اكتشاف الرابط المفقود بين الدماغ والقناة الهضمية
هل شعرت بالغثيان قبل تقديم عرض مهم، أو بعد تناول وجبة كبيرة؟
يعتقد العلماء أن هناك مجموعة من الحالات -بما في ذلك اضطرابات الشهية والسمنة والتهاب المفاصل والاكتئاب- قد تبدأ في الأمعاء، لكن لم يتضح كيف انتقلت هذه الرسائل من بطوننا إلى مخنا! فقد اعتقد الباحثون أن الهرمونات في مجرى الدم هي القناة غير المباشرة بين القناة الهضمية والدماغ.
وحديثًا يعتقد الباحثون أن التجارب على الفئران قد تساعد في تحسين فهمنا للعلاقة بين القناة الهضمية والدماغ بالإضافة إلى الشهية، وبذلك قد نتعرف على قوة اتصال القناة الهضمية بالدماغ. وتُشير الأبحاث الحديثة إلى أن خطوط التواصل وراء ذلك أكثر مباشرةً وسرعة من انتشار الهرمونات، وباستخدام فيروس داء الكلب الذي تم تمييزه بالفلورة الخضراء استطاع الباحثون تتبع الإشارات أثناء انتقاله من الأمعاء إلى جذع الفئران. وكانت المفاجأة عندما رأوا الإشارة تتقاطع مع نقطة تشابك واحدة في أقل من 100 ملي ثانية، وهذا أسرع من غمضة عين!
في حين أن العلماء يتحدثون عن الشهية من حيث الدقائق إلى الساعات. ففي هذه الحالة نتحدث عن الثواني، وهذا سيساعدنا في تحسين فهمنا للشهية. فالعديد من مثبطات الشهية التي تم تطويرها تستهدف هرمونات بطيئة التمثيل، وليس مواقع للتشابك العصبي سريعة المفعول. وقد يكون هذا هو السبب في فشل معظمها. فدماغك تأخذ المعلومات من جميع الحواس الخمس اللمس، البصر، السمع، الشم والتذوق من خلال الإشارات الكهربائية، والتي تنتقل خلال الألياف العصبية الطويلة التي تقع تحت جلدك وعضلاتك مثل: كابلات الألياف البصرية. وهذه الإشارات تتحرك بسرعة، ولهذا السبب فإن رائحة الكعك الطازج تصل إليك في نفس اللحظة التي تفتح فيها الباب.
على الرغم من أن القناة الهضمية لا تقل أهمية عن كونها عضوًا حسيًا مثل عينيك وأذنيك، فيعتقد العلماء أنها أرسلت رسالتها من خلال عملية متعددة الخطوات غير مباشرة إلى حد ما، والذي يُساعد في معرفة متى تحتاج معدتك إلى الطعام للبقاء على قيد الحياة. كما أن وجود المغذيات في الأمعاء يُحفز إفراز الهرمونات، التي تدخل في تدفق الدم من دقائق إلى ساعات بعد تناول الطعام، وفي النهاية تمارس تأثيراتها على الدماغ. وهذا التريبتوفان “tryptophan” يتحول إلى سيروتونين “serotonin”، وهي المادة الكيميائية في الدماغ التي تجعلك تشعر بالنعاس.
يعتقد أحد الباحثين أن الدماغ لديه طريقة لإدراك الإشارات من الأمعاء بسرعة أكبر، وقد لُوحظ أن الخلايا الحسية التي تُبطن القناة الهضمية تتقاسم العديد من الخصائص نفسها التي يتمتع بها نفس نوع الخلايا باللسان وفي الأنف. ففي عام 2015، نُشرت دراسة تُبين أن هذه الخلايا الهضمية تحتوي على نهايات عصبية أو نقاط الاشتباك العصبي، وهذا يُشير إلى أنها قد تستغل نوعًا من الدوائر العصبية.
وفي هذه الدراسة قام الباحثون بضخ فيروس داء الكلب والذي يحمل علامة مضيئة باللون الأخضر في معدة الفئران. ورأوا أن الفيروس أوضح العصب المُبهم قبل أن يصل للدماغ، مما يُدل على وجود دائرة مباشرة لها. وبعد ذلك، قام الباحثون بإنشاء الدائرة العصبية في الدماغ عن طريق زراعة خلايا الأمعاء الحسية من الفئران في نفس الطبق مع تلك الخلايا العصبية المبهمة، فقامت الخلايا العصبية بالزحف على طول سطح الطبق للاتصال بخلايا الأمعاء والبدء في إطلاق الإشارات. وعندما أضاف فريق البحث السكر إلى المزيج، زاد ذلك من سرعة معدل إطلاق الإشارات، ثم قاموا بقياس السرعة التي تم بها توصيل المعلومات من السكر في القناة الهضمية وكانت المفاجأة عندما تم إيجادها بالملي ثانية.
تقترح هذه النتيجة أن الناقل العصبي مثل: الغلوتامات “glutamate” الذي يُشارك في نقل إشارات عصبية لحواس أخرى مثل الشم والتذوق، قد يكون بمثابة المُرسل. وبذلك فإنه من المؤكد أن عندما قام الباحثون بإيقاف إطلاق الغلوتامات في الخلايا الحسية في الأمعاء، فقد سارت الرسائل بصمت. وهناك بيانات تُشير إلى أن بنية ووظيفة هذه الدائرة ستكون نفسها في البشر، ويعتقد العلماء أن هذه النتائج ستكون الأساس البيولوجي للحس الجديد، وسيكون بمثابة نقطة دخول لمعرفة كيفية معرفة الدماغ عندما تكون المعدة مليئة بالطعام والسعرات الحرارية.
كتابة: آلاء عمارة
مراجعة: آية العزب
تصميم: نهى عبد المحسن
تحرير: هدير رمضان