الحجاج بن يوسف الثقفي
اسمه الحجاج بن يوسف الثقفي، وُلد في عام 41 من الهجرة والذي يسمى بعام الجماعة، تربى ونشأ في مدينة الطائف، تعلّم القرآن والحديث، ثم عمل في مطلع شبابه مُعلِّم صبيان مع أبيه، يُعلم الفتية الفقه والحديث دون مقابل.
بداية ظهور الحجاج بن يوسف الثقفي
انطلق الحجاج من الطائف إلى دمشق للعمل في “قوة الشرطة” تحت قيادة “روح بن زنباع الجذمي” وزير الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان”، جذب انتباه عبد الملك لأنه أعاد الانضباط بسرعة بين القوات المتمردة التي كان الخليفة على وشك الإنطلاق بها إلى العراق ضد مصعب بن الزبير.
خلال الحملة ضد مصعب، قاد الحجاج الحرس الخلفي، وتميّز ببعض مآثر الشجاعة. بعد الانتصار على مصعب عام 72 هـ/ 691 م، وبأمر من الخليفة، انطلق من الكوفة في نفس الشهر على رأس حوالي 2000 جندي ضد “عبد الله بن الزبير”، الذي كان قد ولى نفسه خليفة على بلاد الحجاز متمردًا على الخلافة الأموية بالشام.
تقدم الحجاج دون معارضة، حتى وصل إلى الطائف، التي أخذها دون أي قتال واستخدمها كقاعدة.
ظلم الحجاج الثقفي وإجرامه
كان الخليفة قد كلف الحجاج أولًا بالتفاوض مع ابن الزبير، وأنه سيسلم من العقوبة إذا استسلم، ولكن إذا استمر بالمعارضة فيُجوّعه بالحِصار، ولكن لم تؤتي المفاوضات ثمارَها. بعد أن فشلت المفاوضات وفقد الحجاج صبره، أرسل ساعيًا ليطلب من عبد الملك تعزيزات، وكذلك الإذن بالاستيلاء على المدينة بالقوة. أرسل الخليفة إلى الحجاج المزيد من الجيوش دعمًا له ضد عبد الله بن الزبير، وبالفعل حاصر الحجاج مكة وقاتل عبد الله بن الزبير وأصحابه بشجاعة وبسالة.
مُنع ابن الزبير من أداء فريضة الحج، وأُرهب حُجاج بيت الله، حيث قصف الحجّاج مكة بخمسة مجانيق، وذهب إلى حد استهداف الكعبة، فتهدم جانب منها ومات الكثير من الحجاج أثناء تأدية الفريضة.
بعد أن استمر الحصار سبعة أشهر، ذهب 10000 رجل (من بينهم اثنان من أبناء ابن الزبير) إلى الحجّاج، معلنين استسلامهم وطلبوا الأمان منه، وقُتل ابن الزبير وأتباعه بما فيهم ابنه الأصغر في القتال حول الكعبة في جُمادَى الأولى 73 هـ / أكتوبر 692 م.
أسفر حصار الحجاج عن مقتل الآلاف من السكان الأبرياء. أثناء حكمه الحجاز لاحقًا، اشتهر الحجاج بحكمه القاسي.
وبسبب انتصاراته الكبيرة، أصبح الحجاج حاكمًا لبعض المقاطعات في بلاد فارس، حيث تم تكليفه مرة أخرى بإخماد حركات التمرد. وبالطبع كما هو متوقع، فإن تكتيكاته القاسية أكثرت أعداءه.
مناقب الحجاج الثقفي
مع صعود “الوليد بن عبد الملك” إلى الحكم، نمت شهرة الحجاج بسبب اختياره العديد من الجنرالات الناجحين الذين وسّعوا الرقعة الأموية، مُنح تلك الصلاحيات بسبب مكانته العالية في الحكومة الأموية, وأظهر سيطرة قوية على المدن التي حكمها.
وكان من بين هؤلاء الجنرالات “محمد بن قاسم”، الذي أُرسل عام 712 م إلى السند (باكستان حاليًا) ففتحها، و”قتيبة بن مسلم” الذي أُرسل لغزو تركستان.
كان أنجح ولاة الحجاج هو “موسى بن نصير”، الذي عزز سيطرته على شمال إفريقيا وأرسل “طارق بن زياد” لغزو الأندلس (إسبانيا حاليًا).
وفاة الحجاج
توفي الحجاج في واسط (مدينة أقامها بين الكوفة والبصرة) بالعراق عام 714. وفي العام التالي، توفي الوليد أيضًا، وتولّى الحكم شقيقه “سليمان بن عبد الملك”. كان سليمان مدينًا للعديد من معارضي الحجاج لدعمهم السياسي في انتخابه خليفة، فاستدعى جميع جنرالات الحجاج وعذبهم حتى الموت في السجن.
تأثيره التاريخي
كان الحجاج حاكمًا ذكيًا وقاسيًا، كما تم وصفه بأنه شديد القسوة، وعلى الرغم من أن المعالجات التاريخية الحديثة تعترف بتأثير المؤرخين العباسيين وكتّاب السير اللاحقين الذين عارضوا الحجاج الموالي بشدة والمؤيد للأموية. لعب الحجاج بن يوسف دورًا حاسمًا في اختيار القادة العسكريين، وغرس الانضباط في صفوف الجنود، مما أدّى إلى التوسُّع الناجح للإمبراطورية الإسلامية إلى أقصى مدى، وحرص على ترجمة جميع السجلات المهمة إلى اللغة العربية، ولأول مرة، أقنع الخليفة عبد الملك بضرب عملة خاصة للعالم الإسلامي.
نُسب إليه الفضل في إدخال علامات التشكيل إلى النص العربي، ولأول مرة أقنع الحجاج الخليفة بتبني عملة خاصة للعالم الإسلامي, أدّى ذلك إلى حرب مع الإمبراطورية البيزنطية تحت حكم “جستنيان الثاني”. قاد “ليونتيوس” البيزنطيين في “معركة سيباستوبوليس” عام 692 في آسيا الصغرى، وهزمهم الخليفة شر هزيمة، ثم أصبحت العملة الإسلامية هي العملة الوحيدة لتبادل العملات في العالم الإسلامي. كما حدثت العديد من الإصلاحات في عصره فيما يتعلق بالزراعة والتجارة.
لم يكن الحجاج سعيدًا بانتشار اللغة الفارسية في الديوان وأمر باستبدال اللغة الرسمية للأراضي المحتلة باللغة العربية، وتغيرت اللغة الإدارية للعراق رسميًا من الفارسية إلى العربية، ونُقلت سجلات الوثائق الإدارية (ديوان) العراق إلى العربية.
كان الحجاج يذهب بتكفير الخارج على السلطان وطرده من المِلّة، لذلك كان يرى ما يفعله تقربًا لله يرجو به الأجر، وهذا تناقض في فعل الحجاج، بين قتله المتقين من الناس من أمثال سعيد بن جبير، وبين أعمال الخير التي قام بها كالفتوحات وتعظيم القرآن وتنظيم أمور المسلمين، وكما يُقال في الحجاج أن له محاسن في بحر ذنوبه وجرائمه.
يُصنف الحجاج واحدًا من أعتى الجبابرة الذين وُلّوا على المسلمين ونَكَلوا بهم، حيث أنه قتل أكثر من مائة نفس مسلمة ونَكَل بالكثير منهم.
يُذكر أنّ الحجاج بن يوسف دخل المدينة مرة، كان هناك رجل دين كبير يُعتقد أنّ صلواته تجلب البركات، طلب من رجل الدين أن يدعوا له، صلّى رجل الدين وقال: اللهم اقبض روحه، انفجر الحجاج: “يا شيخ، ما هذه الصلاة التي تقرأها لي؟” فأجاب الرجل العجوز: هذا لمصلحَتِك وصالح الناس.
كتابة: عبدالرازق سليم
مراجعة: منة منصور
تحرير: شيماء ربيع