بالخطأ، أُنتجت أقوى المواد على الأرض بوليمر الكيفلر!
العالمة الاستثنائية ستيفاني كوليك “Stephanie Kwolek” نشأت مُحِبة للعلم وللأقمشة والخياطة، حلمت بالذهاب إلى كلية الطب، ولكن بدلًا من ذلك، اخترعت عن طريق الصدفة واحدًا من أقوى المواد على الأرض، إنه “بوليمر الكيفلر” المستخدم في صناعة السترات الواقية ضد الرصاص. ترى كيف حدثت الصدفة العظيمة هذه؟ ومن هي كوليك؟
من هي ستيفاني كوليك؟
ستيفاني كوليك “Stephanie Kwolek”، عالمة كيمياء أمريكية (1923 – 2014)، ولدت في نيوكنسينجتون بولاية بنسلفانيا “New Kensington, Pennsylvania”، تُوفي والدها عندما كانت في العاشرة من عمرها، فأمضت مع والدتها ربة المنزل -وبحكم الظروف المادية اضطرت للعمل لاحقًا- ساعات عديدة، ورثت منها حب الخياطة والأقمشة حتى ظنت في وقت من الأوقات أنها قد تصبح مصممة أزياء، كما أحبت كوليك قضاء وقتها في استكشاف الغابات والحقول بالقرب من منزلها، وتملأ بعدها سجلات القصاصات الورقية خاصتها بأوراق الشجر والزهور البرية والبذور والأعشاب.
ما تلقته كوليك من تعليم:
كانت كوليك مهتمة بالتدريس وبالعلوم، ولكنها أرادت أن تدرس الطب، ولكن بسبب ظروفها المادية السيئة حينها اضطرت إلى دراسة الكيمياء بكلية مارغريت موريسون كارنيجي “Margaret Morrison Carnegie College” بجامعة كارنيجي ميلون “Carnegie Mellon University”، وبعد التخرج، تقدمت بطلب للحصول على وظيفة ككيميائية في شركة دوبونت “DuPont” (ومن لا يعرف شركة دوبونت هي شركة كيميائية أمريكية تعتبر ثاني أكبر شركات المواد الكيميائية في العالم حاليًا، بدأت كشركة مصنعة للبارود وآلات الحرب ونمت الشركة بسرعة، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبحت أكبر مورد للبارود إلى جيش الولايات المتحدة)، بالكاد حصلت كوليك على الوظيفة؛ حيث كانت الشركة مضطرة لذلك، لذهاب أغلب الكيميائيين الرجال إلى الحرب.
حياة كوليك المهنية:
أصبحت ستيفاني مولعة بالبوليمر وأبحاث البوليمر التي كانت تجريها في شركة “DuPont”، فتخلّت عن حلمها في كلية الطب لتصبح كيميائية مدى الحياة. تخصصت كوليك في تطوير العمليات ذات درجات الحرارة المنخفضة لتحضير الألياف الاصطناعية القائمة صناعتها على البترول، لكونها ذات قوة وصلابة مذهلة. تم تعيين كوليك لإيجاد الجيل الجديد من الألياف التي يمكن أن تتحمل الظروف القاسية؛ كالحرارة والضغط من أجل استعمالها في تصنيع الآلات الحربية. عمل كوليك كان يتضمن تحضير حالات وسطية “intermediates”، وتوليف البولي أميدات العطرية “aromatic polyamides” ذات الأوزان الجزيئية العالية، وذلك بوضع مركبات البولي أميدات في بعض المذيبات، وتحويل هذه المحاليل إلى ألياف صناعية (بوليمرات طويلة السلسلة مكونة من جزيئات عديدة متصلة ببعضها البعض) إحدى هذه البوليمرات هو الكيفلر.
ما هو الكيفلر؟ وكيف تم اكتشافه عن طريق الخطأ؟
عام 1965، اكتشفت كوليك وهي في الأربعينيات من عمرها بالصدفة أنه في ظل ظروف معينة -كما قد وضحنا- تصطف أعداد كبيرة من جزيئات البولي أميد جنبًا إلى جنب لتشكل محاليل بلورية سائلة وغائمة ومُتعكِّرة في الوقت نفسه، بالطبع كانت النتيجة هذه تُواجَه بالرفض من قِبل معظم الباحثين؛ لأن المحلول الناتج كان مائعًا ورقيقًا وعكِرًا بدلًا من أن يكون لزجًا وسميكًا وواضح كالنايلون مثلًا. لكن كوليك لم تستسلم، فبحنكتها وتتبعها لحدسها انتهزت الفرصة، ونسجت المادة الناتجة في ألياف ونسيج يتصف بقوة وصلابة لم يسبق لها مثيل، فقد كانت النتيجة هي بوليمر الكيفلر.
خواص الكيفلر وتطبيقه في الصناعة:
الكيفلر “Kevlar”، بوليمر تم تحضيره على صورة محلول متعكر مثل اللبن كما أشرنا، حيث رفض الشخص المسؤول عن معدات الغزل في البداية تدوير أول محلول من هذا النوع؛ لأنه كان يخشى أن يكون التعكير ناتجًا عن وجود جسيمات تسد الثقوب الصغيرة في ماكينته، تم إقناعه أخيرًا بتشغيلها، فتم الحصول على ألياف قوية صلبة، أقوى من أي مادة شاهدتها على الإطلاق، بلاستيك قوي بما يكفي لإيقاف السكاكين وطلقات الرصاص وُصف بأنه أقوى خمس مرات من الفولاذ، يتحمل درجات الحرارة القصوى وظروف صعبة أخرى، ويتميز أيضًا بخفة وزنه، فقد وُصف بأنه أخف من الألياف الزجاجية.
فتح هذا البوليمر المجال لأكثر من مائتي تطبيق، منها العديد من المنتجات المقاومة للحرارة والرصاص، مثل السترات الواقية للعسكريين، وضباط الشرطة، والعلماء في مختبراتهم لإجراء التجارب شديدة الخطورة، وكذلك في القوارب والطائرات وسفن الفضاء والحبال، وحتى كابلات الألياف الضوئية التي تتيح لك قراءة هذا المقال على الإنترنت.
وختامًا، أود أن أذكر أن ستيفاني كوليك ترأست أبحاث البوليمر في مختبر دوبونت الرائد حتى تقاعدها في عام 1986، تلقت خلالها العديد والعديد من الجوائز لإنجازاتها هذه، ولكن على لسان كوليك، أكثر موقف جعلها تشعر بالفخر حين طلب منها ضابط شرطة توقيعها على سترته الواقية التي أنقذت حياته، لذا؛ على لسان جميع البشر: شكرًا ستيفاني كوليك.
كتابة: نرمين خالد
مراجعة: مصطفى احمد مصطفى
تحرير: ميرنا عزوز