الفيزياء والفلك

ميكانيكا الكم ومبادئها الثلاثة

نقلًا عن المسرح الذى مُثلت فيه تجربة قطة شرودنجر لتلفت انتباهنا عن ميكانيكا الكم حيث كان القرن العشرين هو البداية لما يسمى بعلم ميكانيكا الكم، الذي ارتكز في قيامه على عاملين أساسيين: الأول هو مبدأ عدم التأكد ل(هايزنبرج)، والثاني هو ازدواجية الموجة والجسيم. ولأن منطقية وحتمية العقل لا تقبلان مثل هذه الاحتمالات حيث أن أعقد تفكير لنا قائم في أساسه على مبدأ (يوجد أو لا يوجد) ولم يكن لعقولنا رفاهية تخيل (يوجد ولا يوجد)، فقد قام العالم النمساوي (إروين شرودنجر) بمجرد تجربة نظرية لتوضيح ما هي أسس ومن ثم استنتاجات علم ميكانيكا الكم.
والآن ننتقل أيضًا بجولة توضيحية لشرح إسهامات العلماء جميعًا في تعريف ووضع أسس ميكانيكا الكم.

ميكانيكا الكم هو فرع الفيزياء الذي بدأ فيها النقاش مطلع القرن العشرين وهي تهتم بدراسة وتفسير الظواهر على مستوى الذرة والجسيمات دون الذرية، وقد دمجت بين الخاصية الجسيمية والخاصية الموجية ليظهر مصطلح ازدواجية الموجة والجسيم. ففي الماضي القديم كانت تُسمى الفيزياء بالفيزياء الكلاسيكية وهي التي تهدف لوصف كيفية تحرُك الأشياء في أحجام وسرعات يومية. ولقد تطورت ميكانيكا الكم على مدى عقود عديدة فمنشأها كان عبارة عن مجموعة من التفسيرات الرياضية المثيرة للجدل للتجارب التي لم تفسرها الميكانيكا الكلاسيكية.

والمثير أكثر للجدل أن وقت بدء النقاشات حول ميكانيكا الكم هو ذلك نفس الوقت تقريبًا الذي نشر فيه ألبرت أينشتاين نظريته في النسبية وهي ثورة رياضية منفصلة في الفيزياء تصف حركة الأشياء بسرعات عالية على عكس النسبية. ومع ذلك، لا يُمكن أن يُعزى أصول ميكانيكا الكم إلى أي عالم واحد. ساهم علماء متعددين في تأسيس ثلاثة مبادئ اكتسبت تدريجيًا قبولًا وتحققًا تجريبيًا بين عامي 1900 و1930، وهذه المبادئ يمكن توضيحها كالتالي:-

(1) الخصائص الكمية: يمكن أن تُمثل بعض الخصائص، مثل الموقع والسرعة واللون تحديًا. هذا الافتراض الأساسي للميكانيكا الكلاسيكية والتي قالت إن مثل هذه الخصائص يجب أن تُوجد على طيف سلس ومستمر، ومن هنا صاغ العلماء مصطلح كمية. في عام 1900، سعى الفيزيائي الألماني “ماكس بلانك” لشرح توزيع أطياف الألوان المنبعثة عن توهج الأجسام الحمراء الساخنة والبيضاء الساخنة مثل خيوط المصباح الكهربائي. وكان هناك تداخل في بعض الألوان مكونة طيفًا غير مستمر، وكان هذا غير متوقع لأنه كان من المفهوم أن الضوء يعمل كموجة وهذا يعني أن مجموعة اللون يجب أن تُكوّن طيفًا مستمرًا. وتضمنت معادلة “بلانك” أيضًا رقمًا أصبح الآن مهمًا جدًا ويُعرف بثابت “بلانك”.

وساعدت النظرية الكمية في شرح أسرار أخرى من الفيزياء ففي عام 1907، استخدم “أينشتاين” فرضية “بلانك” للنظرية الكمية كدليل لشرح التغيرات الطارئة على درجة حرارة مادة صلبة بكميات مختلفة إذا سُلطت نفس كمية الحرارة على المادة ولكن مع تغيير درجة حرارة الابتدائية. ومنذ أوائل القرن التاسع عشر، أظهر علم التحليل الطيفي أن عناصر مختلفة تنبعث من المادة وتستوعب ألوانًا محددة من الضوء تسمى خطوط طيفية. وفي عام 1888، استمدت معادلة “يوهانس ريدبيرج” وصف الخطوط الطيفية المنبعثة من الهيدروجين، على الرغم من أنه لا أحد يستطيع تفسير سبب نجاح المعادلة.

وتغير هذا في عام 1913، عندما طبق “نيلز بور” فرضية “بلانك “عن النظرية الكمية للنموذج الذي وضعه “إرنست رذرفورد” عام1911 في الذرة، والذي افترض أن الإلكترونات كانت تدور حول النواة بنفس الطريقة التي تدور بها الكواكب حول الشمس. واقترح “بور” أن الإلكترونات كانت مقتصرة على المدارات “الخاصة” حول نواة الذرة ولكن الإلكترونات بإمكانها القفز بين المدارات الخاصة، مما يتسبب عنه طاقة ناتجة من ألوان محددة من الضوء، والتي تلاحظ كخطوط طيفية.

2)) جسيمات الضوء: يمكن للضوء أن يتصرف في بعض الأحيان كجسيم. وقد قوبل هذا في البداية بنقد شديد لأنه يتناقض مع 200 عام من التجارب التي أظهرت أن الضوء يتصرف كموجة. مثل الكثير من تموجات على سطح بحيرة هادئة وبأن القمم والقيعان من الموجة يمكن أن تُضاف أو تُلغي أي قد يكون التداخل بنّاءً أو هدّامًا والقمم الموجية المضافة تؤدي إلى ضوء أكثر إشراقًا إذا كان التداخل بناءً، في حين أن الموجات التي تلغي الخروج وتنتج الظلام يكون فيها التداخل هدامًا. وفي عام 1905، نشر” أينشتاين” بحثًا يتعلق بنقطة نظر استكشافية نحو الانبعاث وتحويل الضوء، حيث تصور الضوء تصورًا خفيفًا ليس كموجة، ولكن ككمات من الطاقة. وهذه الحزمة من الطاقة، اقترح “آينشتاين” أنه يمكن استيعابها أو توليدها على وجه التحديد عندما تقفز إلكترونات الذرة بين معدلات الاهتزاز الكمي، أي من مدار الى مدار آخر، نتيجة اثارتها. ويفسر أيضًا هذا النموذج الذي احتوى موطن الطاقة “لآينشتاين” مدى لون الضوء الذي تحمله تلك الكميات. وهذا يعتمد على فرق الطاقة في القفزة أي فرق الطاقة بين المدارين ويُحدد فرق الطاقة عندما يُقسم على ثابت “بلانك” لون الضوء الذي تحمله تلك الكمّات.

وبهذه الطريقة الجديدة لتصور الضوء، قدم “أينشتاين” نظرة ثاقبة على سلوك تسع ظواهر مختلفة، بما في ذلك الألوان المحددة التي وصفها “بلانك” عند انبعاثها من خيوط المصباح الكهربائي. كما أوضحت كيف يُمكن لألوان معينة من الضوء إخراج الإلكترونات من الأسطح المعدنية، وهي ظاهرة تعرف باسم “التأثير الكهروضوئي”. ومع ذلك، لم يقدم “أينشتاين” مبررًا واضحًا في تحقيق هذه القفزة، كما قال “ستيفن كلاسين” – الأستاذ المشارك في الفيزياء بجامعة “وينيبيج”- في ورقة بحثية عام 2008 والتي وضع فيها تعريفًا للتاثير الكهروضوئي. بالإضافة إلى أن “كلاسين” نصَّ على أن كمات أينشتاين في الطاقة ليست ضرورية لتفسير كل تلك الظواهر التسع بالإضافة إلى أن بعض المعالجات الرياضية للضوء كموجة لا تزال قادرة على وصف كل من الألوان المحددة التي وصفها “بلانك” بانبعاثها من خيوط المصباح الكهربائي.

وبعد ما يقرُب من عقدين من دراسات “أينشتاين”، كان مصطلح “الفوتون” شائعًا لوصف كمات الطاقة المنبعثة من الضوء وذلك بفضل عمل “آرثر كومبتون” الذي أظهر أن الضوء المتناثر عن طريق شعاع الإلكترون يتغير في اللون. مما أظهر أن جسيمات الضوء (الفوتونات) كانت تصطدم بالفعل بجزيئات المادة (الإلكترونات)، مما يُؤكد فرضية أينشتاين، فكان من الواضح أن الضوء يمكن أن يتصرف كموجة وجسيم، مما يجعل من الطبيعي وضع نظرية ازدواجية الموجة والجسيم للضوء.

(3) الطبيعة الموجية للمادة: وتفسر أن المادة يمكن أن تتصرف كموجة، جاء هذا عكس ما يقرب من 30 عامًا من التجارب التي تظهر أن المادة (مثل الإلكترونات) موجودة كجزيئات. منذ اكتشاف الإلكترون في عام 1896، كانت الأدلة على أن كل المادة موجودة في شكل جزيئات تُبنى ببطء. ومع ذلك، فإن ظاهرة ازدواجية الموجة والجسيم الخفيفة جعلت العلماء يتساءلون عمّا إذا كانت المادة محدودة بالعمل فقط كجزيئات. وربما تكون ازدواجية الموجة والجسيم صحيحة بالنسبة للمادة أيضًا وكان أول عالم يحقق تقدمًا كبيرًا مع هذا المنطق هو عالم الفيزياء الفرنسي “لويس دي براولي” حيث أنه في عام 1924، استخدم “دي براولي” معادلات نظرية أينشتاين للنسبية الخاصة لإظهار أن الجسيمات يمكن أن تُظهر خصائص تشبه الموجة، وأن الموجات يمكن أن تحمل خصائص تشبه الجسيمات.

وفي عام 1925، قام عالمان يعملان بشكل مستقل وباستخدام خطوط منفصلة من التفكير الرياضي، بتطبيق منطق “براولي” لشرح كيفية إلقاء الذرات الإلكترونات حولها (وهي ظاهرة غير قابلة للتفسير باستخدام معادلات الميكانيكا الكلاسيكية). وقام الفيزيائي السويسري “ولفجانج باولي” بإرسال نتيجة غير منشورة عن الميكانيكا المصفوفة وطور الفيزيائي النمساوي “إيروين شرودنجر” نظرية مشابهة تسمى ميكانيكا الموجة، وأظهر شرودنجر في عام 1926 أن هاتين المقاربتين متساويتان (الميكانيكا المصفوفة وميكانيكا الموجة). وإن نموذج “شرودنجر” للذرة، الذي يعمل فيه كل إلكترون كموجة يُشار إليها أحيانًا باسم سحابة حول نواة الذرة وهذا حل محل نموذج “رذرفورد وبور”. وفي نموذج “شرودنجر” للذرة أيضًا وضح أن الإلكترونات تطيع وظيفة الموجة وتحتل مدارات عليا نتيجة إثارتها غير مداراتها الأصلية.

وفي عام 1927، قام “والتر هيتلر” و”فريتز لندن” بتطوير ميكانيكا الموجات لإظهار كيف يمكن لمدارات الذرات أن تتحد لتشكل مدارات جزيئية، مما يُظهر بشكل فعال لماذا ترتبط الذرات ببعضها البعض لتشكيل جزيئات. وكانت هذه مشكلة أخرى غير قابلة للحل باستخدام الرياضيات الكلاسيكية وأدت هذه الأفكار إلى الاتجاه إلى مجال ميكانيكا الكم.

وفي عام 1927، قدم “هايزنبرج” مساهمة كبيرة أخرى في فيزياء الكم، فلقد أدرك أنه بما أن المادة تعمل كموجات، فإن بعض الخصائص مثل وضع وسرعة الإلكترون هي موجات تامة. وهذا يعني أن هناك حدًا (يرتبط بثابت بلانك) بمدى معرفة دقة كل خاصية. وأطلق عليه مبدأ عدم التأكد “لهايزنبرج”، وكان من المنطقي أن يكون تحديد موقع الإلكترون أكثر دقة وبالتالي بأقل دقة يمكن معرفة سرعته.

المصدر

 

كتابة: سارة صلاح

مراجعة: نهاد حمدي

تصميم: عبدالرحمن سعد

تحرير: أحمد عبدالستار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى