وقود الصواريخ
ما الذي يجعل الصاروخ يطير؟ إنها الكيمياء.
تنطلق الصواريخ وتندفع تبعًا لقانون نيوتن الثالث، والذي ينص على أن “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه”. فلجعل صاروخك يطير، قم بإجراء تفاعل كيميائي يطلق الغاز والجزيئات في اتجاه، وسينطلق صاروخك في الاتجاه المعاكس.
ولكن ما هو التفاعل المناسب الذي سيطلق الغاز من الفتحة المخصصة لذلك في الصاروخ بالقوة الكافية ليفلت من جاذبية الأرض؟ إنه تفاعل الاحتراق الذي يمد جميع آلاتنا بالطاقة، ويحتاج لإتمامه إلى وقود (شيء يحترق)، ومادة مؤكسدة (شيء يجعل الوقود يحترق)، وشرارة تستطيع بدء التفاعل لتنطلق الطاقة، إلى جانب بعض المنتجات الثانوية.
وقود الصواريخ الفضائية
بالنسبة للصواريخ الفضائية فإن تفاعل الاحتراق ذاك يحدث بداخل منطقتين أساسيتين: المحركات الأساسية -وهي أربعة محركات من طراز Rocketdyne RS-25-، والصاروخان المساعدان اللذان يوفران أكثر من 75% من الدفع أثناء الانطلاق. يعتمد النظامان على تفاعل الاحتراق ذاته، ولكن مع اختلاف الوقود والمادة المؤكسدة في هذا عن ذاك. تسمى المحركات الرئيسية “بالمحركات السائلة Liquid engines”؛ لأن وقودها هو الهيدروجين السائل، والمادة المؤكسدة لها هي الأكسجين السائل. بينما تستخدم المحركات المساعدة معدن الألومنيوم كوقود، ومادة “بيركلورات الأمونيوم ammonium perchlorate” كمادة مؤكسدة، ويخلطان بمادة تربطهما معًا لتكوين مادة دافعة واحدة صلبة.
حضِّر الماء لتطلق صاروخك
يُعد الهيدروجين أخف العناصر على الإطلاق، ويوجد بشكل طبيعي على هيئة غاز، ولأن الغازات أقل كثافة من السوائل، فإن كتلة ما من الغاز تشغل حيزًا أكبر بكثير من نفس الكتلة من السائل، وإذا استخدمنا الهيدروجين كوقود في حالته الغازية، فإننا سنحتاج لخزان عملاق ثقيل للغاية يزيد من وزن الصاروخ ويصعب من عملية الإطلاق، لذلك تتم إسالة الهيدروجين والأكسجين في درجات حرارة منخفضة للغاية لتقليص الحيز المشغول قدر المستطاع.
كما نضطر لملء الخزانات بالهيدروجين والأكسجين السائل قبل الإطلاق بقليل لأنهما سوائل سهلة التبخر، وإذا ملأنا الخزانات قبل الإطلاق بمدة ستتبخر ويتمدد الغاز وربما ينفجر الخزان. وعند الإطلاق يُضخ السائلان إلى حجرة الاحتراق ليتفاعل الهيدروجين مع الأكسجين تفاعلًا انفجاريًا ينتج عنه الماء!
2H2 + O2 = 2H2O + Energy
ذلك التفاعل الصديق للبيئة يطلق كمية هائلة من الطاقة التي تحول الماء الناتج لبخار ماء يتمدد بقوة هائلة وينطلق من مؤخرة الصاروخ بسرعة ١٠ آلاف ميلٍ في الساعة ليدفع الصاروخ للأعلى بعيدًا عن الأرض.
كما أن للوقود السائل ذاك ميزة أخرى تجعله وقودًا شبه مثالي، وهي ميزة “الاندفاع النوعي Specific impulse”. تلك الخاصية تعبر عن مقدار الدفع الذي يوفره الوقود بالنسبة للكمية المحروقة منه، ولوقود الهيدروجين والأكسجين السائل أكبر قيمة “للاندفاع النوعي Specific impulse” يتفوق بها على كل الأنواع الأخرى. لكن كما قلنا، هو وقود “شبه مثالي”، فنحن بحاجة لدفعة أخرى لنوصل مركبتنا الفضائية للمدار بنجاح.
المحركات المساعدة والوقود الصلب
رغم كفاءة ومميزات الوقود السائل العديدة، إلا أن عيبه هو كثافته، فإن كثافة السوائل لا تزال قليلة، وليستطيع الصاروخ إكمال رحلته لخارج الأرض فإنه يحتاج لكمية كبيرة من الوقود ستكون كمية غير عملية وستصعب من المهمة، لذلك يلجأ المهندسون لمنحه بعض المساعدة من خلال المحركات المساعدة ووقود الألومنيوم.
وقود الألومنيوم الصلب هو الوقود الأصلي والأقدم للصواريخ -قبل دخول الوقود السائل للمعادلة- والمعروف منذ اختراع الصينيين له منذ قرون والمستخدم في الألعاب النارية. ويعد الألومنيوم المعدن الأكثر انتشارًا ووفرة على الأرض، ولا نجده غالبًا في صورة نقية، بل نجده في المناجم مختلطًا بمعادن أخرى مكونًا مركبات وأملاح عديدة؛ لسهولة تفاعله وشدة نشاطه الكيميائي، وهو الأمر الذي يجعله وقودًا ممتازًا للصواريخ.
بمجرد إحراق المزيج السابق ذكرُه من الألومنيوم وبيركلورات الأمونيوم، يتفاعل الألومنيوم بسرعة وقوة لينتج أكسيد وكلوريد الألومنيوم وبخار الماء وغاز النيتروجين وكمية هائلة من الطاقة. تجعل تلك الطاقة بخار الماء والنيتروجين يتمددان بشكل هائل ويندفعان للخارج لينطلق الصاروخ لأعلى، وبعد أن يرتفع المكوك أو الصاروخ الفضائي لارتفاع كاف، وتكون الصواريخ المساعدة قد أدت مهمتها، تنفصل عن جسم المركبة وتسقط على الأرض لتخفف الوزن عن المركبة.
هذا هو الأمر بكل بساطة، اصنع الماء وفرقع بعض الألعاب النارية، تلك هي كيمياء الصواريخ فقط، لكن بأي حال لا تجرب ذلك في المنزل.