لماذا الخرسانة الرومانية ذات الـ 2000 عامًا أفضل بكثير مما نُنتجه اليوم؟
سلامة هياكل الميناء الخرسانية الرومانية مُثيرة للإعجاب -كالأرصفة ومكسر الأمواج- وأحد الأسرار الرائعة في روما القديمة، لا تزال هذه الهياكل قائمة منذ 2000 عام -بل وتزداد صلابة-، في حين أنَّ الهياكل الخرسانية البحرية الحديثة تنهار في غضون سنوات أو عقود على الأكثر.
لقد اكتشف العلماء في دراسة نُشِرَت بمجلة “American Mineralogist” عام 2017 الكيمياء المُذهِلة التي تقف وراء هذه الظاهرة، واقتربوا من معرفة وصفتها المفقودة منذ زمن طويل، بقيادة العالمة الجيولوجية ماري جاكسون (Marie Jackson) من جامعة يوتا (University of Utah) الأمريكية، قام الباحثون بتخطيط البنية البللورية للخرسانة الرومانية، واكتشفوا بدقة كيف تتصلب وتزداد قوة بمرور الوقت.
عادة ما يتم تصنيع الخرسانة الحديثة من الأسمنت البورتلاندي (Portland cement)، وهو مزيج من رمل السيليكا والحجر الجيري والطين والطباشير وغيرها من المُكونات المُذابة معًا عند درجات حرارة عالية، ولتكوين الخرسانة تُمزَج العجينة ككل مع قطع من الصخور والرمال، يجب أنْ يكون هذا المزيج خاملًا؛ لأنَّ أي تَفاعُل كيميائي غير مرغوب فيه يُمكِن أن يُسبِب تَشقُقات في الخرسانة، مما يُؤدي إلى تَآكُل الهياكل وانهيارها، وهذا هو السبب في أنَّ الخرسانة لا تُعمِّر كالصخور الطبيعية، ولكن هذا لا يحدث للخرسانة الرومانية.
تتكون الخرسانة الرومانية من الكيكليميوم (quicklime) أو أكسيد الكالسيوم والرماد البركاني، عندما تدخل مياه البحر في شقوقها فإنَّها تتسبب في تَفاعُل كيميائي يُقوِّي الخرسانة فعليًا، تُعرَف المعادن المُسمَّاة Al-tobermorite وphillipsite كمادة ترشح السائل الغني بالمعادن، والذي يتصلب بعد ذلك ويُعزِز الخرسانة ويجعل الهياكل أقوى، وتُصرِّح الباحثة جاكسون: “ابتكر الرومان خرسانة تشبه الصخور وتزدهر في تَبادُل المواد الكيميائية المفتوحة مع مياه البحر”.
لكن هناك مُشكلة واحدة فقط، لا أحد يعرف بالضبط كيف تمَّ تصنيع الخرسانة، تقول ماري جاكسون في بيان صحفي: “لقد فُقِدَت الوصفة تمامًا”، لكن التحليل الكيميائي في العصر الحديث يُمكِن أنْ يُساعِد الباحثين على إعادة هندسة العمليات والمواد التي كَوَّنت الخرسانة منذ زمن بعيد، إعادة إنشاء المادة القديمة يكون بإعادة تصميمها بناءً على ما نعرفه عن خواصها الكيميائية، وليس الأمر كما لو كنا نستطيع استبدال الأسمنت العالمي بجميع الأشياء التاريخية، لأنَّه ليس في كل مكان يُمكِننا الوصول إلى المُكونات البركانية الصحيحة.
هذه أخبار سارة للمُهندسين المُكلَفين بمُعالَجة مسألة ارتفاع مُستوى سطح البحر المُحيِّرة وسكان المدن الساحلية، ترتفع المُحيطات بسرعة أكبر من أي سرعة مُوثَّقَة من قبل بسبب التَغيُر المناخي، وهذا يعني أنَّه سيكون هناك تركيز مُستمِر على الجدران البحرية للحِفاظ على سلامة المُجتمَعات القريبة من الشواطيء.
كتابة: حمَّاد بن عيسى
مراجعة: آيات أحمد
تحرير: أسماء مالك
تصميم: عاصم عبد المجيد
