التاريخ والأدب

ماذا تعرف عن المريض صفر؟ (اليوم العالمي لمرض نقص المناعة المكتسبة ١ ديسيمبر)

أظهرت الأبحاث التي أجراها مؤرخ من جامعة (كامبريدج)، والاختبارات الجينية لعينات دم عمرها عقود -من قِبَل فريق من العلماء الأمريكيين- أن “غايتن دوغاس – Gaétan Dugas” -رجل مثلي الجنس، فرنسي كندي- أُلقِي باللوم عليه من قِبَل وسائل الإعلام لنشر فيروس نقص المناعة البشرية عبر أمريكا الشمالية.

حالة “المريض صفر”:

أول حالة معروفة، تم إنشاؤها عن غير قصد في السنوات الأولى من التحقيق في الإيدز؛ حيث أنه قبل موته، زوَّد “دوغاس” الباحثين بقدر كبير من المعلومات الشخصية؛ للمساعدة في إجراء دراسات حول ما إذا كان مرض الإيدز ناجمًا عن أحد العوامل التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي.

تشير أبحاث “ماكاي”، وهو باحث فى جامعة (كامبريدج)، إلى أن هذا العامل ساهم في اختراع “المريض صفر”، والتشهير العالمي ب”دوغاس”. وأضاف معلومات مهمة في ذات السياق إلى الدراسة الأخيرة، بقيادة الدكتور “مايكل وروبي” من جامعة (أريزونا)، ونشرت في مجلة “Nature”، والتي قارنت بين تحليل جديد لدم “دوغاس” وثماني عينات مصل أخرى مؤرشفة، تعود إلى أواخر 1970.

يقول “ماكاي”: “يُعد “غايتن دوغاس” واحدًا من أكثر المرضى سوءًا في التاريخ؛ فإن مجلة “Nature” حددت الجذور المباشرة لمصطلح “المريض صفر” في دراسة لمرضى الإيدز في الولايات المتحدة. وقد ظهرت تقارير في أوائل عام 1982، حول الروابط الجنسية التاريخية بين العديد من الرجال المثليين المصابين بالإيدز في لوس أنجلوس، وأجرى محققون -من مراكز السيطرة على الأمراض (CDC)- دراسة لمقابلة هؤلاء الرجال؛ لمعرفة أسماء اتصالاتهم الجنسية، حيث اكتشفوا المزيد من الروابط عبر جنوب كاليفورنيا، لكن تمت تسمية اتصال واحد عدة مرات باسم: (الحالة 057). واستخدم الباحثون في مركز السيطرة على الأمراض نظام ترميز للتعرف على مرضى الدراسة، وترقيم حالات كل مدينة مرتبطة بالكتلة في التسلسل الذي ظهرت به الأعراض. ثم انتشرت دراسة بأن أكثر من 65% من الرجال في المجموعة أبلغوا عن أكثر من 1000 شريك في حياتهم، ولكن معظمهم قد عرضوا فقط جزءًا من أسماء شركائهم. وبالإضافة إلى التبرع بالبلازما للتحليل، تمكنت (الحالة 057) من تقديم 72 اسمًا لما يقرب من 750 شريكًا كانت لديهم في السنوات الثلاث السابقة. فحقيقة أن “دوغاس” قدم معظم الأسماء أدت إلى مساهمته في مركزية هذه الشبكة الجنسية”.

وبحلول الوقت الذي نشرت فيه الدراسة الموسعة في عام 1984، وهو نفس العام الذي توفي فيه “دوغاس” بسبب مرضه، أظهرت المجموعة عشرات الحالات التي تربط العديد من مدن أمريكا الشمالية.

 

كتاب “شيلتس”:

استخدم الصحفي “راندي شيلتس” دراسة مجموعة لوس أنجلوس كموضوع هام في كتابه الأفضل مبيعًا عن أزمة الإيدز. وخلال بحثه، أصبح مفتونًا باسم “المريض صفر” في الدراسة. تعقب “شيلتس” أصدقاء المريض وزملائه لإجراء مقابلات معهم. وبصفته “المريض صفر”، جعله واحدًا من أكثر الأشرار الذين لا يُنسَون في كتابه. وللفت الانتباه إلى الأزمة، شرع “شيلتس” في إضفاء الطابع الإنساني على المرض، كما يقول “ماكاي”، الذي اكتشف أن الخطوط العريضة الأولى للكتاب أدرجت فعليًا “الوباء” نفسه ضمن مجموعة الشخصيات.

جاء “دوغاس” في شخصية “المريض صفر” لتمثيل المرض نفسه. وكانت دراسة -عام 1982- قد اقترحت أن الفترة بين الإصابة وظهور أعراض الإيدز قد تكون عدة أشهر. وبحلول الوقت الذي نُشر فيه كتاب “شيلتس” في عام 1987، كان من المعروف أن الشخص المصاب قد لا يُظهر الأعراض لعدة سنوات. ويصف “ماكاي” عبارة “المريض صفر” بأنها “حالة معدية”. وقبل فترة طويلة من وباء الإيدز، كان هناك اهتمام بتحديد موقع الحالات الأولى المعروفة لتفشي المرض.

 

إلقاء اللوم على الآخرين:

الآن، بعد مرور 30 ​​عامًا تقريبًا على كتاب “شيلتس”، أظهر تحليل الجينوم (HIV-1) المأخوذ من عينة دم “دوغاس” لعام 1983 -التي تمت دراستها من خلال البحوث التاريخية التي أجراها “ماكاى”- أنه لم يكن حتى حالة أساسية لسلالات فيروس نقص المناعة البشرية في ذلك الوقت، وأن هذا الأثر من الخطأ والضجيج قد أدى إلى إدانته بما يسمى “المريض صفر”.

ومن نواحٍ كثيرة، لم تكن أزمة الإيدز في الولايات المتحدة مختلفة، كما يظهر تشويه “المريض صفر”؛ حيث من المهم أن نتذكر أنه في سبعينيات القرن العشرين، كما هو الحال الآن، كان الوباء مدفوعًا بأفراد يمضون في حياتهم، غير مدركين بأنهم ينقلون العدوى القاتلة.

ونأمل أن يمنح هذا البحث الباحثين والصحفيين وقفة عامة قبل استخدام مصطلح “المريض صفر”.

المصدر 

 

كتابة: عبد الستار نور الدين

مراجعة: منة الله منصور

تحرير: زياد محمد 

تصميم: أسامة الشيمي 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى