يؤكد علماء النفس على أهمية الخوف من الآخرين لدى الأطفال. لكن لماذا؟ الأباء عادةً ما يشتكون من الطفل الانطوائي الذي لا يندمج مع الآخرين بسهولة. لكن على النقيض، فإن هناك اضطرابًا يسمى “اضطراب الانخراط الاجتماعي”.
المقصود باضطراب الانخراط الاجتماعي:
الأطفال الطبيعيون لديهم حد أدنى ومعقول من الخوف من الآخرين، ويمثلون الفئة الوسطى بين الانطوائيين وشديدي الانخراط الاجتماعي (وفي تلك الحالة الأخيرة، ينطلق الطفل نحو الغرباء -بشكلٍ غير مألوف-، وسرعان ما يندمج معهم، ويثق بهم ثقةً عمياء. فالطفل في هذه الحالة ليس لديه أي تمييز بين أهله وبين الأشخاص الغرباء).
علامات اضطراب الانخراط الاجتماعي:
لابد أن يظهر في سلوك الطفل اقتراب وتفاعل (غير مألوف) مع الغرباء، وأن ينطبق عليه اثنان أو أكثر مما يلي:
1- لا يفضل أبويه على الغرباء:
الطفل العادي، حتى سن 4 سنوات، كثير اللجوء لأبويه في كل شيء. لكن في حالة الاضطراب قد يلجأ للغرباء، فلا يميز أبويه أو يفضلهما عن الغرباء، مع عدم وجود مبرر لذلك؛ فهو لا يشعر بالخوف منهما ولا يكرههما.
2- غيابٌ تامٌ لتحفظه في التعامل مع الآخرين:
يتفاعل الطفل مع الغرباء بشكلٍ اعتيادي تلقائي (غير متحفظ).
3- سلوكه لا يتماشى مع الحدود الاجتماعية والثقافية المتعارف عليها.
4- الميل الشديد للذهاب أو الخروج مع شخص غريب، أو من المعارف بدون أي تردد:
وهنا، يجب التفريق بين الطفل المصاب باضطراب (فرط الحركة ونقص الانتباه)، وبين الطفل المصاب بالانخراط الاجتماعي؛ فصاحب اضطراب فرط الحركة ربما يتجول بالمكان وينسى وجود والديه، أما الثاني فهو ليس بحاجة لضمان وجودهما؛ لأنه غير قلِق من الغرباء، ولا يفكر في التأكد من وجود أبويه.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الطفل قد يصاب بهذا الاضطراب نتيجة “التجاهل” من قبل أبويه أو القائمين على رعايته. فينتج عن ذلك شعوره بالرغبة في الانطلاق نحو الغرباء وعدم الخوف من الذهاب معهم في أي مكان.
5- يصعب على الطفل تحديد الشخص الجدير بالثقة:
الطفل العادي لديه القدرة والتصور المبدئي عن الأشخاص المريبين وغير الجديرين بالثقة، ويستطيع تحديد ذلك من مظهرهم فقط. ولكن الطفل، في حالة الاضطراب، يصعب عليه التمييز نظرًا لأنه لا يخاف الغرباء، ويرى كل الناس لطفاء وطيبين.
العوامل المسببة:
لا يحدث اضطراب الانخراط الاجتماعي بسبب ترك الطفل في الحضانة، أو أماكن الرعاية النهارية لفترةٍ طويلةٍ، أو لأن أمه وضعته في سريره حين كان يبكي؛ إنما يحدث هذا الاضطراب بسبب معاناة الطفل الحقيقية من “التجاهل والإهمال” من قِبَل أبويه، أو القائمين على رعايته (المتبني). يتعلم الأطفال -خاصةً في مرحلة الرضاعة- التعلق والارتباط بمن يقدمون لهم الرعاية، ويستجيبون لحاجاتهم اليومية باستمرار. فإن لم يكن الأبوان هما القائمان على رعاية الطفل في تلك المرحلة، قد ينتج عن ذلك -لدى معظم الأطفال وليس جميعهم- حدوث هذا الاضطراب.
كيف يمكن تجنبه وعلاجه؟
1- الإشراف المباشر من الأبوين -وخاصةً الأم- على احتياجات الطفل وتلبيتها.
2- عدم تجاهل الطفل وتركه لفتراتٍ طويلةٍ في أماكن تقديم الرعاية.
3- حرص الأبوين على حمل الطفل، وإشعاره بالرعاية والأمان خاصةً في فترة الرضاعة؛ كي يألفهما ويتعلق بهما.
وإن كان طفلك بالفعل قد أصيب باضطراب الانخراط الاجتماعي، فعليك بالبدء فورًا في تحسين مستوى رعايتك وتفاعلك معه. وإن كانت استجابته وتحسنه معك ضعيفةً، فعليك بزيارة طبيب أطفالٍ متخصصٍ في الصحة العقلية أو العلاج السلوكي؛ لأن الاضطراب لا يختفي من تلقاء نفسه أو بمرور الوقت، بل يحتاج علاجًا ومتابعة لكل من الطفل والأبوين.
كتابة: آيات أحمد
مراجعة: أميرة يحيي
تحرير: زياد محمد
تصميم: أحمد محمد