ألم يُخبرك أحدهم أن بكتيريا الأمعاء تُنتج الكهرباء؟
لعلك سمعت من قبل عن البكتيريا التي تُنتج كهرباء، والتي تُوجد في البيئات الغريبة مثلَ: المناجم وقيعان البحيرات، وبينما كان تركيزُ العلماء على هذه البكتيريا المتواجدة في هذه الأماكن فقط، فقد غاب العلماء عن مصدر أقرب، ألا وهو الأمعاء البشرية!
فقد اكتشف علماء جامعة كاليفورنيا أن هُناكَ بكتيريا شائعة مُسببة للإسهال تُسمى”Listeria monocytogenes”، وهي تُنتج الكهرباء باستخدام آلية مختلفة تمامًا عن الآلية التي تستخدمها البكتيريا الكهربية المعروفة، كما أنهم قد كشفوا عن المئات من الأنواع البكتيرية الأُخرى التي تُستخدم هذه الآلية أيضًا في توليد الكهرباء. وهُناك الكثير من هذه البكتيريا من ميكروبات الأمعاء البشرية مثل: البق الذي يُسبب مرض الليستريوسيا “listeriosis”، وهو داءٌ ينتقلُ عن طريقِ الغذاء، وخُطورته قد تُسبب الإجهاض. وأيضًا البكتيريا التي تُسبب الغرغرينا (Clostridium perfringens) والتهابات العدوى من المستشفيات(Enterococcus faecalis). وبعض البكتيريا المُسببة للأمراض تُنتج أيضًا الكهرباء، وهناك بكتيريا “Lactobacilli” وهي مهمةٌ في تخميرِ اللبن، والبروبيوتيك “probiotics” وهي الكائنات الدقيقة التي تجلب فوائدَ عدة عند استهلاكها.
إن حقيقة أن العديدَ من أنواع البق الذي يتفاعلُ مع البشر سواء كمسببٍ للمرض في البروبايوتك أو تُشارك في تخمير المنتجات البشرية، فهي بالنهاية كائنات مولدة للكهرباء ولم يَسبق لها مثيل، وهذا يُمكن أن يخبرنا الكثير عن كيفية إصابة هذه البكتيريا لنا أو يُساعدنا في الحصولِ على أمعاء صحية. وسَيُساهم هذا الاكتشاف في توليد الكهرباء من البكتيريا الموجودة في محطات معالجة النفايات.
وقد تتعجب عندما أُخبرك أن توليد هذه البكتيريا للكهرباء، يُساوي في الأهمية تنفس الأكسجين بالنسبة للكائنات الحية؛ حيث أن ذلك يُساعد البكتيريا في إزالة الإلكترونات المنتجة أثناء الأيض، ويُعزز من إنتاج الطاقة، وفي حين أن الحيوانات والنباتات تنقل إلكتروناتَها إلى الأكسجين داخل الميتوكوندريا في كل خلية، فإن البكتيريا في البيئات التي لا تحتوي على أكسجين -بما في ذلك أمعاؤنا وأوعية تخمير الكحول والجبن- يجب أن تجد مستقبلًا إلكترونيًا آخر، وفي البيئات الجيولوجية كانت البكتيريا تتنفس على المنجنيز أو الحديد.
يتطلب نقل الإلكترونات من الخلية إلى معدن سلسلةً من التفاعلات الكيميائية الخاصة، وتُسمى سلسلة نقل إلكترون خارج الخلية والتي تحمل الإلكترونات في صورة تيار كهربائي صغير. وقد استغل بعض العلماء هذه السلسلة لصُنع بطارية، حيث يتم توصيل قطب كهربائي بهذه البكتيريا وبذلك يُمكنك توليد الكهرباء.
ويُعد نظام نقل الإلكترون خارج الخلية المكتشَف حديثًا أبسط من سلسلة النقل المعروفة، ويبدو أنه يُستخدم من قِبل البكتيريا عند الضرورة فقط، ربما عندما تكون مستويات الأكسجين منخفضة. وحتى الآن، تم العثور على سلسلة نقل الإلكترون الأبسط هذه في البكتيريا ذات جدار الخلية الواحدة، وهي الميكروبات المصنفة كبكتيريا الموجبة لصبغة الجرام، والتي تعيش في بيئة بها الكثير من الفلافين، وهي مشتقات من فيتامين B2. ويبدو أن بنية الخلية لهذه البكتيريا والمكان البيئي الغني بالفيتامينات الذي تعيش فيه يجعل نقل الإلكترونات من الخلية من حيث التكلفة هو الأسهل والأكثر فعالية.
لقد تعاونت منظمة لايت”Light” مع كارولين فرانكلين “Caroline Ajo-Franklin” من مختبر لورنس بيركلي الوطني “Lawrence Berkeley National Laboratory” الذي يستكشف التفاعلات بين الميكروبات الحية والمواد غير العضوية للتطبيقات المُمكنة في حبس الكربون وعزله وتوليد الطاقة الشمسية الحيوية.
وقد قامت باستخدام قطب كهربائي لقياس التيار الكهربائي الذي تُولده البكتيريا حتى تصلَ شدتُه إلى 500 ميكرو أمبير، وهذا يُؤكد حقيقة أنه كهربائيٌ. ليس ذلك فقط، بل أنها أيضًا تستطيع أن تُولد قدرًا كبيرًا من الكهرباء، يصل إلى حوالي 100000 إلكترونٍ في الثانية الواحدة لكل خلية، وتُعرف هذه البكتيريا بالـ “electrogenic bacteria”.
وقد انبهرَ الباحثون بهذا النظام خصوصًا في بكتيريا الـ”Lactobacillus”، وهي تلك البكتيريا التي تلعب دورًا بارزًا في إنتاج الجبن واللبن الرائب وغيرها من منتجات الألبان والمخلل، بل هناك بعض من الباحثين يقترحون أن عملية النقل الإلكتروني هذه لها دورًا في طعم الجبن والمخلل. فهذا جزءٌ كبيرٌ من فسيولوجيا البكتيريا التي لم يدرك الناس وجودها ويُمكن التلاعب بها لصالح احتياجاتنا.
لكن يبقى السؤال، كيف ولماذا طورت هذه البكتيريا مثلَ هذا النظام الفريد؟
الإجابة ببساطة هي أنه من السهل نقل الإلكترونات عبرَ جدارِ خلية واحدة بدلًا من اثنين، وبالتالي فإن الاستفادةَ من جزيئاتِ الفلافين التي تُساهم في التخلص من الإلكترونات قد مكنت هذه البكتيريا من إيجاد طريقة للبقاء في بيئات الأكسجين الغنية والفقيرة.
كتابة: آلاء عمارة
مراجعة: آية محمد
تصميم:نهى عبدالمحسن
تحرير: هدير رمضان