التاريخ الطويل للطاقة الشمسية
تكنولوجيا الطاقة الشمسية ليست جديدة، يمتد تاريخها من القرن السابع قبل الميلاد إلى اليوم، تمَّ استخدام ضوء الشمس كمصدر للطاقة بالفعل من قِبَل الحضارات القديمة، واليوم مع التَطور العلمي أصبحت التكنولوجيا الكهروضوئية تُساهم في توفير الطاقة الكهربائية للبشرية.
مُتطلَبات الطاقة للبشرية تتضاعف باستمرار، ومن المُتوَقَع أنْ يَتضاعَف الطلب العالمي على الطاقة بحلول مُنتصف هذا القرن على الأقل، سيكون من المُمكِن تغطية هذه الحاجة الضخمة للطاقة والتَحديات البيئية الفعلية بتوفير الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المُتجدِدة، ومن بينها الطاقة الشمسية.
للشمس دور حيوي في الحياة على الأرض، وقد تمَّ الاعتراف بهذا والاحتفاء به من قِبَل جميع الثقافات بالفعل، ففي العُصور القديمة أُعجِبت الشعوب كثيرًا بالشمس، حتى جَسَّدوها كثيرًا وعبدوها كإله، مثل الإله (أتون) عند المصريين القُدماء، (أماتيراسو) في اليابان، وفي اليونان (هيليوس) ثُمَّ (أبولو) لاحقًا (كان هذا الأخير أيضًا إله الشمس في روما)، و(سوريا Surya) إله الشمس الهندوسي.
أمثلة على استخدامات الطاقة الشمسية قبل القرن الـ 19:
أول هذه التطبيقات كانت مُرتبِطة بالهندسة المِعمارية، منذ 6000 سنة في الصين حيث تمَّ استخدام القش في أَسقُف المنازل لإبعاد أشعة شمس الصيف عن المنازل، واختيار اتجاه سليم للمنزل لتحقيق أقصى استفادة من الشمس من أجل الدفء والضوء الطبيعي؛ بتوجيه نوافذ وأبواب غُرف المَعيشة شمالًا بين 20 درجة غربًا و30 درجة شرقًا.
تمَّ استخدام هذه التكنولوجيا بعد آلاف السنين أيضًا من قِبَل المصريين القُدماء والإغريق، وكتب عنها الفيلسوف أرسطو والمُهندِس المِعماري الروماني الشهير فيتروفيوس (80 ق.م – 15 ق.م) في كتابه “De architectura”، أحد الكُتب الأساسية في هذا المجال، تمَّ تطوير هذه التقنية بشكل أكبر من خلال تطبيق نوافذ كبيرة شفافة مصنوعة من الميكا (mica)، وهو معدن السيليكات اللامع المُتواجِد بنِسَب صغيرة في الجرانيت والصُخور الأُخرى أو الرخام الشفاف أو الزجاج الشفاف، كانت هذه النوافذ تعمل مثل مَصائِد الحرارة الشمسية.
واستُخدِمت الشمس لتبخير مياه البحر للحُصول على الملح لتحضير وحفظ مُختلَف الأطعمة، واستخدم الإغريق والرومان القُدماء المَرايا لتركيز شعاع الشمس لإضاءة المَشاعِل، ومنذ عام 212 قبل الميلاد استخدم العالم اليوناني أرخميدس الخصائص العاكِسة للدُروع البرونزية لتركيز أشعة الشمس وإشعال النار في السفن الخشبية التابِعة للإمبراطورية الرومانية التي كانت تُحاصِر سيراكيوز (وعلى الرغم من عدم وجود دليل على هذا العمل الفذ، فقد أعادت البحرية اليونانية التجربة في عام 1973 وأضرمت النار بنجاح في قارب خشبي من مسافة 50 مترًا).
تطبيقات جديدة للطاقة الشمسية:
بدأ عصر جديد من استخدام ضوء الشمس في عام 1839، حين اكتشف العالم الفرنسي إدموند بيكريل (Edmond Becquerel) التأثير الكهروضوئي عندما كان عمره 19 عامًا فقط، أثناء اختباره لخلية التحليل الكهربائي المُكوَّنة من قُطبين كهربائيين يُوضَعان في محلول مُوصِّل بالكهرباء، ولاحظ زيادة توليد الكهرباء عند التَعرُّض للضوء، وبنى المُهندِس الأمريكي تشارلز فريتس أول خلايا شمسية ضوئية صلبة في عام 1883، ثُمَّ أول مجموعة شمسية على السطح تَجمع بين خلايا مُختلِفة في مدينة نيويورك، كانت هذه الخلايا المُبكِرة -المَصنوعة من عنصر مُكلِّف يُسمَّى السيلينيوم- باهظة الثمن وغير فعَّالة، لم يَكُن لدى عُلماء الفيزياء آنذاك فكرة حقيقية عن كيفية عملها، والتي تَتطلَّب بصيرة العالِم الفَذ ألبرت أينشتاين في نظريته التي نشرها في ورقة بحثية وتقنية عام 1904 تشرح التأثير الكهروضوئي.
ولكن في عام 1954، وُلِدَت تكنولوجيا الطاقة الضوئية في الولايات المُتحِدة، عندما طَوَّر داريل شابين (Daryl Chapin) وكالفين فولر (Calvin Fuller) وجيرالد بيرسون (Gerald Pearso) الخلايا الضوئية السيليكونية (PV) بمُختَبَرات ألكساندر جراهام بيل (Bell Labs)، أول خلية شمسية قادرة على تحويل ما يكفي من طاقة الشمس إلى طاقة لتشغيل المُعدَات الكهربائية اليومية.
أنتجت معامل بيل خلية شمسية من السيليكون بكفاءة 4%، وحققت في وقت لاحق كفاءة بنسبة 11%، وأكثر فاعلية بمقدار 15 مرة عن السيلينيوم.
كانت هذه الخلايا الكهروضوئية الجديدة من السيليكون مُهِمة بالنسبة للأقمار الصناعية -كان القمر الصناعي الأمريكي فانجارد 1 (Vanguard 1) أول مَن استخدمها- حيث حمل ستة ألواح شمسية إلى مدار في عام 1958، الشمس تُشرق دائمًا في الفضاء ووفرت ملايين الدولارات من الوقود، ولكن الطاقة الشمسية الكهروضوئية كانت مُكلِّفة حيث أنتجت ألواح “فانجارد 1” الشمسية نصف واط بتكلفة لا حصر لها من آلاف الدولارات، بحلول مُنتصَف سبعينيات القرن العشرين كانت تكلفة الألواح الشمسية قد انخفضت إلى 100 دولار للواط -لكن هذا لايزال يعني 10000 دولار من الألواح لتشغيل المِصباح الكهربائي- ومع ذلك استمرت التكلفة في الانخفاض حتى عام 2016، أصبح سعرها 50 سنتًا للواط ولايزال سعرها يتراجع بسرعة.
بعد آلاف السنين من التَقُدم البطيء، شهدت تكنولوجيا الطاقة الشمسية تَسارُعًا كبيرًا، وربما نرى هذا التَسارُع بشكل أكبر في السنوات القادمة.
كتابة: حمَّاد بن عيسى
مراجعة: محمود وحيد
تحرير: أسماء مالك
تصميم: عاصم عبد المجيد