الطب

الذكاء البيولوجي 2

تكلمنا في مقال سابق عن الذكاء البيولوجي الخلوي “هنا” وذكرنا أمثلة عليه من خلايا الإنسان كالخلايا المناعية والعصبية وغيرها وتناولنا أمثلة عن بعض الوظائف الذكية التي يُمكن لتلك الخلايا القيام بها ومنها التواصل مع الخلايا الأخرى ومعرفة مواقعها وإرسال واستقبال المعلومات والإشارات المختلفة. يمكننا من خلال المقال السابق صياغة مفهوم للذكاء البيولوجي كالآتي: هو قدرة الخلايا على التعامل مع الظروف والعوامل المحيطة بشكل مناسب والقيام بأداء وظائفها المختلفة بدقة باستخدام أساليب وميكانيكيات مختلفة.

في هذا المقال سوف نتناول مثال آخر على الذكاء الخلوي وهو البكتيريا والميكروبات.
الغالبية العظمى من الكائنات المتواجدة على الأرض هي من الكائنات وحيدة الخلية (البكتيريا والميكروبات المختلفة)، العديد منها غير مُسماه حيث أن أنواع قليلة خضعت للدراسة والبحث والتي أظهرت قدرات ملحوظة. العديد من تلك القدرات هي قدرات فيزيائية مثل تحمُّل الظروف الصعبة ودرجات الحرارة العالية والقدرة على الحياة لمئات السنين. لكنها أظهرت أيضًا سلوكًا يبدو ذكياً بشكل واضح، يختلف هذا السلوك عن الوعي والإدراك في البشر حيث أن الخلايا المُفردة عموما لا تمتلك جهازًا عصبيًا خاصًا بها، يمكننا وصف هذه الخلايا البكتيرية ب “كومبيوتر بيولوجي” حيث أنها تمتلك الماكينات التي تمكنها من معالجة المعلومات.

لا شك أنه من المهم “طبياً” دراسة جوانب الذكاء في الخلايا البكتيرية وكيفية قيامها بوظائفها المختلفة حيث أن العديد من هذه البكتيريا قد تكون مُسبّبة للأمراض.

*التواصل:

تستطيع البكتيريا أن تتواصل فيما بينها عن طريق المواد الكيميائية التي تُفرزها، أحد الأمثلة على ذلك بكتيريا تُدعى البكتيريا العصوية الرقيقة “Bacillus subtilus”، في حالة تواجد أعداد من هذه البكتيريا في منطقة قليلة الغذاء فإنها تُطلق مواد كيميائية تخبر الخلايا الأخرى المجاورة: “لا يوجد غذاء كافي، انصرفوا من هنا وإلا سنجوع”، تستجيب الخلايا لهذه الرسائل الكيميائية وتضع نفسها في موضع أبعد.

*صناعة القرار:

العديد من الكائنات وحيدة الخلية تستنبط عدد الخلايا الأخرى -من نفس نوعها- المتواجدة في المنطقة المجاورة. كلٌ منها على حدا تُفرز مواد كيميائية في المنطقة المحيطة، يمكن أن تتعرف الخلايا نفسها على هذه المواد بواسطة مستقبلات على غلافها الخارجي. في حالة تواجد الكثير من الخلايا (البكتيريا) تُفرز جميعها نفس المواد والتي عند وصولها إلى مستوى معين تؤدي إلى التغيُّر المطلوب في سلوك البكتيريا؛ عادةً ما تُستخدم هذه الطريقة في البكتيريا المُسبِّبة للأمراض عندما تقرر متى تطلق هجومها على المضيف، بمجرد أن تتجمع بأعداد كافية للتغلُّب على الجهاز المناعي تطلق هجومها بشكل جماعي على الجسم، قد يمكننا محاربة البكتيريا بالتشويش على هذه الإشارات “المواد الكيميائية”.

*تسريع الطفرات:

يمكن للعديد من أنواع الميكروبات أن تسرِّع من حدوث الطفرات في جيناتها، يسمح لها ذلك بالحصول على قدرات جديدة تساعدها في الظروف الصعبة. من الأمثلة على ذلك بكتيريا إشيريشيا كولاي “E .coli” والتي تمتلك معدل طفرات سريع عند التعرُّض للظروف المضغوطة وأيضًا الخميرة. من الجدير بالذكر أن هذه الطفرات تعتبر ركيزة أساسية في وسائل الدفاع لدى البكتيريا حيث قد تتسبَّب في حدوث مقاومة المضادات الحيوية “bacterial resistance”.

*التعلم والذاكرة:

نوع من الأميبا يسمي “amoebea dictyostelium” عند بحثها على الغذاء على سطح الطبق المزروعة عليه تصنع دورانات متتالية، في حالة انعطافها يميناً في اتجاه الدورة الأولى، تنعطف يساراً في الدورة التالية والعكس حيث أنها تتذكر الاتجاه الذي دارت فيها خلال الدورة السابقة، يمتلك الحيوان المنوي البشري هذه الخاصية أيضًا. العديد من الأمثلة الأخرى على التعلم والذاكرة مثل بكتيريا الإكولاي التي تُكوِّن ذاكرة عن السكريات التي تهضمها وتغير سلوك جهازها الهضمي تبعًا لنوع السكر المُتوافر.

كل هذه السلوكيات التي تناولناها في هذا المقال ماهي إلا نبذة عما تستطيع أن تفعله الكائنات وحيدة الخلية والعديد من سلوكياتها لا زالت غير معروفة إلى الآن.

المصدر 

 

كتابة: عبدالله طاهر

مراجعة: ياسمين محمد 

تصميم: أمنية عبدالفتاح

تحرير: نهى عمار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى