دعنا في البداية وقبل كل شيء نلعب لعبةً معًا، سأعرض عليك مجموعة من الكلمات المتضادة، وكل ما عليك هو استخراج الكلمة الوسط بينهما، مثلًا..
سأقول لك “بارد – حار”
الإجابة هنا ” دافئ”.
مستعد؟
هيا بنا إذًا.
“أبيض – أسود”.
“صغير – كبير”.
“سريع – بطئ”.
“سهل – صعب”.
“نظيف – متسخ”.
حسنًا إذًا، من المؤكد أنك اخترت الرمادي ككلمة وسط بين الأبيض والأسود. ومما لا شك فيه أن الإجابات الباقية متشابهة نوعًا ما. كونك اخترت “الوسط”، أخبرني في التعليقات بإجاباتك، ولا تقلق إذا كنت قد اخترت كلمات وسط غير مناسبة للكلمتين المتضادتين، فبالفعل بعض الكلمات التي وضعتها ليس لها وسط في اللغة، أو هكذا نعتقد.
الكل أو اللاشيء
الحل الوسط أو الاختيار الرمادي، هو أحد الحلول أو طرق التفكير التي لا يعتمدها الشخص الذي يفكر على طريقة ” الكل أو اللاشيء”، “الأبيض والأسود في حياتنا”، فتجد الشخص لا يفكر في الأمور إلا من جانبين فقط: الخير المطلق، أو الشر المطلق.
فهو يرى مثلًا نجاحه في أن يحقق نسبة ال 100% فيما يقوم به أو يفكر به، إذا حقق أي نسبة أقل، فهو بذلك يعتبر نفسه حقّق 0%، فعلى سبيل المثال، إذا كان ذلك الشخص يتعلم صنع أكلة جديدة، إذا صنعها بنفس الطريقة وكان لها نفس المذاق الطيب للأكلة الأصلية؛ اعتبر نفسه ناجحًا فيها بنسبة 100%.
أما إذا أخفق وقلل الملح مثلًا بنسبة ضئيلة؛ فهو بذلك يعتبر نفسه فاشلًا كليًا ويرى أن نسبة نجاحه حينها 0%.
لعلك تتساءل الآن، ما جدوى اللعبة التي قمنا بها سابقًا؟ حسنًا إذًا، إليك الإجابة.
ركز في الكلمات التي عرضتها عليك وتأملها مليًا وأخبرني، إلى أي مدى تستخدم تلك الكلمات في تعاملاتك اليومية وفي حياتك العادية؟ في حين أن بعض المواقف تتطلب منّا استخدام الكلمات الوسطى، والتي تعبر عن الاعتدال بين أي حالتين.
ولكننا نختار الأسهل دائمًا، فنختار إما ما يعبر عن الرضا “الأبيض”، أو ما يعبر عن السخط “الأسود”، ولا نعير “الرمادي” اهتمامًا كبيرًا، رغم أن في أغلب الأحيان استخدام الكلمات التي في الوسط، والتي تعبر عن الاعتدال، تكون هي الأنسب والأقرب للموقف الذي نمر به، ويمكنها أن تغير من حقيقة وواقعية ذلك الموقف.
كيف يؤثر “الكل أو اللاشيء” على رؤيتنا لأنفسنا؟
يجعلنا التفكير من منطلق “الكل أو اللاشيء” باحثين عن الكمال دائمًا في الأشياء من حولنا، حتى تلك البعيدة عن الكمال والناقصة تجدنا غير مرتاحين في وجودها وفي نقصها الطبيعي، فتجعلنا دائمًا في حالة إحباط وقلق من تلك الأحكام المتطرفة التي تحيط بنا، وتجعلنا غير راضين عن كوننا بشر ونُخطئ.
تجعلنا خائفين من تجربة الأشياء الجديدة، واكتساب خبرات جديدة في الحياة؛ خوفًا من الإخفاق والفشل، وفوقه خوف حتى من الأخطاء الطبيعية التي لا تعيب مرتكبها، ناهيك عن أنها ترتفع بسقف طموحاتنا وتوقعاتنا؛ فتجعله أعلى من الواقع وأكثر من الذي نبحث عنه.
تجعل أهدافنا شبه مستحيلة وغير اعتيادية وبعيدة عن حصولنا عليها، وتبعد عن ناظرنا التفكير في الحلول الوسط، والتي بدورها تستطيع أن تجعلنا أفضل، وأن تحسن من قراراتنا وتجعلها أكثر عقلانية ودراية وواقعية.
تؤثر علي علاقاتنا مع من حولنا؛ إذ تدفعنا لاتخاذ قراراتٍ بدون الانتباه لتأثيرها على المقربين منا.
تجعلنا لا نراعي سقطات الأفراد، فمثلًا، عندما يقوم أحدهم بموقف سئ، ونرى الشخص سيئًا بشكل مطلق، بدون أن نلتمس له الأعذار.
تجعلنا أقل تحصيلًا في الدراسة، فبمجرد إخفاقنا مثلًا في مسألة كيميائية، تجدنا سريعًا نردد أننا سيئين في الكيمياء ككل، فهي تجعلنا نحكم حكمًا مطلقًا لا يحتمل الوسطية.
كيف تعرف أنك تفكر بطريقة الأبيض والأسود؟
1- عندما تنظر لجميع أخطائك على أنها كارثية وعظيمة.
2- عدم تقبل نقص الآخرين، ونقدهم، وعدم التماس الأعذار لهم.
3- التوقعات المبالغ فيها، والأهداف العالية جدًا.
4- استخدامك لكلمات مثل ( دائمًا – أبدًا – نهائيًا – مطلقًا – كل مرة – مستحيل – ……)
الأبيض والأسود يعطينا رمادي
جميعنا يعرف من حصة العلوم في المدرسة أن كل لونين إذا خلطناهما معًا، أعطيانا لونًا ثالثًا مختلفًا تمامًا، فماذا إن خلطنا الأبيض بالأسود؟
بالتأكيد يعطينا لونًا رماديًا.
إذًا، إذا كنت من أولئك الذين يفكرون بطريقة الأبيض والأسود، جرب أن تفكر بشكل جديد، فكر بالرمادي.
فتلك الطريقة الجديدة في التفكير تجعلك أكثر تفاؤلًا، وأكثر قبولًا وإقبالًا على الحياة، وأقل إصدارًا للأحكام القاسية، وإليك بعض الطرق التي من الممكن أن تصنع فارقًا معك في تلك التجربة وتجعلك رماديًا أكثر.
- 1- ضع بدائل: فالتفكير بمنطلق الكل أو اللاشيء يجعلك تفكر في خيارين فقط ليس إلا، جرب أن تضع قائمة بالعديد من الخيارات، واختر منهم أنسب ثلاثة بدائل.
- 2- لا تحكم على ذاتك إذا أخفقت: فليس من المنصف أن تجعل أدائك حكمًا على تصرفاتك وشخصيتك، فإخفاقك مرةً لا يعني أنك فاشلٌ مطلقًا.
- 3- ذكّر نفسك: إذا وجدتها تسيطر عليك، ذكّر نفسك بأن هنالك خيارات عدة لم تنظر فيها بعد، وتستطيع أن تختار فيما بينها.
- 4- اسأل، يزداد إدراكك: تمنعك طريقة التفكير تلك من رؤية الأمور من منظور شخصٍ آخر، جرب أن تطرح الأسئلة حتى تفهم منظور مُحدِّثك وتصل لوجهة نظره.
- 5- لا تفكر بمثالية: عليك أن تقتنع بأنك إنسان، من حقك أن تكون على صواب، ولا ضرار في أن تكون على خطأ، وأن المثالية صعبة المنال.
كل ذلك بدوره أن يساعدك على تغيير طريقة تفكيرك، ويساعدك على تقبل الاحتمالات الأخرى، ولكن إن وجدت التفكير باحتمالين فقط، فإن ذلك يؤثر على صحتك ومزاجك وعملك؛ فعليك إذًا باستشارة طبيبٍ أو متخصصٍ باستطاعته أن يساعدك في تلك الحالة بتغيير طريقة تفكيرك تدريجيًا.
وأخبرني إذا ما صنع ذلك المقال فارقًا معك، أو وسّع مداركك لأفقٍ مليئةٍ بالاحتمالات.
كتابة: أميرة يحيى
مراجعة: حماس عبد الغفار
تحرير: عمر ياسر