الفيزياء والفلك

تجربة قطّة شرودنجر

العشوائية هي ظاهرة كثيرًا ما تجدها في حياتك اليومية، فمثلًا تجد العشوائية عند الزحام في إشارة مرور أو في مواصلة من المواصلات أو حتى عند تسخين كمية ما من الماء.

 ولعل أشد حالات العشوائية لفتاً للانتباه هي مبدأ عدم التأكد ل(هايزنبرج) الذي ينص على أنه: “لا يمكن تحديد مكان وسرعة إلكترون معًا في وقت واحد” أي أنه لا يمكنك رصد مكان إلكترون ما وتحديد سرعته في وقتٍ واحد، فإن كنت تريد معلومة دقيقة عن أحد الكميتين يجب عليك الاستغناء عن معرفة الكمية الأخرى. ومن بعدها كانت الطبيعة المزدوجة للموجة والجسيم، والتي تنص على أن هذا الإلكترون يتصرف كموجة ويتصرف كجسيم، حتى تلقي نظرة عليه فتحدد أي حالة من الحالتين هو عليها.

 إذن فهل تقف العشوائية أو عدم إمكانية التحديد عند كوب من الماء أو بيانات ناقصة عن إلكترون يسبح في الفراغ؟ كان القرن العشرين هو البداية لما يسمى بعلم ميكانيكا الكم، الذي ارتكز في قيامه على عاملين أساسيين، الأول هو مبدأ عدم التأكد ل(هايزنبرج)، والثاني هو ازدواجية الموجة والجسيم. ولأن منطقية وحتمية العقل لا تقبلان مثل هذه الاحتمالات حيث أن أعقد تفكير لنا قائم في أساسه على مبدأ (يوجد أو لا يوجد)، ولم يكن لعقولنا رفاهية تخيل (يوجد ولا يوجد)، فقد قام العالم النمساوي (إروين شرودنجر) بمجرد تجربة نظرية لتوضيح ما هي أسس ومن ثم استنتاجات علم ميكانيكا الكم.

 في البداية لا تظنني الآن أمزح معك فنحن لسنا على هذا القدر من التعارف، وأرجوك لا تظنني أهذي فأنا على قدر كافٍ من الوعي للكتابة فدعك من هذه الشكوك. الآن تخيل معي أننا على مسرح لألعاب خفة اليد، ومثل الحيلة الشهيرة أفعل، أدخل أرنب حي في قبعة، وأنت تنتظر بملل أن أريك القبعة الفارغة، ولكني بدلًا من ذلك قمت بإخراج نفس الأرنب ميت من نفس القبعة، الآن تتهمني بعدم الرحمة والتعدي على حقوق الحيوان، ولكني أدخل الأرنب الميت ثانية وأخرجه حياً، الآن تتهمني بالشعوذة. ولكي لا نثير أي عصبيات بيننا فلنجعل الأمور أكثر جدية، فلنتحول من المسرح إلى معمل ومن القبعة إلى صندوق ومن الأرنب إلى قطة -ولا تسألني ما الجدية التي أضفتها في إحلال قطة مكان أرنب- الآن أنا أضع القطة في الصندوق، ولكن أضع معها عداد جايجر (لقياس الإشعاع)، ومطرقة، وسم، وبعض المواد القابلة للإشعاع بنسبة 50%، فإذا أحس عداد جايجر بإشعاع فإنه يتحرك فيحرك المطرقة فتكسر زجاجة السم وتموت القطة، وإذا لم يتحسس إشعاعاً فالقطة حية ترزق، الآن نغلق معاً الصندوق. وفقًا لازدواجية الموجة والجسيم فإن المواد المشعة هي متفككة وغير متفككة في نفس الوقت، فبالتالي أنت الآن تقف أمام صندوق به قطة حية وميتة في نفس الوقت، حتى تنحي دهشتك جانبًا وتفتح الصندوق لتحدد أي الحالتين تكون عليها القطة في هذه اللحظة.

 أثارت تجربة شرودنجر الكثير من التساؤلات بسبب معارضتها للتفكير العقلي، فنحن لا نحمل في احتمالاتنا احتمالية وجود قطة أو أرنب حي وميت في نفس الوقت، لا نقبل الأبيض مع الأسود في نفس النقطة بل النقطة بيضاء أو سوداء. ولكن إن كان هذا قد أثار غضبك فلا تقلق، فإن (إروين شرودنجر) بنفسه لم يستطع فهم مبدأ التّراكُب، بل وضع هذه التجربة توضيحًا لأفكاره التي تثبتها المعادلات وينفيها العقل. وبخصوص الأرنب، فلا يوجد أي إعجاز أن أدخل أرنبًا حيًا إلى صندوق وأخرجه ميت ومن ثم أفعل العكس، ما دمت لا ترى الأرنب حتى الآن.

المصدر

 

كتابة: محمد رضا الخضري

مراجعة: أحمد أشرف

تحرير: أحمد عبدالستار 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى