الحرب العالمية الأولى أطلقت العنان للأسلحة الكيميائية
كانت الهجمات الكيميائية في مختلف الحروب القديمة عادة موضعية للغاية، ومحدودة النطاق، لكن في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) بدأ أول استخدام واسع النطاق للأسلحة الكيميائية.
حسب ما ذكرت مجلة الأخبار الكيميائية والهندسية الأمريكية «CEN» التابعة للجمعية الكيميائية الأمريكية «ACS»، على مدار الحرب العالمية الأولى تم كشف حوالي 3000 مادة كيميائية للاستخدام العسكري، وتم نشر 50 مادة سامة في ساحات القتال في جميع أنحاء أوروبا، مما أسفر عن مقتل ما يتراوح بين 90000 إلى 100000 شخص وترك 1.3 مليون شخص مصاب جسديًا أو نفسيًا، أي حوالي 1% من القتلى الإجمالي لكن آثارها النفسية بليغة ومروعة.
أول دليل أثري على الحرب الكيماوية:
قدمت دراسة أثرية نشرت في يناير 2011 في المجلة الأمريكية لعلم الآثار، أقدم دليل مادي على الحرب الكيماوية يعود إلى ما يقرب من ألفي عام، محفوظ في رفات 19 جنديًا رومانيًا ماتوا في حصار مدينة دورا أوروبوس الرومانية، حاليًا الصالحية مدينة أثرية سورية تقع في بادية الشام قرب دير الزور بسوريا، عندما حاصر الساسانيون الفرس بقيادة الملك الساساني شابور الأوّل (215-270) مدينة في 256م بعد الاستيلاء على أنطاكية.
كشفت الدراسة أن الرومان لم يموتوا بالسيف أو بالنار، لكن بالغاز السام عمدًا من قبل المهاجمين الساسانية الذين ألقوا الكبريت والأسفلت على النيران، الذي تحول إلى حمض الكبريتيك، ووجهوا الدخان نحو الجنود الرومان المحاصرين في نفق.
الغازات السامة في الحرب العالمية الأولى:
تغير الاستخدام المحدود للأسلحة الكيمياوية في التاريخ، عندما أطلق أعضاء وحدة خاصة من الجيش الألماني في 22 أبريل 1915 ما يقرب من 170 طنًا متريًا من غاز الكلور، من حوالي 6000 أسطوانة مدفونة في خنادق دفاعية في إيبرس ببلجيكا.
وفي غضون 10 دقائق، انجرف 160 طنًا من غاز الكلور على الخنادق الفرنسية المعارضة، وانتشر بفعل الرياح، مملوءة بالكلور السائل المضغوط.
سمح الاستخدام المفاجيء لغاز الكلور للألمان بتمزيق الخط الفرنسي بطول 6 كيلومترات، مما تسبب في الرعب وأجبرهم على التراجع والفوضى، وفي غضون دقائق، أدى جدار الغاز البطيء هذا إلى مقتل أكثر من 1000 من الجنود الفرنسيين والجزائريين (شارك الجزائريون بموجب قانون التجنيد الإجباري 1912 الذي فرضه الاحتلال الفرنسي آنذاك)، بينما أصيب نحو 4000 آخرين.
المزيد من الهجمات الكيميائية التي شنها الألمان وقوات الحلفاء على السواء، وقد استخدموا غاز الفوسجين «Phosgene» الذي يسبب صعوبات في التنفس وفشل القلب، وغاز الخردل الذي يدمر الجهاز التنفسي ويسبب تهيجًا شديدًا للعينين وتقرحات في الجلد.
جهود دولية لحظر الأسلحة الكيميائية:
يمكن استخدام كل من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لاستهداف المدنيين خارج ساحة المعركة، فخشيت الحكومات من أن الابتكار التكنولوجي يمكن أن يؤدي إلى المزيد من أساليب الحرب الفتاكة، وقد تم حظرها في عام 1925 بموجب بروتوكول جنيف، وتحديداً “بروتوكول حظر استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو الغازات الأخرى، وأساليب الحرب البكتريولوجية”.
لكن في الثمانينات، أصبح من الواضح أن الحظر الدولي على الأسلحة الكيميائية لم ينجح، تعرض العالم لصور كابوسية من الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980 و1988 على أشخاص يعانون من آثار غاز الخردل والسارين.
وفي عام 1993، حظرت الأمم المتحدة غاز الخردل وغيره من العوامل السامة من خلال اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي تحظر “تطوير الأسلحة الكيميائية أو إنتاجها أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها أو استخدامها”.
حصلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية «OPCW» على جائزة نوبل للسلام عام 2013 عن عملها “كجهات مراقبة للأسلحة الكيميائية” لتعبئة الدول لوقف إنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية الفتاكة، واستهداف الأسلحة المخبأة للتخلص الآمن منها، بهدف نهائي القضاء عليها تمامًا.
لكن كل هذه الجهود مازال استعمال هذه الأسلحة على الجنود والمدنيين حتى يومنا هذا آخرها في الحرب السورية ضد المدنيين.
ومنذ عام 2005، تم عقد يوم دولي لإحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية في 29 أبريل. ثم تغير اليوم الدولي إلى 30 نوفمبر.
ويتيح هذا اليوم الفرصة لتأبين ضحايا الحرب الكيميائية، فضلًا عن التأكيد مجددًا على التزام المنظمة في القضاء على تهديد الأسلحة الكيميائية، وبالتالي تعزيز أهداف السلم والأمن والتعددية.
كتابة: حمَّاد بن عيسى
مراجعة: عبد الستار نور الدين
تحرير: زينب أحمد
تصميم: أمنية عبد الفتاح