علم النفس

التنويم المغناطيسي

كثيرًا ما يرتبط التنويم المغناطيسي بفكرة غسيل المخ أو التحكم بالعقل، أو حتى العروض المسرحية لسحرة الدرجة الثانية، لكن ما لا يعرفه معظم الناس أنه طريقة قوية وفعالة لدى العديد من الأطباء وعلماء الأعصاب لعلاج بعض الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية!

 

على عكس الصورة المسرحية المشهورة عن أن المُنَوَّم مغناطيسيًا مسلوب الوعي والإرادة، فالتنويم المغناطيسي هو حالة من الاسترخاء الموجه والتركيز الشديد على أفكار أو مهام معينة للوصول إلى المرحلة القصوى من الوعي إلى درجة عدم الاستجابة لأي مؤثر خارجي. ويعتبر التنويم المغناطيسي وسيلة مساعدة في العلاج وليس علاجًا بحد ذاته، وأثناء التنويم المغناطيسي يدخل المرضى إلى الأعماق القصوى في عقولهم ويصلون لتلك الأفكار والمشاعر والذكريات والصدمات النفسية المؤلمة الدفينة بعيدًا عن وعيهم، وبالوصول لتلك النقطة السوداء والتي هي أصل الاضطراب أو المشكلة النفسية التي يعاني منها المريض، يساعد ذلك الطبيب في وضع المريض على بداية مسار العلاج، وهذا أحد أنواع التنويم المغناطيسي وهو التنويم التحليلي.

 

يوجد التنويم القائم على الإيحاء، حيث أن درجة التنويم المغناطيسي والتركيز الشديدين على فكرة ما يجعل الإيحاء بشيءٍ يتعلق بها سهل ومقبول للمريض أكثر من حالة الوعي العادي، ومعظم الناس لا يتقبلون الأوامر والنواهي الصريحة في الوعي العادي، ولكن في حالة التنويم المغناطيسي يبدو أن الاقتراحات والإيحاءات تتسلل إلى الوعي عن طريق ما يشبه الباب الخلفي مما يمثل جذر التغير السلوكي موضع العلاج.

 

ولأننا هنا نتكلم عن العبث بمخ الإنسان وهو أقصى الموجودات تعقيدًا على وجه الأرض بلا منازع، ولتحقيق أقصى استفادة من تقنية مبتكرة كهذه، يجب معرفة كيف يؤثر التنويم المغناطيسي على المخ، وللإجابة على هذا السؤال أُقيمت دراسة بجامعة ستانفورد شملت حوالي 36 مشترك، وتم مسح أدمغتهم بالرنين المغناطيسي أثناء الراحة وأثناء التنويم المغناطيسي.

 

تم رصد النتائج ونشرها حيث أوضحت أنه يوجد مركزان في المخ مسؤولان عن مستويات الإدراك العليا في مخ الإنسان، الشبكة التنفيذية المركزية وهي المسؤولة عن الإدراك، وشبكة الوضع الافتراضي مسؤولة عن الوعي الذاتي والذاكرة العرضية. كما وُجد أنه تقريبًا يُقطع الاتصال بين المركزين عند التنويم المغناطيسي، مما يفسر كيف يمكن للتنويم المغناطيسي أن يجعل الناس في حالة وعي وحركة، ومع ذلك لا يظهر عليهم أنهم يتحكمون في حركتهم. كما تم ملاحظة انخفاض ملحوظ في نشاط منطقة بالمخ مسؤولة عما يعرف بـ”تقييم السياق” أي أنها توجهك لما ينبغي التركيز عليه وما ينبغي تجاهله. وهو ما يفسر كيف يبدو المنومون مغناطيسيًا غير واعين ببعض الموجودات حولهم.

 

واختصر الباحثون كلامهم بأنه لا يوجد مناطق في المخ يتم إغلاقها تمامًا أثناء التنويم، فالأمر فقط هو تغير الاتصال بين المناطق وبعضها البعض، ويمكن أن تنعزل مناطق كاملة عن الباقي أو تندمج مع أخرى. كما ثبت أن التنويم المغناطيسي يساعد في علاج اضطرابات كثيرة: منها الخوف المرضي أو الفوبيا والقلق والتوتر والاكتئاب، كما يساعد في تخفيف الآلام والاضطرابات النفسية التالية للصدمات. ولا يجب القيام بالتنويم المغناطيسي لمن يعانون من الهلوسة والأوهام ولمتعاطي الكحوليات، كما لا يجب أبدًا القيام به لتخفيف الآلام إلا بعد قيام طبيب متخصص بتقييم حالة المريض لمعرفة أي مشكلة تتطلب جراحة أو أدوية.

 

وعلى الرغم من ذلك يظل استخدام التنويم المغناطيسي في علاج بعض الاضطرابات العقلية محل جدل واسع؛ ذلك لأنه يشكل خطورة لتكوين ذكريات خاطئة بسبب إيحاء أو عبارة خاطئة من المعالِج وبالتي يتغير مسار العلاج، كما أنه يتطلب جلسات عديدة حيث أن جلسة واحدة لا تؤثر كثيرًا.

 

التنويم المغناطيسي ليس خطرًا، ولا تخف لن يأمرك المعالج بالقيام بحركات محرجة، وبالطبع ليس غسيلًا للمخ أو سيطرة على المخ كما تصوره شاشات السينما! كما أنك لن تُجبَر على أداء فعل كان بالنسبة لك مرفوضًا تمامًا في وعيك، فأنت لست مسلوب الإرادة.

 

تريد تجربة شيء مماثل؟ استلق أو اتخذ وضعية مريحة، أغلق عينيك وتنفس بعمقٍ وببطء، في تلك المرحلة من الاسترخاء قل لنفسك عبارات إيجابية أو تحفيزية، وتخيل أحداثًا سعيدة كلحظات تكريمك لنجاحك في شيءٍ ما بعد عملٍ شاق مثلًا.

 

المصادر 1 2 3

 

كتابة: ياسمين محمد

مراجعة: دينا ناصر

تصميم: نهى عبد المحسن

تحرير: إسراء وصفي

اظهر المزيد

ميار محمد

المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى