيرة اسم “أليس”، تدخل صندوق يحتوي على جهاز قياس ينتج واحدة من اثنتين من النتائج عشوائيًا. على سبيل المثال، لنتخيلها تقلب عملة معدنية، فالاحتمالات تنحصر إما أن يظهر الملك أو الكتابة. لكن انتظر ماذا لو جاء فيجنر وفتح الصندوق؟ يجب أن تكون أليس وعُملتها في حالة تراكب حتى تلك اللحظة، أليس كذلك؟
في عام 2016، اقترحت دانييلا فراوتشيغر وريناتو رينر “Daniela Frauchiger and Renato Renner” من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا إعدادًا أكثر تعقيدًا، وذلك عن طريق مضاعفة خطوات “فيجنر”، فبدلًا من فيزيائية واحدة “أليس”، نضع فيزيائيين صغيرين “أليس وبوب” داخل صندوقين. الأول يسمى “فيجنر 1” والثاني “فيجنر 2” في غرف منفصلة، بحيث لا يستطيعان رؤية بعضهما البعض. تُقلب أليس العملة المعدنية، ثم ترسل رسالة كمومية عن النتيجة لبوب.

 

يقوم التفسير على أنه في حالة إذا كان وجه العملة “ملك” مثلًا، فإن الجسيم الكمومي يدور في اتجاه عقارب الساعة. أما إذا كان عكس اتجاه عقارب الساعة يكن وجه العملة “كتابة”. ويستخدم بوب معرفته بميكانيكا الكم لمعرفة النتيجة التي تحاول “أليس” التواصل معه بها.
يُفتح كلًا من صندوقين “فيجنر” الاثنين وتحديد نتيجة رمي العملة طبقًا للرسالة الكمومية المأخوذة عنها. ما يُمكن ملاحظته الآن كما لو أننا عُدنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى. وتتجلى لنا العشوائية بصورة واضحة، كما كانت هي الملاحظة التي على أساسها وُضعت أسس علم ميكانيكا الكم، والتي توضح لنا أنه من المستحيل الوصول لليقين.

وأخيرًا تم اقتراح تشغيل التجربة الفعلية باستخدام أجهزة الكمبيوتر الكمية بدلًا من علماء الفيزياء التخيليين. وبهذه الطريقة، يمكنهم إيقاف البرنامج في أي وقت. لكن لسوء الحظ، لا يوجد حاسوب كمّي قوي بما يكفي لفعل هذا حتى الآن. ولكن يومًا ما قد يتم اختراعه، أو أن نفكر مجددًا في الطرق التي يمكن أن تساعدنا في فهم عالم ميكانيكا الكم بصورة أوسع نطاقًا.

 

المصادر  1 2

 

كتابة: سارة صلاح

مراجعة: محمد الخضري

تصميم: نهى عبد المحسن

تحرير: هدير رمضان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى