الأحياء

أيهما أخطر.. سائق مخمور، أم سائق معه هاتف محمول؟

أيها السائق، علي الرغم من أنه يتم تذكيرك في كثير من الأحيان بتسليط الاهتمام الكامل على القيادة، إلا أنك تشارك دائمًا بانتظام في مجموعة متنوعة من الأنشطة عندما تكون خلف عجلة القيادة.

في الواقع، تشير البيانات المأخوذة من الإحصاء السكاني للولايات المتحدة لعام 2000 إلى أن زملائك السائقين يقضون معدل 25.5 دقيقة كل يوم في التنقل إلى العمل، كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بمحاولة جعل هذا الوقت الذي يقضونه على الطريق أكثر إنتاجية، لذلك، غالبًا ما يأتي الانخراط في هذه الأنشطة على حساب تحويل الانتباه بعيدًا عن المهمة الأساسية للقيادة -ألا وهي القيادة بحد ذاتها-.

يتحدثون للركاب، يأكلون، يشربون، يشعلون سيجارًا، يستمعون للموسيقى، يتصفحون الإنترنت ويرسلوا ويستقبلوا البريد الإلكتروني، يتكلمون في الهاتف وحتى تضعن المكياج!

ومن بين كل ما سبق، هناك نشاط مُعين متكرر يشترك فيه عادةً أكثر من 100 مليون سائق في الولايات المتحدة الأمريكية، ألا وهو الاستخدام المتزامن للهاتف المحمول أثناء القيادة.

الهاتف المحمول وتأثيره على القيادة

بعض الدراسات أثبتت أن استخدام الهاتف المحمول يُضعف أداء القيادة للشباب البالغين؛ فمن المُرَّجح أن يفوّت السائقون إشارات المرور، فرملة السيارة، قلة الاستجابة للمؤثرات الخارجية، ويكونوا أكثر احتمالية للتصادم عندما يتحدثون على الهاتف.

وفي دراسة تم نشرها عام 1997، تم الإشارة فيها إلى أن الخطر النسبي للتعرض لحادث مروري أثناء استخدام الهاتف المحمول يشبه الخطر المرتبط بالقيادة بمستوي كحول في الدم عند الحد القانوني.
وتم إجراء هذه الدراسة من خلال تقديم السجلات الخلوية ل699 فرد متورطين في حوادث السيارات، ووجد أن 24% من هؤلاء الأفراد كانوا يستخدمون هواتفهم المحمولة خلال 10 دقائق التي سبقت وقوع الحادث، وقد ارتبط ذلك بزيادة قدرها 4 أضعاف في احتمال التعرض لحادث.

ومع ذلك، هناك العديد من القيود على هذه الدراسة الهامة:

فعلى الرغم من أن هذه الدراسة أسست ارتباطًا قويًا بين استخدام الهاتف المحمول وحوادث السيارات، وكذلك أهمية لكل الدراسات التي تليها في ذلك الموضوع، إلا أنها لم تثبت وجود علاقة سببية بين استخدام الهاتف المحمول وزيادة معدلات الحوادث.
فعلى سبيل المثال، قد يكون السائق مثلًا في حالة عاطفية، وهذا يزيد من احتمالية التحدث على الهاتف المحمول. أو أن يكون من هواة سماع الموسيقى، فيستخدم الهاتف المحمول لذلك. أي أن السبب قد يرجع في النهاية للسائق نفسه.

لكن في الدراسة التالية التي تم نشرها سنة 2006 ويعرضها هذا المقال، دراسة مضبوطة، قارنت بشكل مباشر أداء السائقين الذين كانوا يتحدثون على هاتف محمول باستخدام الأيدي أو بدون استخدامها، مع أداء السائقين بتركيز كحول في الدم عند 0.08% (0.08 جرام لكل 100 مللي لتر من الدم) -التركيز القانوني للكحول في الدم-.

سائق مخمور ضد سائق يستخدم هاتف محمول

قام كلًا من ديفيد إل. ستراير “David L. Strayer”، وفرانك أ. دروز “Frank A. Drews”، ودينيس ج. كراوتش “Dennis J. Crouch”، من جامعة يوتا “University of Utah” -وهم أصحاب الدراسة- بالإعلان في الصحف المحلية بأنهم يريدون متطوعين لإجراء تجربة علمية.

وشارك فيها 40 بالغًا (25 رجل و15 امرأة) تراوحت أعمارهم من 22 إلى 34 سنة، بمتوسط عمر 25 سنة. كانت رؤيتهم جيدة ويحملون رخصة قيادة سارية بمتوسط خبرة 8 سنوات في القيادة.

78% منهم يمتلك هاتفًا محمولًا، وأفاد 87% من مالكي هذه الهواتف أنهم يستخدمونها أثناء القيادة.

وكان من شروط القبول في تلك التجربة هو أن يكونوا من الذين يشربون ثلاثة إلى خمسة مشروبات كحولية في الأسبوع.

في البداية، يجب التوضيح بأنه لم يكن هناك فروق كبيرة في أداء القيادة بين الذين يملكون هاتفًا محمولًا والذين لا يملكونه بين المشاركين على حسب التحليلات الإضافية. كما لم يكن هناك فروق كبيرة جوهرية بين قيادة الرجل والمرأة بين السائقين.

واستغرقت التجربة حوالي 10 ساعات خلال ثلاثة أيام، وتقاضي المشاركون أجورًا بمعدل 10 دولارات في الساعة.

وفي هذه الدراسة، تم وضع المشاركين على جهاز محاكاة القيادة عالي الدقة، قاد فيه المشاركون طريقًا سريعًا متعدد المسارات وراء سيارة تسير بسرعات مختلفة لفترات عشوائية. وقاموا بقياس عدد من متغيرات الأداء (فعلي سبيل المثال: سرعة القيادة، مسافة التتبع بينهم وبين السيارة التي يتبعونها، وقت رد فعل الفرامل ووقت التصادم).

جهاز محاكاة القيادة عالي الدقة الذي تم استخدامه في التجربة

وجعلوا المشاركين يقودون في ثلاث حالات مختلفة:

1- الحالة الأولى: وهي أن يقودوا بدون أن يكونوا مخمورين ولا يستخدموا الهاتف المحمول، وتم تسمية تلك الحالة بالحالة الأساسية.

2- والحالة الثانية تم تسميتها بحالة الهاتف المحمول، وهي القيادة أثناء التحدث إلى الهاتف المحمول.

3- والحالة الثالثة وهي حالة الكحول، وهي القيادة تحت تأثير الكحول بنسبة 0.08% في الدم.

كانت التجربة قائمة بكل بساطة على أن كل مشارك مُطالب بالتفاعل في الوقت المناسب والطريقة المناسبة مع تباطؤ السيارة التي يتبعها أمامه.

ففي البداية، يَتبع المشارك سيارة التجربة التي أمامه، وبعد فترة تبدأ سيارة التجربة في التباطؤ، فيبدأ المشارك في الضغط على دواسة الفرامل، ثم بعد ذلك تأخذ سيارة التجربة في التسارع، فيُزيل المشارك قدمه من على دواسة الفرامل ويضعها على دواسة الوقود، وهكذا..

في جلسة تناول الكحول، شرب المشاركون خليطًا من عصير البرتقال والفودكا لتحقيق تركيز كحول محسوب في الدم (0.08%) وكانت جلسة القيادة تحت تأثير الكحول لمدة 15 دقيقة.

وفي جلسة الهاتف المحمول، كانت تنقسم لثلاث فترات كل فترة منهم لمدة 15 دقيقة؛ الفترة الأولي وهي القيادة بدون استخدام الهاتف المحمول، والثانية وهي القيادة أثناء التحدث للهاتف المحمول باستخدام اليدين، والثالثة وهي القيادة أثناء التحدث للهاتف المحمول ولكن بدون استخدام اليدين.

في كلا الفترتين اللتين يتضمنا الهاتف المحمول، انخرط المشارك ومساعد الباحث في التحدث في محادثات طبيعية على الهاتف تم تحديدها في اليوم الأول على أنها تهم المشارك (فمثلًا هذا مهتم بالدوري الإنجليزي وفريق ليفربول، فيتحدث مساعد الباحث معه عن ذلك)؛ لأن مهمة مساعد الباحث حينها أن يحافظ على حوار يستمع فيه المشارك ويشاركه فيه بكل اهتمام.
والشيء المهم هنا أن تلك المحادثات عبارة عن محادثات عرضية، أي لا تشتمل على مفاوضات تجارية أو محادثات عاطفية، وكل ذلك حتى يقللوا من التداخلات في التجربة، ليصبح في النهاية عنوانها “سائق مخمور ضد سائق يستخدم هاتف محمول”.

أداء المشاركين في التجربة

بالنسبة للحالة الأساسية، عندما بدأت سيارة التجربة في التباطؤ، بدأ المشاركون بالفرملة في غضون ثانية واحدة من سرعة تباطؤ السيارة، واقتربت السيارتان (سيارة المشارك وسيارة التجربة) من بعضهما البعض قليلًا.

أما بالنسبة لحالة الكحول، فأظهروا أسلوب قيادة أكثر عدوانية، حيث اقتربوا من سيارة التجربة التي أمامهم مباشرة، فاقتربت السيارتان من بعضهما البعض أكثر من حالة الهاتف المحمول، مما استلزم الفرملة بقوة أكبر.

وفي حالة الهاتف المحمول، كانت ردود الفعل أبطأ، وكانوا متورطين في المزيد من الاصطدامات الخلفية، كما استغرق المشاركون وقتًا أكبر لاستعادة السرعة التي فقدوها أثناء الفرملة.

وعلى النقيض من ذلك، لا تختلف كلًا من معدلات الحوادث، ولا وقت رد الفعل، ولا استعادة السرعة المفقودة عن الحالة الأساسية، ولكن بشكل عام أظهر السائقون في حالة الكحول أسلوب قيادة أكثر عدوانية.

ولكن الأهم من ذلك كما ذكرناه في الأعلى، أن الدراسة وجدت أن معدل الحوادث لا يختلف في حالة الكحول عن الحالة الأساسية، ومع ذلك، فإن الزيادة في الكبح الشديد والسلوك العنيف في القيادة، تنبئ بزيادة معدلات الحوادث على المدى الطويل.
وهنا يجب التنويه عن شيء مهم؛ أن التجربة كانت في الصباح من بين التاسعة صباحًا ووقت الظهيرة، بالإضافة إلى أن البيانات الواردة من الإدارة الوطنية لسلامة النقل على الطرق السريعة في عام 2001 تشير إلى أن 3% فقط من الحوادث المميتة تحدث في تلك الفترة، وأن 80% من جميع الحوادث المميتة المتعلقة بالكحول على الطرق السريعة بالولايات المتحدة تحدث بين السادسة مساءًا والسادسة صباحًا؛ مما يعني شيئًا واحدًا فقط، وهي تداخل الإرهاق مع شرب الكحول، بينما في هذه الدراسة، حصل المشاركون على راحة جيدة قبل شربهم للكحول مما قد يقلل من عوامل الخطر النسبي.

تأثير القيادة مع الهاتف على تدفق حركة المرور

إن أحد العوامل التي غالبًا ما يتم تجاهلها عند النظر في التأثير الإجمالي للقيادة باستخدام الهاتف المحمول هو: تأثير هؤلاء السائقين على تدفق حركة المرور. حيث تمت الإشارة في تلك الدراسة إلى أن السائقين الذين يستخدمون هاتفًا محمولًا استغرقوا وقتًا أطول بنسبة 19% مقارنة بالحالة الأساسية لاستعادة السرعة المفقودة بعد عملية الكبح.
ففي المواقف التي تكون فيها كثافة المرور عالية، من المرجّح أن يؤدي هذا النمط من سلوك القيادة إلى تقليل التدفق الإجمالي لحركة المرور، مما يتسبب في الازدحام المروري العام.

وفي نهاية التجربة، قام الباحثون باستخلاص المعلومات من المشاركين، وأشار العديد من السائقين الذين لديهم مستويات أعلى من استخدام الهاتف المحمول في العالم الحقيقي أثناء القيادة إلى أنهم لم يجدوا صعوبة في القيادة أثناء استخدام الهاتف المحمول أكثر من القيادة دون استخدام الهاتف المحمول، وبالتالي، يبدو أن هناك انفصالًا بين تصور المشاركين الذاتي لأداء القيادة والمقاييس الموضوعية لأدائهم في القيادة.

لذلك، انتبهوا من استخدامكم لهواتفكم المحمولة أثناء القيادة.

المصدر

كتابة: مصطفى أحمد مصطفى
تحرير: إسراء وصفي

اظهر المزيد

مصطفى أحمد مصطفى

مسئول قسم الأحياء والكيمياء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى