الثورة الفرنسية | الثورة التي غيَّرت العالم
الثورة الفرنسية | الثورة التي غيَّرت العالم
الحركة الثورية التي هزت فرنسا بين عامي (1787-1799م)، وبلغت ذروتها عام 1789م، وكانت الأكثر عنفًا وأهمية على مستوى العالم.
سنتعرف في السطور القادمة على مقدمات الثورة الفرنسية، أسبابها، مراحلها، أهم مكتسباتها، وكيف انتهت.
مقدمات الثورة الفرنسية
تَغيَّرت البنية الاجتماعية في أوروبا، وضعف النظام الإقطاعي تدريجيًا، مع ظهور نخبة جديدة من الأثرياء من الحرفيين والتجار -أطلق عليهم البرجوازيون- طمعت في السلطة السياسية.
رغبة الفلاحين في التَخلُّص من بواقي الإقطاع، والحصول على كامل حقوقهم في تَملُّك الأراضي، وذلك بعد ارتفاع مستوى تعليمهم ومعيشتهم.
زيادة عدد السكان وارتفاع مستوى معيشتهم، أدَّى إلى زيادة الطلب على السلع الغذائية والاستهلاكية، الأزمات الاقتصادية، بسبب ارتفاع الأسعار بعد اكتشاف مناجم الذهب في البرازيل 1730م.
التَأثُّر بفلاسفة القرن السابع عشر (رينيه ديكارت، بنديكت دي سبينوزا، جون لوك)، وأفكارهم الداعية إلى الإصلاح الاجتماعي.
باتت الثورة ضرورية لتطبيق أفكار التنوير التي بدأت في الظهور على يد مونتسكيو، وفولتير، أو جان جاك روسو الذي أُطلِق عليه “فيلسوف الثورة الفرنسية”.
اضطرابات عام 1788م
اندلعت الاضطرابات بين السكان، واضطر الملك لويس السادس عشر لتقديم بعض التنازُلات، وأعاد تعيين جاك نيكر -المعروف بفكره الإصلاحي- وزيرًا للمالية.
ومنح مَزيدًا من الحرية للصحافة العملية، ووعد بإصلاح بناء الدولة، وأجرى انتخابات سادها المزيد من الاضطرابات.
امتدت هذه الاضطرابات إلى المجلس المنتخَب الذي تَكوَّن مناصفة بين رجال الدين والنبلاء من ناحية، وبين العامة أو السلطة الثالثة من ناحية أخرى.
وأطلق نواب السلطة الثالثة على أنفسهم “الجمعية الوطنية”، وانضم إليهم بعض القساوسة، وطالبوا بدستور جديد.
استسلم الملك لطلب الجمعية الوطنية، ولكنه أدار المُؤامرات مع الطبقة الأرستقراطية لحل الجمعية، وجمع القوات حول باريس، كما عزل جاك نيكر.
ذروة الثورة 1789
ازدادت الأزمات وقَلَّت الإمدادات الغذائية، وأصاب الذعر الفلاحين وثارت الحشود، واتجهوا إلى سجن الباستيل الذي كان رمزًا للظلم والطغيان، واستولوا عليه.
أذعن الملك لطلبات الثوار، واعترف بسيادة الشعب، لكن الحشود مضت في ثورتها.
وأعلنت الجمعية الوطنية إلغاء نظام الإقطاع، وقدَّمت إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي أعلنت فيه الحرية والمساواة، وحرمة الممتلكات، والحق في مقاومة القمع.
بعد هروب العائلة المالكة إلى فرساي، تَحرَّك إليها الثوار وأعادوهم إلى باريس مرة أخرى للمُحاكمة، وبعد المُحاكمة عملت الجمعية الوطنية على الدستور الجديد.
النظام الجديد
شارك الشعب الفرنسي بنشاط في الثقافة السياسية الجديدة، وأُصدِرَت العشرات من الصحف للاطلاع على الأحداث، وكثرت النوادي السياسية للتعبير عن الرأي.
مكتسبات الثورة الفرنسية
- أكملت الجمعية التأسيسية الوطنية إلغاء الإقطاع، وأممت أراضي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وأعادت توزيع الأراضي على الفلاحين وعمال المزارع بسندات بيع.
- المُساواة المدنية، والحق في التصويت والترشح للانتخابات.
- إصدار العملة الثورية.
- إعادة تنظيم الكنيسة، ووضع قانون مدني لرجال الدين.
- تقسيم فرنسا إلى محافظات ومقاطعات، تديرها مجالس مُنتخبة.
حاولت الجمعية التأسيسية الوطنية تأسيس نظام مَلَكي، تكون فيه السلطات التشريعية والتنفيذية مشتركة بين الملك والجمعية، لكن الملك كان ضعيفًا وأسير مستشاريه الأرستقراطيين -النخبة الحاكمة-، وحاول الفِرار من البلاد، لكنه أُوقِف في فارين، وأُعيد إلى باريس.
الحرب بين فرنسا والنمسا (1792م)
أعلنت فرنسا الحرب على النمسا، للقضاء على بعض الحركات الثورية على الحدود، ودعم الملك الحرب على أمل أن تؤدي إما إلى تعزيز سلطته أو السماح للجيوش الأجنبية بإنقاذه.
ومرت الحرب بأربع مراحل:
المرحلة الأولى (أبريل – سبتمبر 1792)
انضمت بروسيا إلى النمسا في الحرب ضد فرنسا، وتلقَّت فرنسا الهزائم، مما دفع الثوار للتحرُّك مرة أخرى. إيمانًا منهم بخيانة العائلة المالكة -لاسيّما الملكة النمساوية المنشأ “ماري أنطوانيت”-، فاحتلوا قصر تويليري حيث يعيش لويس السادس عشر، وسجنوا العائلة المالكة في المعبد.
ثم اقتحم الثوار السجون وقتلوا النبلاء ورجال الدين المُحتجَزين بها؛ للقضاء على آخر رجال النظام الملكي، وزاد المُتطوعون في الجيش مع إيقاظ القومية الفرنسية مرة أخرى.
وأُسِسَت جمعية جديدة هي “المؤتمر الوطني”، التي أعلنت إلغاء النظام الملكي وإنشاء الجمهورية في الواحد والعشرين من سبتمبر/أيلول من عام 1792م.
المرحلة الثانية (سبتمبر 1792م- أبريل 1793م)
استعادت فرنسا تَقدُّمها في الحرب، وكانت جيوش فرنسية تحتل بلجيكا، إقليم راينلاند، سافوي، ونيس.
وحكمت المحكمة على لويس السادس عشر بالإعدام بتهمة الخيانة، ثم أُعدِم في 21 يناير 1793م، أما ماري أنطوانيت فقد أُعدِمت بالمقصلة بعد تسعة أشهر.
المرحلة الثالثة 1793
شكَّلت النمسا وبروسيا وبريطانيا العظمى ائتلافاً سُمِّي “التحالف الأول”، وانضم له أغلب حكام أوروبا، وتلقَّت فرنسا الهزائم مرة أخرى وفقدت بلجيكا وهينلاند، ووصل الغزاة إلى باريس.
استولى زعماء المُؤتمر الوطني على الحكومة، وأجروا إصلاحات عديدة، وتبنوا سياسات اجتماعية واقتصادية من أجل تلبية متطلبات الدفاع.
إذ فرضوا رقابة حكومية على الأسعار، وفرضوا الضرائب على الأثرياء، وجلبوا المساعدات الوطنية إلى الفقراء والمعوّقين، وأعلنوا أن التعليم لابد أن يكون مجانيًا وإلزاميًا، وأمروا بمصادرة وبيع ممتلكات المهاجرين.
كما اعتقلوا ما لا يقل عن 300 ألف مُشتبه فيهم، حكم على 17 ألف منهم بالإعدام، بينما مات أكثرهم في السجون أو قتلوا دون أي محاكمة، وفي الوقت نفسه، جمعت الحكومة الثورية جيشًا من أكثر من مليون رجلًا.
المرحلة الرابعة 1794
تمكَّن الفرنسيون من احتلال بلجيكا مرة أخرى بعد انتصارهم على النمساويين، وبعد انتصار المؤتمر الوطني في الحرب، أُلغِيت القيود الاقتصادية والاجتماعية، وتخلَّى زعماؤه عن جهود تحقيق المساواة الاقتصادية.
بدأ المُؤتمر الوطني في مناقشة دستور جديد (دستور السنة الثالثة)، وفي الوقت نفسه اندلعت الثورة المضادة، فيما عُرِف بـ “الإرهاب الأبيض الملكي” في الغرب والجنوب الشرقي.
وحاول الملكيون الاستيلاء على السلطة في باريس، ولكنهم سحِقوا بواسطة الجنرال الشاب نابليون بونابرت في (5 أكتوبر 1795م)، وبعد بضعة أيام تفرَّق المُؤتمر الوطني.
حكومة المديرين والتَوسُّع الثوري
كانت السلطة التنفيذية في دستور السنة الثالثة تتألف من حكومة مدراء من خمسة أعضاء، والسلطة التشريعية من مجلسين هما: مجلس النواب، ومجلس المئة.
ولعل هذا النظام (الجمهورية البرجوازية) كان ليستمر، لولا النزاعات بين أركانه، والانقلابات العسكرية بين الحين والآخر. إلى أن جاء نابليون بونابرت في (9 نوفمبر 1799م) وألغى هذا النظام، وأعلن نفسه زعيمًا لفرنسا باعتباره القنصل الأول.
واستمر تَقدُّم الجيوش الفرنسية في أوروبا، فاحتلت راينلاند وهولندا، وفي عام 1795 كانت هولندا، توسكاني، بروسيا، أسبانيا وسردينيا تتفاوض من أجل السلام.
ومع تولِّي بونابارت قيادة الجيش، استمر في التَوسُّع ودخل إيطاليا 1796م، ثم بدأ مفاوضات السلام، وانضمت النمسا إليها، وأبرم معاهدة كامبو فورميو 1797م.
وأُطلِق على أغلب البلدان التي احتلها الفرنسيون “جمهوريات شقيقة”، فضلًا عن إنشاء مؤسسات بها على غرار مؤسسات فرنسا الثورية.
ولكن السلام في قارة أوروبا لم ينه التَوسع الثوري، فقد دخلت القوات الفرنسية إلى سويسرا، الدول البابوية، ونابولي، ثم أنشأت الجمهوريات الهلفانية، الرومانية، والبارثينوبانية، ولكن بريطانيا العظمى ظلت في حالة حرب مع فرنسا.
وقررت حكومة المديرين بطلب من نابليون غزو مصر ومالطا؛ لتهديد الوجود البريطاني في الهند، واحتلتها بكل سهولة بمُساعدة القوات البحرية.
نهاية الثورة الفرنسية
وفي النهاية، دُمِّر الأسطول الفرنسي على يد أسطول الحرية نيلسون في معركة النيل في (أغسطس 1798م)، وبعد هزيمة فرنسا تَشكَّل تحالف للقوى المعادية لها، وهي:
النمسا، روسيا، تركيا، وبريطانيا العظمى، وحقق هذا التحالف نجاحًا عظيمًا على فرنسا عام 1799، وعاد بونابرت بالجيوش الفرنسية إلى موطنها، وقد أُنهِيَت أحلام تَوسُع الثورة الفرنسية.
كتابة: نهال المغربي
مراجعة: آية ياسر
تدقيق لغوي: أسماء مالك