الفيزياء والفلك

كثرة ثاني أكسيد الكربون، وبرودة المريخ!

إن التركيزات الصغيرة من ثاني أكسيد الكربون قادرة على الاحتفاظ بدرجة حرارة كافية لإحداث تأثير الاحتباس الحراري العالمي على الأرض، فلماذا يكون كوكب المريخ باردًا، على الرغم من أن الغلاف الجوي للمريخ يتكون من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 95%؟

المكونات المؤثرة بدرجة حرارة سطح الكوكب أربعة مكونات رئيسية: التركيب الجوي، الكثافة الجوية، محتوى الماء (من المحيطات والأنهار ورطوبة الهواء)، والمسافة من الشمس. وهناك مكونات أخرى تشمل التأثيرات الموسمية ووجود المجال المغناطيسي، ولكن هذه العناصر تعمل بشكل أكبر مثل إضافة نكهة إلى الكعكة.

وعندما ننظر إلى كوكب الأرض، فإن توازن هذه المكونات يجعل كوكبنا صالحًا للسكن، ويمكن أن تؤدي التغييرات في هذا التوازن إلى تأثيرات يمكن الشعور بها على نطاق الكواكب. هذا هو بالضبط ما يحدث مع زيادة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي لكوكبنا، فإن زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون (CO₂)، والميثان (CH4)، وسداسي فلوريد الكبريت (SF6) والغازات الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي تؤدي إلى رفع درجة حرارة سطح كوكبنا تدريجيًا، وستواصل القيام بذلك لسنوات عديدة قادمة. ونتيجة لذلك، يبدأ ذوبان الجليد في الأماكن المغطاة، ويصبح هذا الطقس الشديد الظواهر يشكل تحديًا متزايدًا بالنسبة لنا للتكيف مع هذا الواقع الجديد.

منذ الخمسينيات من القرن الماضي، كان من المفاجيء أن ندرك كم هو قليل تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والغازات الدفيئة الأخرى، وأن التغير البسيط فيه -عندما رفعنا مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة مئوية بسيطة- قد تسبب في حدوث مثل هذا التحول في المناخ. يمثل (CO₂) جزءًا صغيرًا جدًا من الغلاف الجوي للأرض، ويتم قياسه في أجزاء لكل مليون (جزء في المليون)، مما يعني أنه لكل جزيء ثاني أكسيد الكربون هناك مليون آخر. فتركيزه يمثل فقط 0.041%، ولكن حين يحدث تغير بنسبة مئوية بسيطة جدًا، فإن ذلك يؤدي إلى تغير كبير في المناخ.

يمكننا أن نعلم كيف كان جو الأرض والمناخ في الماضي البعيد من خلال تحليل فقاعات الهواء القديمة التى وُجدت في الجليد، خلال العصور الجليدية للأرض. كانت نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون حوالي 200 جزء في المليون خلال الفترات الجليدية الدافئة، تحوم حول 280 جزء في المليون. ولكن منذ الخمسينيات، استمرت في الارتفاع بسرعة كبيرة. وبحلول عام 2013، تجاوزت مستويات CO2 400 جزء في المليون. ولأول مرة في التاريخ المسجل، يمثل هذا الارتفاع مضاعفة التركيز تقريبًا.

الماء عنصر مهم على سطح الأرض؛ حيث يجعل درجة الحرارة تتحرك ببطء، لهذا السبب لا تتغير درجات الحرارة في الغابات الاستوائية المطيرة كثيرًا. لكن الصحراء باردة في الليل، مع أن الأرض غنية بالماء.

دعونا نلقي نظرة على كواكبنا الصلبة: عطارد هو الكوكب الأقرب إلى الشمس، لكنه يتمتع بجو رقيق للغاية، لذا فهو ليس الأكثر حرارة. كوكب الزهرة حار جدًا؛ فالغلاف الجوي غني بثاني أكسيد الكربون (أكثر من 96٪)، وهو شديد الكثافة. الغلاف الجوي للمريخ غني أيضًا بثاني أكسيد الكربون (أعلى من 96٪)، لكنه رقيق جدًا (1٪ من الغلاف الجوي للأرض)، جاف جدًا، ويقع بعيدًا عن الشمس.

هذا المزيج يجعل الكوكب مكانًا باردًا بشكل لا يصدق، فغياب الماء يجعل درجة حرارة المريخ تتغير كثيرًا. شهدت أنظمة أجهزة استكشاف المريخ درجات حرارة تتراوح من بضع درجات مئوية فوق الصفر إلى ناقص 80 درجة في الليل، وهذا يحدث كل يوم على سطح المريخ.

أحد التحديات المثيرة التي نواجهها أثناء بناء حمولات الفضاء، مثلما نفعل في جامعة (جريفيث)، هو بناء أدوات يمكنها تحمل مثل هذا النطاق الواسع من درجات الحرارة. وهذه هي فكرة أنه يمكن أن نسافر إلى كوكب مع جو غير قابل للتنفس، وإصلاحه باستخدام نوع من الآلات لتصفية الغازات السيئة وإطلاق غازات جيدة -نحتاج إلى الإبقاء عليها بالمقدار الصحيح- وهذا موضوع يتكرر في العديد من أفلام الخيال العلمي، ونأمل أن نتمكن من إصلاح جونا على الأرض، وتقليل سخونة كوكبنا.

 

المصدر

 

كتابة: هدير أحمد

مراجعة: محمد عبد المعين

تحرير: زياد محمد

تصميم: عاصم عبد المجيد

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى