الفلسفة

المطر يتحكم في أرواح أباطرة روما!

لم يظلم التاريخ قط الإمبراطورية الرومانية؛ حيث تحدث كثيرًا عن الدكتاتورية التي كانت من صفات حكامها، ولطالما تحدث عن أباطرة الروم وقوتهم. ولكن برغم هذه القوة، فإن قطرات من المطر كانت تتحكم في أرواحهم! كيف ذلك؟

 

هل تحدث أحدهم أمامك من قبل عن أباطرة الروم؟ أسمعت عن قوتهم؟ بالطبع قد تكون تمنيت لبُرهة أن تكون واحدًا من هؤلاء الأباطرة. لكن عندما أُخبرك بأن ثمن حياتك سيكون بعض قطرات من المطر، فسوف تعيد التفكير في الأمر. روما القديمة كانت خطرًا على الأباطرة؛ حيث أنه خلال أكثر من 500 عامٍ، تم اغتيال حوالي 20% من أباطرة روما البالغ عددهم 82 خلال فترة سلطتهم. لكن مازال السؤال يطرح نفسه، ما علاقة المطر بموت الأباطرة؟

 

كانت الإجابة وفقًا لدراسة حديثة أُجريت مؤخرًا، تُشير إلى أنه عندما كانت تنخفض مية المطر، كان الجنود في الجيش الروماني يقومون بالتمرد. والسبب يرجع إلى أن هؤلاء الجنود كانوا يعتمدون على المطر في زراعة المحاصيل، وعندما كانت تنخفض كمية المطر لم يكن باستطاعتهم الحصول على الغذاء وتحدث مجاعة، مما يدفعهم إلى التمرد. وهذا التمرد من شأنه أن يُقلل من دعم الإمبراطور ويجعله أكثر عرضةً للاغتيال.

 

لكن كيف تمكن الباحثون من الربط بين كمية المطر المتساقطة وحياة الأباطرة؟
كان ذلك عندما استخدموا بيانات مناخية قديمة من دراسة، قام الباحثون خلالها بتحليل الآلاف من حلقات الأشجار المتحجرة من فرنسا وألمانيا، حيث تمكنوا من حساب كمية المطر بالميليمترات في كل ربيع خلال الـ 2500 عام الماضية. كانت هذه المنطقة تمثل الحدود الرومانية، وقد كانت القوات العسكرية تتمركز هناك.
بعد ذلك، قام الباحثون بالبحث عن بيانات حول التمرد العسكري واغتيال الإمبراطور في روما، وتوصلوا إلى أن انخفاض هطول الأمطار يعني أن هناك احتمالية أكبر للاغتيالات التي سوف تحدث؛ لأن انخفاض هطول الأمطار يعني وجود كمية أقل من الطعام. فمثلًا: الإمبراطور فيتليوس “Vitellius” تم اغتياله في عام 69 م، كان معدل هطول الأمطار منخفضًا في ذلك العام على الحدود الرومانية، حيث تمركزت القوات العسكرية.
وكان من حظه أن الأمطار قد سقطت منخفضة في العام الذي ثارت قواته ضده، وفي النهاية تم اغتياله في روما.

 

لكن هذا لا يعنى أن المطر هو العامل الوحيد الذي تحكم في حياة الأباطرة. لابد من وجود عوامل أُخرى، فمثلًا: تم اغتيال الإمبراطور كومودوس “Commodus” في عام 192 م؛ وذلك لأن الجيش قد سئم منه عندما بدأ يتصرف فوق القانون، فقد كان يجعل المصارعين يخسرون عمدًا أمامه في الكولوسيوم! وهو مدرج روماني عملاق يقع في وسط مدينة روما، وكانت الساحة تُستخدم في قتال المصارعين والمسابقات الجماهيرية.

 

هذا دليل على أن هطول الأمطار لم يكن هو التفسير الوحيد لكل هذه الاغتيالات، بل هو مجرد واحد من العديد من العوامل المحتملة التي يُمكن أن تؤدي إلى حدوث ذلك. فقد كانت الإمبراطورية الرومانية تُعاني من تضخم هائل، تفشي الأمراض والحروب الخارجية، كل هذه العوامل قد أثّرت على استقرار الإمبراطورية. وهذه الدراسة توضح كيفية تأثير المناخ على المجتمعات القديمة. هناك أيضًا دراسة قديمة توضح كيف أن النشاط البرُكاني ربما كان قد أدى إلى حدوث ظروف جافة والتي أسقطت السلالة البطلمية في مصر.

 

على الرغم من أن الباحثين قد ربطوا بين كمية المطر واغتيال الأباطرة، إذن فمن السهل العثور على فرضية تكون علاقة بين أمرين باستخدام الإحصائيات، لكن كيف تعرف أن لديك الفرضية الصحيحة؟ الأمر يستحق بذل الجهد للبحث في هذه الفرضية، لتحديد ما إذا كانت البيانات المناخية تتطابق مع تواريخ الاغتيالات، بدايةً من الإمبراطورية في 27 قبل الميلاد إلى نهايتها في 476 م.

 

المصدر

 

كتابة: ألاء عمارة

مراجعة: أحمد علاء

تصميم: عمر حسن

تحرير: هدير رمضان

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى