التاريخ والأدب

زعيم تاريخي مات بجنون العظمة | جوزيف ستالين

دوره في الثورة الاشتراكية، والتمهيد لها بكافة الوسائل السرية والثورية، ودوره بعد نجاح الثورة في عام ١٩١٧، وفوزه باكتساح على منافسيه في الحزب الشيوعي، وكذلك دوره كحاكم روسيا بعد “لينين”، وتحويلها من دولة زراعية متخلفة إلى دولة صناعية عظمى، ودوره في الحرب العالمية الثانية، ومساهمته مع حلفائه في الحرب، ودوره كناشر للمذهب الشيوعي في العالم، إنه الزعيم السوفيتي “جوزيف ستالين – Joseph Stalin”. هو الذي كان مسؤولًا عن مقتل 20 مليون شخص خلال فترة حكمه الوحشية، كان ديكتاتور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية (USSR) من عام 1929 إلى عام 1953.

شارك في السياسة الثورية، وكذلك الأنشطة الإجرامية، وبعد وفاة الزعيم البلشفي “فلاديمير لينين – Vladimir Lenin” (1870-1924)، استطاع ستالين السيطرة والتغلب على منافسيه في الحزب، وبمجرد أن وصل إلى السلطة، كان له أعداء سيُعيقونه؛ فبعضهم أُعدم والآخرين تم إرسالهم إلى معسكرات العمل القسري.

في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، تحالف ستالين مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكن بعدها أصبحت العلاقة متوترة بشكل مبالغ مع الغرب، وعُرفت تلك الفترة باسم الحرب الباردة (1946-1991)، وبعد وفاته، بدأ السوفييت إزالة الستالينية.

  • حياته

نشأ في أسرة فقيرة، ووُلد “جوزيف ستالين جوزيف فيساريونوفيتش دجوغاشفيلي Joseph Stalin Josef Vissarionovich Djugashvili”، في 18 ديسمبر 1878 أو 6 ديسمبر 1878، وفقًا للتقويم اليولياني القديم (برغم من أنه اخترع لنفسه تاريخ ميلاد جديد وهو 21 ديسمبر 1879)، وكان وحيد أبويه، كان والده صانع أحذية، وعانى منه ستالين، حيث أخذ ذلك الاسم لنفسه حينما كان في الثلاثين من عمره وتعني “رجل من الفولاذ”، كان مُدمنًا للكحول وكان يقوم بضربه، وكانت أمه تعمل في غسيل الملابس، وأُصيب بالجدري في صغره؛ مما سبب له بعض الندوب التي ظلت في وجهه طيلة حياته.
حينما كان في سن المراهقة، حصل على منحة دراسية لحضور معهد ديني في مدينة تبليسي، ودراسة الكهنوت في الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية، وفي فترة تواجده هناك بدأ يقرأ لأعمال الفيلسوف الاجتماعي الألماني ومؤلف “البيان الشيوعي” كارل ماركس، وكذلك اهتم بالحركة الثورية ضد الملكية الروسية.

وفي عام 1899، تم طرده من المدرسة بسبب تغيبه عن الامتحانات، رغم ادعاءه أن ذلك من أجل الدعايا للماركسية، فبعد تركه المدرسة أصبح من المحرضين السياسيين السريين، فشارك في المظاهرات والاضرابات العمالية، وأخذ لنفسه اسم كوبا على اسم بطل جورجي خيالي خارج عن القانون، وانضم إلى الجناح الأكثر تشددًا للحركة الاشتراكية الديمقراطية الماركسية (البلاشفة) الذي كان بقيادة “فلاديمير لينين”. وكذلك شارك في أنشطة إجرامية مختلفة كسرقة البنوك، والتي تم استخدام العائدات منها للمساعدة في تمويل الحزب البلشفي، وتم اعتقاله عدة مرات بين عامي 1902 و1913، وتعرض للسجن والنفي في سيبيريا.

تزوج ستالين من “إيكاترينا سفانيدزي ”كاتو“ – Ekaterina “Kato” Svanidze” (1885-1907)، وأنجبا طفل واحد يُدعى ياكوف، وتوُفي كأسير في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وماتت إيكاترينا من التيفوس عندما كان ابنها رضيعًا.
في عام 1918 أو 1919م، تزوج ستالين زوجة ثانية “ناديجدا ”ناديا“ إيلوييفا – Nadezhda “Nadya” Alliluyeva” (1901-1932) وهي ابنة ثوري روسي، وأنجب منها طفلين، صبي وفتاة (تسببت ابنته الوحيدة التي تُدعى “سفيتلانا ألوييفا – vetlana Alliluyeva” في فضيحة كبيرة عندما هربت إلى الولايات المتحدة في عام 1967)، وانتحرت ناديجدا في أوائل الثلاثينيات من عمرها، ولقد أنجب ستالين العديد من الأطفال الغير شرعيين.

  • الطريق إلى السلطة

في عام 1912، عَين “لينينLenin” -الذي كان في المنفي بسويسرا- جوزيف ستالين للعمل في أول لجنة مركزية للحزب البلشفي، وبعد ثلاث سنوات، استولى البلاشفة على روسيا في نوفمبر 1917، ومن ثم تأسس الاتحاد السوفيتي عام 1922 وكان لينين زعيمه الأول.
وفي تلك السنوات، استمر ستالين في الصعود لسلم الحزب، وأصبح أمينًا عامًا للجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1922 وهذا الدور الذي مكنه من دعم قاعدته السياسية وتعيين أنصاره.
وفي عام 1924، تُوفيّ لينين وفاز ستالين على منافسيه في ذلك الصراع، وسيطر على الحزب الشيوعي، وفي أواخر العشرينات من القرن الماضي، أصبح ديكتاتور الاتحاد السوفيتي.

  • ستالين يقود الاتحاد السوفيتي

ابتداءً من أواخر عشرينيات القرن الماضي، أطلق ستالين سلسلة من الخطط التي تهدف إلى تحويل الاتحاد السوفيتي من مجتمع فلاحي متخلف إلى قوة صناعية عُظمي، كانت الخطة التي وضعها ترتكز حول سيطرة الحكومة على الاقتصاد، وشملت التجميع القسري للزراعة السوفيتية، فسيطرت الحكومة على المزارع ورفض ملايين من المزاعين الخضوع لأوامر ستالين؛ فأُطلق النار على بعضهم والبعض الآخر تم نفيه كعقاب. وكذلك أدى التنظيم القسري إلى انتشار المجاعة؛ مما أوأد بحياة الملايين في القبور.
فكما هو واضح عزيزي القارئ، أن ستالين حكم بقبضة إرهابية، فكان يقضي على كل من يعارضه، القيام بتدعيم وزيادة صلاحيات الشرطة السرية، تشجيع المواطنين على التجسس على بعضهم وقتل ملايين الأشخاص أو إرسالهم إلى معسكرات العمل القسري في نظام غولاغ معتقل في سيبيريا، وخلال النصف الثاني من الثلاثينات، أطلق ستالين التطهير العظيم، وهي حملات مُصممة بالتحديد للتخلص من الحزب الشيوعي والجيش وأجزاء أخرى من المجتمع الذين اعتبرهم تهديدًا؛ لذلك وجب التخلص منهم.
وبالإضافة إلى كل ذلك، قام بإعادة تسمية المدن باسمه، وكتابه كتب التاريخ السوفيتي لمنحه دور البطل في الثورة وأنه لا مثيل له، سيرته وجدت في الأعمال الفنية والأدب والموسيقي على أنه بطل الأبطال، وأصبح اسمه جزءًا من النشيد الوطني السوفيتي، وقام أيضًا بإزالة شركائه السابقين الذين أُعدموا أثناء عمليات التطهير العديدة التي قام بها، وسيطرت حكومته على وسائل الإعلام السوفيتية.

  • ستالين والحرب العالمية الثانية

في عام 1931، وقّع ستالين والديكتاتور الألماني “أدولف هتلر – Adolf Hitler” ميثاقًا على عدم الاعتداء الألماني السوفيتي، ومن ثم شرع ستالين في ضم أجزاء من بولندا ورومانيا وكذلك دول البطليق وهي إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، كما قام بغزو فنلندا.
في يونيو1941، تجاهل ستالين تحذيرات الأمريكيين والبريطانيين، وكذلك عملاء استخباراته بشأن غزو مُحتمل، ولم يكن السوفييتيون على استعداد للحرب؛ حيث خلفت ألمانيا الميثاق النازي السوفياتي وغزت الاتحاد السوفيتي، وحققت نجاحات مبكرة.
وباقتراب القوات الألمانية من العاصمة السوفيتية موسكو، ظل ستالين هناك يدافع فقط، ودمر أي إمدادات أو بنية تحتية قد تفيد العدو. وفي “معركة ستالينجراد – Battle of Stalingrad” من أغسطس 1942 إلى فبراير 1943، هزم الجيش الأحمر الألمان وتم طردهم من روسيا.
مع تقدم الحرب، شارك ستالين في مؤتمرات الحلفاء الرئيسية، بما في ذلك مؤتمرات طهران (1943) ويالطا (1945)، ولعب دور الحليف المخلص بسبب إصراره ومهاراته السياسية القوية، ولم يتخلى عن حلمه بإمبراطورية سوفياتية موسعة بعد الحرب.

  • السنوات الأخيرة لستالين

مع تقدم عمره، لم يضعف أبدًا، حيث قضى عهدًا من الإرهاب والتطهير والإعدام والنفي إلى معسكرات العمل والاضطهاد في الاتحاد السوفيتي بعد الحرب، واسكت أفواه معارضيه، ومنع حرية التعبير، وأي شيء يمثل الأجانب، حتى السينما الغربية! وأسس الحكومات الشيوعية في جميع أنحاء أوروبا الشرقية.
في عام 1949، قاد السوفييت إلى العصر النووي بتفجير قنبلة ذرية، وفي عام 1950، منح الزعيم الشيوعي لكوريا الشمالية “كيم إيل سونغ” (1912-1994)، الإذن بغزو كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة، وذلك الحدث أشعل فتيل الحرب الكورية.

  • كيف مات جوزيف ستالين؟

أُصيب بجنون العظمة بشكل غير طبيعي في سنواته الأخيرة، وعن عمر يُناهز 74 عامًا، في 5 مارس 1953، بعد إصابته بسكتة دماغية، تم تحنيط جسده وحفظه في ضريح لينين في الساحة الحمراء في موسكو حتى عام 1961، وبعدها تم دفنه بالقرب من أسوار الكرملين كجزء من عملية إزالة الستالينية التي بدأها خليفة ستالين “نيكيتا خروتشوف” (1894-1971).

وفي النهاية عزيزي القارئ، بعد كل ما عرفناه عن ستالين، إلا أن ما كُتب عنه يُعتبر ضئيلًا في صحف التاريخ بالنسبة لما كُتب عن لينين، وهناك حلقات مفقودة وغامضة، ومن الممكن أن تظل كذلك طيلة الدهر، وبالرغم من الصفات السيئة والأحداث السوداء التي قام بها، فهذا لا يقلل من عظمته التي لا تقل عن لينين!

المصدر

كتابة: آية ياسر

مراجعة: سارة صلاح

تدقيق لغوي: فاطمة محمد

اظهر المزيد

آية ياسر

كاتبة بقسم التاريخ وعلم النفس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى