الكيمياء

لماذا نرى الأشياء ملوَّنة؟

بينما تشاهد فيلمًا سينيمائيًا من أفلام الحركة، وبينما ترى البطل في قمة تركيزه، متصبّبًا عرقًا أمام قنبلة عليه إيقافها فورًا وإلا ستكمل عدّها التنازلي وتنفجر.
البطل ممسكًا بأداة حادة وعليه قطع السلك ذي اللون الأحمر، أو ذاك ذو اللون الأصفر، أحمر أم أصفر؟.. أحمر أم أصفر؟.. ثم يعقد العزم أخيرًا على قطع أحدهما.

أيهما اختار البطل؟ وهل أتمّ مهمته بنجاح؟
بالطبع موضوعنا لا ينصبّ على هذا الأمر، بل كيف ميّز الرجل بين اللونين، وهل للمادة ألوان حقًا؟ تُرى ما هي حقيقة الألوان؟
هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

تتلون المواد بألوان مختلفة، على الرغم من أنّ الضوء الطبيعي من حولنا لا لون له.
في الحقيقة إن الضوء الأبيض أو عديم اللون الذي يحيط بنا هو نتاج مجموعة من الألوان المتداخلة مع بعضها البعض.
بالطبع جميعنا يعلم تلك المعلومة في الصغر من الكتاب المدرسي؛ فبإمرار شعاعٍ من الضوء الأبيض عبر منشور، نجد أنّ هذا الشعاع قد تحلل إلى سبعة ألوان: أحمر، برتقالي، أصفر، أخضر، أزرق، نيلي وبنفسجي.

إدراك معلومة أنّ الضوء الأبيض يتكون بالفعل من ألوان مختلفة، هي نقطة البداية التي ستوفّر إجابة على سؤالنا الأساسي: ما الشيء المسؤول عن لون المواد؟
والإجابة المفصلة عن هذا السؤال تكمن في عدة خصائص ومميزات فيزيائية وكيميائية للمادة، إليك أهم تلك الخصائص:

• الخصائص الفيزيائية

1- الامتصاص “Absorption”

المواد السائلة أو الصلبة الشفافة ستمرّر كل الضوء بجميع ألوانه المكوِّنة له دون تغيُّر، وبالتالي ستظهر المادة بلا لون.
أما المواد التي تمرّر أو تعكس جزءًا من الضوء الأبيض وتمتص الجزء الآخر فستظهر بأن لها لون، وعادةً ما تسمى الألوان التي انعكست أو نفذت عبر المادة بالألوان المكمِّلة “Complementary colors”.
الطماطم حمراء، لأن الذرات المسؤولة عن الصبغة في قشرة الطماطم تمتص الضوء من جميع الطاقات والألوان، باستثناء تلك التي تتوافق مع الأطوال الموجية للضوء الأحمر (اللون المكمّل)، فتعكسها إلى عينيك، فتظهر لك باللون الأحمر.
هناك نوعٌ من المواد التي تتكون من جزيئاتٍ لها قدرة عالية على الامتصاص الانتقائي، أي أنها تمتصُّ نوعًا محددًا من الأطوال الموجية، تسمى هذه المواد بالأصباغ “Pigments”.
وتأتي أغلب الأصباغ اللاعضوية على شكل مساحيق كريستالية الشكل، أو بودرة يتم حلَّها غالبًا في زيوت أو سوائل معينة.
لذا؛ فإن الأصباغ العضوية أكثر انتشارًا في الطبيعة، ومن أمثلتها: الهيموغلوبين ذو اللون الأحمر في الدم، والكلوروفيل ذو اللون الأخضر في النبات.

2- الانعكاس والانتشار “Diffuse and Reflectance”

عندما يسقط الضوء على الأسطح الخشنة، فإنها تعكسها في اتجاهات متعددة (فنراها خشنة)، فملح الطعام نراه ذو لون أبيض؛ لأن بلّوراته تعكس الضوء دون أي امتصاص للأشعة.
وفي المقابل، يظهر ملح كبريتات النحاس بلون أزرق، لأنه يمتصّ أغلب الأطوال الموجية للضوء كالأحمر والأصفر وغيرها، ويعكس الأطوال الموجية الزرقاء فقط.

3- تشتُّت وتبعثر الضوء “Light Scattering”

يتبعثر الضوء عند اصطدامه بجسيمات في طريق انتشاره، ومن الأمثلة الأكثر شهرة على ذلك: اللون الأزرق للسماء.
عند اصطدام الأطوال الموجية الزرقاء والحمراء المنبعثة من ضوء الشمس بجسيمات صغيرة الحجم -أصغر من الأطوال الموجية للضوء- فإن الأطوال الموجية الزرقاء تتبعثر بشكلٍ أكبر من الأطوال الموجية الحمراء.
أمّا الجسيمات ذات أنصاف الأقطار الأكبر من الأطوال الموجية للضوء -أو المتساوية معها- فإنها تُبعثِر الضوء ولا تؤثر كثيرًا على اللون، لذلك نرى الغيوم و الملوثات في الهواء ذات لون أبيض قاتم غامق.

• الخصائص الكيميائية

تتكون المواد جميعها من ذرات -أو مجموعات من الذرات- تترتَّب مع بعضها لتشكّل جزيئات. بعض هذه الأشكال المرتّبة، أو المسماة بالمجموعات الوظيفية تكون مسؤولة عن لون المُركّب.
هذه المجموعات تسمى بالكروموفورات “Chromophores” أو مسبِّبات اللون، ويتميز هذا الكروموفور بأنه يحدث فيه انتقال إلكتروني، فعند تعرضه للأطوال الموجية للضوء المرئي أو الضوء فوق البنفسجي “UV – visible” تنتقل إلكترونات التكافؤ من مستويات طاقتها المنخفضة في الطاقة إلى مستويات أعلى في الطاقة وتصبح مستثارة.

سرعان ما تعود هذه الإلكترونات المستثارة مرة أخرى إلى مستوياتها الأصلية، والفرق في الطاقة يظهر في صورة فوتونات ضوئية ذات أطوالٍ موجية تظهر بألوان معينة.

وبهذا الانتقال الإلكتروني؛ يكتسب المُركب لونًا مميزًا يختلف من مادة لأخرى، حيث أنّ الطاقة الممتصة من الأساس تكون مكمّاه، أي أن المادة تمتص أطوالًا معينة من الضوء وليس جميعها، فعند انعكاسه مرةً أخرى تظهر ألوان معينة.
ومن الأمثلة على هذه الكروموفورات: بيتا كاروتين (ß-Carotene )، الكيونونات (Quinonones)، أصباغ الآزو، والبورفيرينات (Porphyrins).

وفي النهاية أودّ أن أذكر أنّ رؤيتنا للألوان تنبع من عدة عوامل مختلفة أهمّها العين والدماغ؛ فعندما تتلقّى العين الضوء، تقوم الخلايا البصرية بترجمة هذا الضوء وإرسال إشارات إلى الدماغ، والذي بدوره يقوم بترجمة هذه الإشارات إلى الضوء الّذي نعرفه.

قد لاحظ نيوتن أنّ الألوان ليست أحد الأمور الأصيلة في الأجسام، إلّا أنّ أسطح الأجسام تعكس بعض الألوان -أي بعض الأطوال الموجيّة للضوء- وتمتص البعض الآخر، وبهذا تكتسب التفاحة لونها الأحمر الذي نعرفه مثلًا.

بعبارةٍ أخرى، يَنشَأ إدراكنا للألوان نتيجة العمل المشترك بين العين والدماغ؛ إذ يستقبل الدماغ الإشارات العصبية ويُعالجها ويفسّرها بشكلٍ أفضل من أي حاسوب في العالم، وحتى هذه اللحظة نعجز عن فهم النظام المعقّد لإدراكنا الألوان.

المصادر  1 2

كتابة: نرمين خالد

مراجعة: عبدالرحمن احمد

تحرير: عمر ياسر

تصميم: اسلام فيصل

اظهر المزيد

نرمين خالد

كاتبة بقسم الأحياء والكيمياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى