الطب

اضطراب الشخصية الحدية

سلسلة أمراض الصحة العقلية

مشاعر أو علاقات غير مستقرة، إحساس متذبذب لهويتك، تغير الصورة الذاتية والأهداف، وحتى ما تحب وتكره بشكل متكرر، مما يشعرك بالارتباك وعدم الوضوح. حقًا كأنك على الأُفعوانية الضخمة لا تدري ماذا يحدث!

اضطراب الشخصية الحدية “Borderline Personality Disorder”

يُصبح الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية حساسين للغاية؛ فالأشياء الصغيرة يمكن أن تُثير ردود فعل شديدة، مثل وجود نهاية عصبية مكشوفة. وبمجرد الشعور بالضيق، تجد صعوبة في التهدئة.
من السهل أن نتفهم تأثير هذا التَقَلُّب العاطفي -وعدم القدرة على تهدئة الذات- في اضطراب العلاقات والسلوك الاندفاعي والمتهور، حيث أنك عندما تكون في خِضَم عواطف غامرة، لا يمكنك التفكير بشكل مستقيم أو البقاء على الأرض؛ فقد تقول أشياء مؤذية، أو تتصرف بطرق خطيرة -أو غير مناسبة- تعزز الشعور بالذنب أو الخجل بعد ذلك.
إنها حلقة مؤلمة قد يبدو من المستحيل الهروب منها، لكنها ليست كذلك؛ هناك علاجات فعالة لاضطراب الشخصية الحدية، بالإضافة لمهارات التأقلم التي يمكن أن تساعدك على الشعور بتحسن، والعودة إلى السيطرة على أفكارك ومشاعرك وأفعالك.

الأعراض

قد تشمل بعض العلامات والأعراض الرئيسية ما يلي:

1- جهودًا جَمَّة لتجنب هجر الأصدقاء والعائلة، قد تنبع من مخاوف حقيقية أو متخيلة.
2- العلاقات الشخصية غير المستقرة، والتي تتناوب بين المثالية (حالة حب جِدِّية)، وخفض القيمة (الكره الشديد).
3- الصورة الذاتية المشوهة وغير المستقرة والتي تؤثر في: الحالة المزاجية، القيم، الآراء، الأهداف، والعلاقات.
4- السلوكيات الاندفاعية ذات نتائج خطيرة، مثل: الإنفاق المفرط، الجنس غير الآمن، القيادة المتهورة، إساءة استخدام المواد، أو الإفراط في استخدامها.
5- سلوك إيذاء النفس، بما في ذلك التهديدات أو المحاولات الانتحارية.
6- فترات من الاكتئاب الشديد، أو التهيج، أو القلق، تترواح ما بين بضع ساعات إلى بضعة أيام.
7- الشعور المزمن بالملل أو الفراغ.
8- الغضب غير المناسب، أو الشديد، أو الذي لا يمكن السيطرة عليه، والذي يتبعه غالبًا الشعور بالعار والذنب.
9- المشاعر الانفصالية؛ كالانفصال عن أفكارك أو إحساسك بالهوية، أو مشاعر من نوعية “خارج الجسد”.
10- تراودك أفكار بجنون العظمة المرتبطة بالتوتر. ويمكن أن تؤدي حالات التوتر الشديدة أيضًا إلى نوبات ذهانية قصيرة.

تختلف شدة وتواتر الأعراض ومدة استمرارها حسب الفرد ومرضه، فقد يُعاني بعض الأفراد أعراضًا قليلة فقط، بينما يُعاني البعض الآخر أعراضًا كثيرة. يمكن أن تحدث الأعراض من خلال أحداث تبدو عادية، على سبيل المثال؛ قد يشعر الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية بالغضب والانزعاج بسبب الانفصال المؤقت عن الأشخاص القريبين منهم، مثل السفر في رحلات عمل.

مشكلة في نمو الدماغ

استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي “MRI” لدراسة أدمغة الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية، وكشفت عمليات المسح أنه في العديد من الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية كانت هناك 3 أجزاء من الدماغ، إما أصغر من المتوقع أو لديها مستويات غير معتادة من النشاط. هذه الأجزاء كانت:

1- لوزة المخيخ “The Amygdala”: التي تلعب دورًا مهمًا في تنظيم العواطف، خاصة السلبية منها، مثل: الخوف، العدوان، والقلق.
2- الحُصين “The Hippocampus”: الذي يساعد في تنظيم السلوك وضبط النفس.
3- القشرة الأمامية المدارية “The Orbitofrontal Cortex”: والتي تشارك في التخطيط واتخاذ القرار.

يتأثر نمو هذه الأجزاء من الدماغ بنشئِك المبكر، هذه الأجزاء من دماغك مسؤولة أيضًا عن تنظيم الحالة المزاجية، والتي قد تكون مسؤولة عن بعض المشكلات التي يعانيها الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية في العلاقات القريبة.

العوامل البيئية

هنالك عدد من العوامل البيئية شائعة ومنتشرة بين الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية، وتشمل:

1- أن يكون المريض ضحية للاعتداء العاطفي، الجسدي، أو الجنسي.
2- التعرض للخوف أو الضيق على المدى الطويل عندما كان طفلًا.
3- إهمال أحد الوالدين -أو كليهما- له.
4- نشوءه مع فرد آخر من العائلة يعاني حالة صحية عقلية خطيرة، مثل الاضطراب ثنائي القطب، أو مشكلة تعاطي المشروبات أو المخدرات.

تؤثر علاقة الشخص بوالديه وعائلته تأثيرًا قويًا في كيفية رؤيته للعالم ومعتقداته تجاه الآخرين. ويمكن أن يؤدي الخوف والغضب والضيق منذ الطفولة إلى مجموعة متنوعة من أنماط تفكير البالغين المشوهة، مثل:

1- تمجيد الآخرين.
2- توقُع أن يكون الآخرون آباء لك.
3- توقع أن يتنمر عليك الآخرين.
4- تتصرف كما لو أن الأشخاص الآخرين بالغون وأنت لست كذلك.

الاختبارات والتشخيص

يمكن لأخصائي الصحة العقلية المرخَّص (الطبيب النفسي، الأخصائي النفسي، أو الأخصائي الاجتماعي السريري) -من ذوي الخبرة في تشخيص الاضطرابات العقلية وعلاجها- تشخيص اضطراب الشخصية الحدية عن طريق مقابلة شاملة، بما في ذلك: مناقشة الأعراض، وإجراء فحص طبي دقيق وشامل لاستبعاد الأسباب المحتملة الأُخرى للأعراض، والسؤال عن التاريخ الطبي للعائلة، بما في ذلك التاريخ المرضي النفسي.

غالبًا ما يحدث اضطراب الشخصية الحدية مع أمراض عقلية أخرى، مما يجعل من الصعب تشخيص الاضطرابات الأخرى المتزامنة، خاصةً إذا كانت أعراض الأمراض الأُخرى تتداخل مع أعراض الاضطراب؛ فقد يكون الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية أكثر عُرضة للإصابة أيضًا بأحد الاضطرابات التالية: الاكتئاب، الاضطراب ثنائي القطب، اضطرابات القلق، اضطرابات تعاطي المخدرات، أو اضطرابات الأكل.

العلاج النفسي

العلاج النفسي هو الخط الأول للأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب، حيث يمكن أن يكون علاجًا فرديًا، أو في مجموعة، حيث تساعد الجلسات الجماعية -التي يقودها المعالج- في تعليم الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية كيفية التفاعل مع الآخرين، وكيفية التعبير عن أنفسهم بشكل فعال.

يمكن لطبيعة اضطراب الشخصية الحدية أن تجعل من الصعب على الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب الحفاظ على علاقة مريحة وثقة مع معالجهم. لذا؛ من المهم أن يتعامل الأشخاص الخاضعون للعلاج مع معالجهم وأن يثقوا به.

من الأمثلة على العلاجات النفسية المستخدَمة في العلاج ما يلي:

1- العلاج السلوكي الجدلي “Dialectical Behavior Therapy” المعروف اختصارًا بـ”DBT”:

تم تطوير هذا النوع من العلاج للأفراد الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدية. يستخدم (DBT) مفاهيم اليقظة والقبول -أو الوعي والاهتمام- بالوضع الحالي والحالة العاطفية، يُعلِّم (DBT) أيضًا المهارات التي يمكن أن تساعد في:
(أ) التحكم في المشاعر الشديدة.
(ب) تقليل من سلوكيات تدمير الذات.
(ج) تحسين العلاقات.

2- العلاج السلوكي المعرفي “Cognitive Behavioral Therapy” المعروف أيضًا بـ”CBT”:

يمكن أن يساعد هذا النوع من العلاج الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدية في تحديد وتغيير المعتقدات والسلوكيات الأساسية التي تكمن وراء التصورات غير الدقيقة لأنفسهم وللآخرين، بجانب مشكلات التفاعل مع الآخرين. قد يساعد العلاج السلوكي المعرفي في تقليل مجموعة من أعراض المزاج والقلق، وتقليل عدد السلوكيات الانتحارية أو إيذاء النفس.

الأدوية

نظرًا لعدم وضوح الفوائد، لا تُستخدَم الأدوية عادةً كعلاج أَوَّلِي لاضطراب الشخصية الحدية. ومع ذلك -في بعض الحالات-، قد يُوصي الطبيب النفسي بأدوية لعلاج أعراض معينة، مثل: تقلب المزاج، الاكتئاب، الاضطرابات النفسية الأخرى المتزامنة.

قد يتطلب العلاج بالأدوية رعاية أكثر من أخصائي طبي للمريض. كما يمكن أن تسبب بعض الأدوية آثارًا جانبية مختلفة لدى مختلف الأشخاص، لذا؛ يجب ان تتحدث إلى طبيبك حول ما يمكن توقعه من دواء معين.

العلاج لمقدمي الرعاية وأفراد الأسرة

قد يكون وجود قريب أو شخص محبوب مصاب بالاضطراب أمرًا مرهقًا، وقد يتصرف أفراد الأسرة عن غير قصد بطُرُق يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أعراض أحبائهم، كما يمكن أن تستفيد العائلات التي تمتلك أشخاص مصابين باضطراب الشخصية الحدية أيضًا من العلاج.

تتضمن بعض علاجات اضطراب الشخصية الحدية وجود أفراد الأسرة أو مقدمي الرعاية أو الأحباء في جلسات العلاج، حيث يساعد هذا النوع من العلاج من خلال السماح للأقارب أو الأحباء بتطوير المهارات، وذلك لفهم ودعم الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية بشكل أفضل، والتركيز على احتياجات أفراد الأسرة لمساعدتهم على فهم العقبات واستراتيجيات رعاية الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية.

على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث لتحديد فعالية العلاج الأُسَري في اضطراب الشخصية الحدية، فإن الدراسات التي أُجرِيَت على الاضطرابات العقلية الأخرى تشير إلى أن تضمين أفراد الأسرة يمكن أن يساعد في علاج الشخص.

نصائح للعائلة ومقدمي الرعاية لمساعدة صديق أو قريب يعاني من الاضطراب

1- قدِّم الدعم العاطفي والتفاهم والصبر والتشجيع؛ فقد يكون التغيير صعبًا ومخيفًا للأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدية، ولكن من الممكن أن يتحسنوا بمرور الوقت.
2- تعرَّف إلى الاضطرابات النفسية، بما في ذلك اضطراب الشخصية الحدية، حتى تتمكن من فهم ما يعانيه الشخص المصاب بهذه الاضطرابات.
3- شجِّع الشخص المقرَّب لك الذي يعالَج من اضطراب الشخصية الحدية على السؤال عن العلاج الأُسَري.
4- اُطلب المشورة لنفسك من المعالج، ولا ينبغي أن يكون نفس المعالج الذي يراه الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية.

المصادر 1 2 3 4

كتابة: غدي محمد

مراجعة: عمر محفوظ

تحرير: زياد محمد

اظهر المزيد

غدى محمد

كاتبة بقسم الطب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى