الكيمياء

لماذا قد يُعد نفاذ الهيليوم من كوكب الأرض مشكلة؟

الهيليوم “He” من عائلة الغازات النبيلة والتي يُطلق عليها أيضًا الغازات الخاملة، والخمول يعني أنّ العنصر ليس نشطًا للغاية. فهي لا تتفاعل مع العناصر أو المركبات الأخرى.
هو ثاني أكثر العناصر شيوعًا في الكون (بعد الهيدروجين H)، لكنه نادر نسبيًا على الأرض. كما أنه دائمًا ما يؤدي دورًا مفاجئًا في كل شيء، بدءًا من استكشاف الفضاء إلى الحوسبة الكمومية.

لقد ذكرنا في عنوان المقال أن الهيليوم ينفد! أهو من الموارد الغير متجددة على كوكبنا؟ إليكم الإجابة بقليل من التفاصيل.

الهيليوم هو العنصر الوحيد على هذا الكوكب الذي يعتبر موردًا غير قابل للتجديد بشكلٍ تام.

على الأرض، يتم توليد الهيليوم في أعماق الأرض من خلال التحلل الإشعاعي الطبيعي لعناصر مثل اليورانيوم U والثوريوم Th. تقول صوفيا هايس “Sophia Hayes”، وهي كيميائية بجامعة واشنطن في سانت لويس: “يحتاج الأمر إلى العديد من آلاف السنين لصنع الهيليوم الموجود هنا على الأرض”. يتسرب الهيليوم عبر قشرة الأرض ويُحاصر في حقول الغاز الطبيعي، حيث يمكن حينها استخراجه.
مثل الهيدروجين، سلفه المباشر على الجدول الدوري، فالهيليوم خفيف الوزن. ولكن على عكس الهيدروجين، فإنه لا يتحد بسهولة مع العناصر الأخرى. لذلك، بمجرد وصول الهيليوم إلى السطح، يمكنه الهروب بسهولة من الجاذبية الأرضية.

موارد أخري مثل النفط والغاز، يمكن بعد خروجها من الأرض بكميات قليلة مثلًا نعتبرها تلوثًا، أو يصعب إعادة تدويرها فتظل موجودة فالبيئة. لكن الهيليوم وحده يختفي كليًا من الكوكب بعد هروبه من الجاذيية. تقول الباحثة صوفيا هايس: “إنه العنصر الوحيد من الجدول الدوري بأكمله الذي يهرب من الأرض ويخرج إلى الفضاء الخارجي”.

لقد ذكرنا أيضًا أن للهيليوم دومًا دور هام، ونفاده من الكوكب يعد مشكلة، ولكن مشكلات الماضي ليست كمشكلات الحاضر بالنسبة لنفاد الهيليوم، فما هي تلك المشكلات إذًا؟

لقد فكرت أمريكا ذات مرة أن الهيليوم سَيُحوّل مجرى الحرب!

فخلال الحرب العالمية الأولى، كان الطيران لا يزال في مهده، وكانت تُعتَبر الأسلحة التقليدية أسلحة حربية متطورة. كان منطاد زبلين أحد أهم الأسلحة الاستراتيجية في ذلك الوقت. (منطاد زبلين “Zeppelin” هو منطاد ألماني كان يستخدم في الحرب العالمية الأولى بصفته قناص وأداة استطلاع، وأُطلِق اسم “زيبلن” على المنطاد نسبة إلى اسم أحد مصمميه، حيث قام بتصنيع أول منطاد عملاق في بداية القرن العشرين).
استخدمت ألمانيا منطادها في إسقاط القنابل على بريطانيا أثناء الحرب وكانت عملياته ناجحة للغاية.

ولكن لدى زبلين نقطة ضعف حرجة، فكان المنطاد يتم مِلئَه بالهيدروجين شديد الاشتعال.
يقول ديفيد أوبن “David Aubin” أستاذ تاريخ العلوم بجامعة السوربون بجامعة باريس: “إنه بعد بضع غارات من زبلين على لندن، طورت القوات البريطانية رصاصًا حارقًا لإشعال الهيدروجين بداخل المناطيد”.

لذا فالعملاق المُدمّر الذي يتم إنفاق الآلاف على صنعه، يتم إحراقه وتدميره كليًّا برصاصة صغيرة من بندقية جندي واحد!

وفي الوقت نفسه، اكتشف العلماء الأمريكيون رواسب كبيرة من الهيليوم في حقول الغاز الطبيعي في أماكن مثل كانساس “Kansas”. فيقول أوبن إن الحكومة سرعان ما أممت إمدادات الهيليوم غير القابلة للاشتعال وهرعت إلى أوروبا لملء المناطيد لحربها ضد ألمانيا.
لم تستخدم أمريكا الهيليوم في الحرب العالمية الأولى بل ظلت تجمعه حتى امتلكت آلاف الأسطوانات من غاز الهيليوم.

أيضاً كان الهليوم ضروريًا للبعثات الأولى إلى القمر، حيث يتكون الصاروخ من حاويتين كبيرتين للغاية، في أحد الحاويات يوجد الوقود، وفي الآخر، يكون العنصر المؤكسِد، وعادة ما يكون هذا العنصر هو الأكسجين. عندما يتدفق الوقود والأكسجين من الخزانات يتركان فراغًا خلفهما، مما قد يتسبب في توقف الوقود عن التدفق.

الحل هو حقن غاز آخر لدفع الوقود للخارج. يجب أن يكون هذا الغاز خفيف الوزن وقابل للانضغاط بدرجة كبيرة، حتى لا يشغل مساحة كبيرة. وغير نشط، حتى لا يُفسد الوقود. تبين أن الهيليوم مثالي جدًا لهذه الوظيفة.
ومن الجدير بالذكر أنه تم استخدام الهيليوم في صورايخ “Saturn V” العملاقة التي حملت رواد فضاء “Apollo” إلى الفضاء الخارجي.

الهيليوم مطلوب الآن، لكن لأسباب مختلفة تمامًا عما كانت عليه في القرن الماضي. هذه المرة، يرتبط كثرة الطلب عليه بسبب قدرته على التسييل. ففي درجات حرارة منخفضة تصل إلى 4.2 درجة كلفن يتحول الهيليوم من غاز إلى سائل.
يخبرنا علماء الفيزياء الفلكية أن درجة حرارة الفضاء الخارجي هي 3 كلفن، لذا قد تكون هذه المعلومة مُلهِمَة للعديد والعديد من الأفكار والاختراعات التي تربط الهيليوم بأقمار ومركبات ومنشآت الفضاء.

تُدير هايس مختبرًا يستخدم مواد خاصة جدًا تسمى الموصلات الفائقة “superconductors”، يمكن أن تتدفق الكهرباء من خلال هذه المواد دون أي مقاومة على الإطلاق. هذا يخلق مجالات وحقول مغناطيسية كبيرة للغاية.
تستخدم هايس تلك الحقول لدراسة العمليات الكيميائية. تُستخدم هذه المجالات المغناطيسية أيضًا في الطب لتصوير جسم الإنسان. ماعلاقة هذه التكنولوجيا بالهيليوم إذًا؟
علاقتها أن تلك الموصلات الفائقة يجب أن تُبَرّد، ويتم استخدام الهيليوم السائل لهذه المهمة.

لا تتوقف تطبيقات الهيليوم عند هذا الحد. توجد بتات فائقة التوصيل “Superconducting bits” في قلب أكثر أجهزة الكمبيوتر الكمومية تطورًا، والتي يتم تطويرها حاليًا. قالت “Google” مؤخرًا أن أحد أجهزة الكمبيوتر التي طورتها قد فاق أسرع جهاز كمبيوتر تقليدي في العالم عند إجراء عملية حسابية متخصصة. إن مثل هذا التفوق الكمي إذا استمر في تقدمه أكثر، قد يسمح في نهاية المطاف لوكالات الاستخبارات باختراق أي كود فعليًا. (تلك المعلومة تجعلنا في حاجة للقراءة أكثر في علم الحوسبة الكمومية “Quantum computing”)

كما يستخدم الهيليوم في شكله الغازي في تصنيع الإلكترونيات التقليدية، ويستمر استخدامه في الصواريخ من قبل الشركات المتطورة مثل “SpaceX”.

هنالك المزيد من التطبيقات الهامة للهيليوم اعتمادًا علي خواصه الفيزيائية الخارقة (مثل التسييل والميوعة) لا يسعنا الحديث عنها لكثرتها الآن، لذا فيسارع العالم للحد من افتقار الأرض للهيليوم.

 

المصدر

 

كتابة: نرمين خالد

مراجعة: دينا عادل

تحرير: اسراء وصفى

تصميم: عاصم عبدالمجيد

اظهر المزيد

نرمين خالد

كاتبة بقسم الأحياء والكيمياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى