المعرفة الذاتية
أنا منافق؟
ربما يتطلب هذا الموضوع قدرًا كبيرًا من التركيز، فإن طرحت عليك السؤال التالي:
هل تعتقد أنك تعرف أفكارك وقناعاتك معرفة جيدة وقوية؟ هل تثق في أنك تعتقد فعلا هذا الاعتقاد أو ذاك؟ هذا التساؤل ليس عن ما تعتقده: هل هو صحيح أم خاطئ، السؤال عنك أنت. هل أنت تعرف ماذا تعتقد؟ أم أنك مخدوع في تلك المعرفة أو تتوهمها؟
لا تظن أن الإجابة بتلك البساطة: “نعم أنا أعرف ماذا أعتقد بالظبط، ولست موهومًا بأنني أعرف كل قناعاتي معرفة جيدة”.
بإيجاز شديد توجد وجهتي نظر في تلك المسألة، الأولى: تقول أنك لا تستطيع تحديد ما إذا كنت تعتقد هذا الاعتقاد فعلا أيا ما كان أم لا، والدليل على ذلك هو الفجوة أو التناقض بين “ما تقول” و”ما تفعل”، فإذا كنت حقا تعرف ما تعتقده فمن الضروري أن يأتي سلوكك مطابقا لما تعتقد ولكن في الغالب هذا لا يَحدُث.
لكن يا تُرَى ما سبب ذلك التناقض بين الأفكار أو الكلمات وبين السلوك؟
يعتقد أصحاب تلك النظرية أننا لا نستطيع معرفة عقولنا (أفكارنا) الخاصة بوضوح لإننا نتعامل مع ذواتنا كما نتعامل مع عقول الآخرين، نراقب أو نلاحظ سلوكياتهم فنحللها ومن ثم نحكم على أفكارهم وقناعاتهم الخاصة وربما نتوقع منهم سلوكًا معينًا بناءًا على ما استنتجناه، ولكن ربما لا يَحدُث ما نتوقعه، فنكتشف حينها أننا لم نعرف حقا عقل الآخر كما كنا (نظن).
وعقلك أيضا يتعامل بنفس الطريقة مع ذاتك وسلوكياتك الخاصة، فدائما هناك قراءة عقلية وحديث نفس داخلي وتحليلات وتصورات وتفسيرات ذاتية -ربما تكون غير واعية- وبالتالي فإن قراراتك وسلوكياتك التي تتعارض مع قناعاتك الشخصية تَحدُث بناءًا على ما يتم داخلك من أحاديث وتصورات غير واعية وليست بناءًا على ما تعتقده أو تصرح به.
وبناءًا على ذلك يدَّعي أصحاب هذا الاتجاه أنه من الممكن أن يكون شخص ما غير منافق رغم تناقض تصريحاته وقراراته مع أفعاله، أو هو منافق غير واعٍ!
وعلى عكس ذلك تُوجَد وجهة النظر الأخرى في مسألة المعرفة الذاتية (أو معرفة قناعتنا الحقيقية)، تقول بأن الإنسان كما يمكنه فهم سلوك الآخرين وتحليله والتنبؤ به يمكنه فهم سلوكه ومراقبته وتحليله ومعرفته معرفة حقيقية، وهنا نجد أن فلاسفة الأخلاق يميلون لهذا الاتجاه لإنه ليس من المعقول التسليم بأننا نتخذ قرارتنا ونتصرف بشكل غير واعٍ لما في ذلك من عبث بمفهوم الأخلاق وقيمتها، فيرى أصحاب هذا الاتجاه أن وجود المعرفة يعني وجود الوعي، فتحقق المعرفة بالذات يكون ممكنًا، وحدوث التصورات والقراءات الداخلية والتفسيرات الذاتية يعني حدوث (وعي)، فكل تلك الممارسات الداخلية هي المكونات الرئيسية للوعي بالذات وبالآخرين أيضا.
ولكن هل هذا الوعي كافٍ للنفاذ إلى عقول الآخرين والحكم على سلوكهم والتنبؤ به؟ وهل تلك القراءات العقلية لسلوكنا الخاص وتفسيرنا الذاتي كافية لمعرفة ما نعتقده حقا؟ أم أن كل منا يحتاج إلى بعض الملاحظات خارجية؟
الخلاصة:
رغم أنه يصعب علينا أحيانا فهم أفكار الآخرين بشكل واضح ومؤكد أو النفاذ لعقولهم والتنبؤ بسلوكهم، فكذلك معرفتنا بأنفسنا تحتاج لكثير من الوعي الصادق والموضوعية الشديدة، إلا أنه في جميع الأحوال علينا الاجتهاد في السعي لمعرفة ذاتنا أكثر من معرفة الآخرين لإن معرفتنا الحقيقية بأنفسنا هي بوابة رئيسية لمعرفة العالم.
كتابة: ايات أحمد
تصميم: أمنية عبدالفتّاح
تحرير: إسلام حمدي