الماضي، والحاضر، والمستقبل.. أين يجب أن تعيش؟

“الأمس قد انتهى، الغد لم يأتِ بعد، ليس لدينا سوى اليوم، دعنا نبدأ ونعيشه”
الأم تريزا

سبق لك من قبل أن شعرت بالحزن أو الفشل؛ للتفكير في أمور قديمة حدثت في الماضي، أو ندمت على قرار اتخذته لم يعجبك، أن قلقت من التفكير في المستقبل، وكيف ستجري الأمور بعد ذلك، ثم قررت بعد كل هذا أن تشكو لأحدهم، تبثه قلقك وحيرتك وشعورك الدائم بأن هناك شيئًا مفقودًا، أو أن هناك ما يجب عليك فعله.

تحكي له بكل ما بداخلك من شعور، وتسترسل في وصف الأشياء التي مررت بها مسبقًا، والأشياء التي ستشعر بها مستقبلًا، فيجيبك قائلًا: “حاول أن تعيش الحاضر، لا تشتت نفسك، عش لحظتك الآن وفقط” حسنًا، أعتقد أنها نصيحة جيدة بالفعل، لكن؛ هل من السهل القيام بها؟!
دعنا نرى..

القلق والمستقبل.. الجميلة والوحش!

“يعتمد مستقبلك على ما تفعله اليوم”.
مهاتما غاندي.

إذا كنت كثير القلق بشأن مستقبلك وبشأن أشياء قد تكون من سفاسف الأمور، هنا يجب عليك أن تعيد النظر في طريقة تفكيرك في المستقبل وما قد يسببه لك، قد يكون قلقك وتفكيرك هذان منطقيين وطبيعيين، كأن تقلق على مصير أحد أقاربك مثلًا، أو قد يكون غير منطقي، كأن تفكر فيما ستفعل في مباراة كرة القدم، أو كيف ستقابل صديقك الجديد غدًا وماذا ستفعل معه، وما إلى ذلك من الأمثلة الخاصة بسؤال “ماذا لو..؟!” الناجمة عن كثرة التفكير السلبي في المستقبل.

تدق الأجراس الآن، القلق قادم

عند شعورك بأنك تفكر بهذا الشكل السلبي، ابدأ بترتيب ذهنك؛ حتى لا يزداد قلقك، ويؤثر على حياتك الحالية وتشعر وكأنك تائه، بعدها لا تدري ما يجب عليك فعله.
في حالة كان تفكيرك غير منطقي، أو كان تفكيرك في المستقبل يسبب لك القلق، ابدأ فورًا في إطلاق جرس الإنذار لذاتك، للحد من ذلك القلق الزائد، حاول أن تجعل قلقك أقل تأثيرًا، وذي وطأة أخف عليك، لاحظ ما تشعر به عاطفيًا خلال يومك، وخصوصًا عند تفكيرك في المستقبل؛ تعلّم أن ترى العلامات المبكرة للقلق المتزايد وتحد من حدوثه.

وعندما ترى بداية انجرافك في ذلك الطريق، اتخذ خطوات نشطة لتقليل هذا القلق، كأن تحدث نفسك مذكرًا إياها بأنك ستقع هكذا في فخ القلق، أخبرها بأن عليها كبح جماح ذاتها وتغيير استراتيجيتها، كأن تتنفس ببطء وعمق، أو تركز بصرها في الطبيعة للتأمل، أو أن تشغل تفكيرها للخروج من القلق والعودة إلى رشدها.

وحش الاكتئاب يقبع في الماضي

“نحن نتاج ماضينا، لكن لا يجب أن نكون أسرى له”
ريك وارين، كتاب الحياة المنطلقة نحو الهدف.. لماذا أنا موجود.

ذكرنا مسبقًا أن القلق يحركك عند تفكيرك في المستقبل، كذلك الاكتئاب، يحركك أغلب الوقت عند تفكيرك بالماضي.
قد يكون الاكتئاب نتيجة لشيء آخر، فنسبة ضئيلة منَّا تعاني من الاكتئاب الناجم عن العوامل الوراثية، أو لتاريخ عائلي طويل من الاكتئاب، أو خلل في كيمياء الدماغ، لكن بالنسبة للكثيرين المتبقين منَّا؛ فالاكتئاب ناتج عن التفكير في الماضي، كشعورك بأنك كنت محاصرًا في وظيفة تكرهها، أو علاقة تشعر فيها وكأنك تعيش في سجن، كل ذلك يسبب الحزن والندم والشعور بالذنب بشأن أفعال الماضي، والتفكير فيما كان يجب أن نفعله بدلًا من ذلك الذي قمنا به.

احترس، الطقس غائم، توقع حدوث اكتئاب

إذا شعرت أنك عالق في الماضي وتفكر فيه كثيرًا، ابدأ باكتشاف السبب، فإذا كان الأمر يتعلق بالوراثة وكيمياء الدماغ كما ذكرنا مسبقًا؛ فابحث عن العلاج، واذهب لطبيب لتتابع معه، أما إذا كان الأمر يتعلق بالشعور بأنك محاصر في الماضي؛ فأنت بحاجة إلى التفكير في طرق للمضي قدمًا واتخاذ إجراءات؛ لتجاهل ذلك الشعور رغمًا عن مشاعرك التي تزعجك تلك.

أنت تحتاج إلى أن تعبر عن مشاعر الندم والذنب بداخلك، تجاه ما حدث في الماضي؛ حتى تتخلص من المشاعر السلبية.
فإذا كان شعورك ذلك تجاه شخص ما؛ حاول أن ترسل رسالة إلكترونية اعتذارية إلى ذاك الذي شعرت بالإهانة له أو منه، وإذا كنت لا تستطيع أو لا ترغب في إرسالها؛ فاكتب رسالة تقول فيها كل ما لم تستطع أو لم تقله بغرض إخراج ذلك الشعور السيئ من رأسك، ثم قرر أن تأخذ خطوة إلى الأمام، والبحث عن الدرس الذي يجب أن تتعلمه من تجربتك تلك، حتى تتغير سلوكياتك المستقبلية، وتعالج جروحك الماضية، وتشعر بأنك أفضل.

الماضي والحاضر والمستقبل.. مزيج مناسب

“الماضي وراؤك.. فتعلم منه، المستقبل أمامك.. تجهّز له، الحاضر هنا.. فلتعشه”.
-توماس س.مونسون.

إن قدرتك على العيش في الوقت الحاضر لتكون أكثر وعيًا هي بالتأكيد هدف يجب السعي لتحقيقه دومًا. لكن الأمر يتعلق بإنشاء مسار جديد في حياتك، وتغيير منظورك للأفضل، ولفعل هذا، يتحتم عليك أن تزيل الرؤية الضبابية للمستقبل من أمامك، وأن ترجع للوراء بحرص وحيطة، وتنظر إلى حياتك بنظرة مختلفة، وتبدأ بإزالة كل ما يعيق طريقك من السير إلى الأمام، وعد إلى حاضرك بسلاسة، وعش يومك بصدر رحب.

في نهاية المقال، نتمنى أن تشاركنا استراتيجياتك للقضاء على القلق والاكتئاب الناتجين عن التفكير الزائد في المستقبل والماضي.

المصادر: 1

كتابة: أميرة يحيى

تدقيق لغوي: شيماء بكري