الحياة السرية للنباتات
تٌعَد عملية البناء الضوئي (التمثيل الضوئي) عملية ضرورية للحياة ولجميع الكائنات الحية قبل أن تفيد النبات نفسه، حيث تمد الكائنات الحية بالأكسجين اللازم للتنفس، وكذلك الطاقة عبر الغذاء بتناول النبات مباشرة، أو عبر التغذي على الكائنات الحية الأخرى بشكل غير مباشر.
من دون عملية البناء الضوئي، سيقل الطعام والمواد العضوية الأخرى الضرورية على الأرض، والتي تنتج من تحلل بقايا الكائنات الحية الميتة التي تغذت على النباتات، كالوقود الحفري (الفحم، البترول، والغاز)، وكذلك قد تختفي بعض الكائنات الحية؛ مما سيعرض الغلاف الجوي لكوكب الأرض لخلل فى نظامه، ويصبح خاليًا من الأكسجين.
ما هو البناء الضوئي (التمثيل الضوئي)؟
هو عملية امتصاص كمية ضوء كافية -تستخدمها النباتات والطحالب وبعض البكتيريا- بواسطة البلاستيدات الخضراء أو بعض الطرق الأخرى، وتحويلها إلى طاقة كيميائية.
كيف يحدث البناء الضوئي؟
يلزم لحدوث عملية البناء الضوئي توفر كمية مناسبة من الضوء، وغاز ثاني أكسيد الكربون، والماء، والتربة الجيدة، وكذلك يلزم توفر بعض العناصر الضرورية للنبات -كالفسفور والنيتروجين- لينتج عن كل ذلك غاز الأكسجين والطاقة.
لم تتوقف وظيفة النباتات على إنقاذ الكائنات الحية وكوكب الأرض، والقيام بعملية البناء الضوئي وإخراج الأكسجين فقط؛ ولكن هناك أيضًا ما ينبعث من النبات دون أن نراه بالعين المجردة، حيث إن تركيب العين لا يسمح برؤية الأطوال الموجية غير المرئية؛ كالأشعة تحت الحمراء، وهذا ما سوف نتحدث عنه فيما يلي.
هناك الكثير من الانبعاثات والموجات الضوئية لا يمكن أن نراها بأعيننا، ومن الغريب أنها تنبعث من النباتات. كل نبات يختلف عن الآخر من حيث امتصاص الضوء عبر الكلوروفيل، وحدوث عملية البناء الضوئي، حيث إن التمثيل الضوئي يتناسب طرديًا مع انبعاث الضوء وعملية الفلورة، والتي تُحدِث ما يُسمَّى “تألق النبات وتوهجه”.
توهج النباتات (الفلورة)
تصدر النباتات الضوء غير المرئي -الفلورة- من الكلوروفيل الموجود داخل النباتات، وذلك عند أجزاء محددة من الأطياف الضوئية الحمراء، الحمراء الطويلة، الزرقاء، والخضراء. مثال لذلك: ينتج الكلوروفيل بداخل الأوراق الخضراء الأطوال الموجية الحمراء الطويلة والبعيدة.
أوضحت (جوانا جوينر – Joanna Joiner) -نائب عالم مشروع بعثة ناسا (Aura)- السبب، حيث إنه عندما تتعرض ورقة النبات لضوء الشمس، تمتص البلاستيدات الخضراء معظم الضوء، وتقوم بتحويله إلى كربوهيدرات أثناء التمثيل الضوئي.
كذلك لها دور مهم جدًا في إعادة الضوء غير المرئي بنسبة 2% بأطوال موجية طويلة حمراء، فتسبب ما يُسمَّى “ظاهرة تألق النباتات” عبر انطلاق هذه الموجات الضوئية المختلفة. تختلف هذه الخاصية عن التلألؤ البيولوجي، حيث إن بعضًا من الكائنات الحية -دون أن تتعرض لضوء- تحتوي أجسامها على مواد كيميائية تسبب توهجًا، كحشرة البرق وبعض الكائنات البحرية.
اهتم عالِم الأرض بناسا (جوشوا فيشر – Joshua Fisher) بدراسة هذه العمليات الشيقة، حيث جلس يراقب الضوء الفلوروسنتي الذي ينبعث من النباتات أثناء عملية البناء الضوئي، ومثال لذلك شجرة الزيتون، حيث تمتلك انبعاثًا ضوئيًا أقوى من بقية النباتات الأخرى.
قامت ناسا بتصميم جهاز استشعار يُدعَى “مرصد الكربون المداري OCO2″، والذي تم إطلاقه في يوليو عام 2014، صُمِّم هذا المرصد خصيصًا لتتبع موجات الضوء الكهرومغناطيسي -الذي يخرج من النباتات التي تتبع عملية التمثيل الضوئي- في الفضاء الخارجي، ومعرفة كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمتصها كل نبات عن الآخر، وفهم تفاعلها مع البيئة المحيطة، وكذلك تفاعلها مع التغيرات المناخية.
كما قام العلماء بإنتاج خرائط عالمية رائدة لتوهج النباتات الأرضية، وهي الخرائط الأولى من نوعها التي تركز على الغطاء النباتي بالكرة الأرضية. تم استخدامها قديمًا لقياس هذه الأطوال الموجية، وذلك بتعريض النباتات للضوء الأسود، ليساعد على زيادة وضوح تألق هذه النباتات، ولكن هذه الطريقة فشلت في إظهارها عبر مساحات واسعة من الأرض.
ورغم أن التمثيل الضوئي يُعَد عملية مهمة في دورة الكربون، حيث يلعب دورًا هامًا في المناخ، ويمكننا من خلاله معرفة كمية غاز ثاني أكسيد الكربون الممتصة في النباتات، إلا أن العلماء لم يتوصلوا حتى الآن إلى بيانات واضحة، حيث إن ما تم التوصل إليه من معلومات قليل جدًا، ومن الصعب فهم العلاقة الكمية بين المناخ والتمثيل الضوئي جيدًا.
كتابة: هدير أحمد
مراجعة: سارة محمد
تدقيق لغوي: زياد محمد