مكتبة الإسكندرية.. من المسؤول عن تدميرها؟
صرح واسع مُلأ بالمعرفة، أحد أشهر المكتبات في العصور الكلاسيكية القديمة [مكتبة الإسكندرية]، تأسست على يد ديميتريوس (Demetrius of Phaleon)، وهو سياسي من أثينا سقط وفرّ إلى مصر، حيث لجأ للملك بطليموس الأول أحد ملوك البطالمة -تولى عرش مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر في بابل عام 323 ق.م- وقد أُعجب بمعرفة ديميتريوس الواسعة، وتعلمه العميق، وكلفه بإنشاء المكتبة، وكانت المكتبة تنتمي لمؤسسة للتعليم العالي، وأُنشأت لتكون مرجع للباحثين الذين أجروا أبحاثًا في المتحف.
ما يقارب المليون وثيقة من بلاد فارس وآشور واليونان والهند ومصر، والعديد من الحضارات العريقة الأخرى كانت تقبع في رفوف مكتبة الإسكندرية، ولكن لم يُعثر عليها، وتحدّثت السجلات التاريخية عن اختفاء تلك الوثائق بعد تدمير المكتبة، جمعت مكتبة الإسكندرية أهم الكُتَّاب والمفكرين والعلماء من جميع الحضارات، وما يصل إلى 700000 مخطوطة ملأت رفوفها، ولكن في واحدة من المآسي الكبرى في العالم الأكاديمي، ضاعت المكتبة واندثر منها كمٌّ كبير، ولا يزال العلماء غير قادرين على الاتفاق على كيفية تدميرها.
ولكن قبل أن نعرف بعض روايات تدميرها، لما لا نأخذ جولة سريعة عن مكتبة الإسكندرية وبدايتها؟
كيف بدأت مكتبة الإسكندرية؟ وعلامَ احتوت؟
بدأ التفكير في تنفيذ مكتبة عالمية كـ “مكتبة الإسكندرية” بعد أن بدأ العقل اليوناني في تصور رؤية عالمية أكبر، إذ أُعجب الإغريق بإنجازات جيرانهم، وسعى العديد من المثقفين اليونانيين إلى المعرفة، وهناك أدلة أدبية على زيارة أفراد من اليونان لمصر على وجه الخصوص، مثل هيرودوت، أفلاطون، ثيوفراستوس وإودوكسوس.
ونظرًا لتعطش الإغريق الشديد للمعرفة، بدأ الإسكندر في تأسيس مشروعه العالمي في عام 334 ق.م، وتم إنجازه بسرعة فائقة حتى وفاته المفاجئة عام 323 ق.م، وكان لديه هدف، ليس فقط غزو الأراضي البعيدة عن مقدونيا مثل الهند، بل استكشاف تلك الأراضي، وكان يطلب من رفاقه وعلمائه وجنرالاته أن يقدموا تقريرًا مفصلًا عن تلك المناطق، ولقد نجت تلك التقارير التي كان يحصل عليها الإسكندر بعد وفاته وحققت طفرة غير مسبوقة للبحث العلمي، ودراسة الأرض وخصائصها الفيزيائية الطبيعة وسكانها.
وقد كان تحت تصرف ديميتريوس ميزانية كبيرة ليجمع كل الكتب في العالم قدر استطاعته، ونفذ هدف الملك، وتحدث إيريناوس عن رغبة بطليموس في تجهيز مكتبته بكتابات جميع الرجال، وكان أكبر قدر من المواد كُتِب باللغة اليونانية، وكانت كتب أرسطو من المقتنيات الرئيسية في المكتبة وقد تم شراؤها مقابل مبلغ كبير من المال، وقِيل أيضًا أن كتب أرسطو انتقلت على التوالي من خلال أيادي مختلفة حتى صادرها “Sulla” الذي نقلها بعيدًا عن روما.
قصص تدمير مكتبة الإسكندرية
تداولت القصص التى لجأوا إليها البطالمة في البحث عن الكتب، مثل تفتيش كل سفينة تبحر في ميناء الإسكندرية، ومن ثم يأخذون تلك الكتب للمكتبة.
تكشف قصة أخرى -ذكرها جالينوس عن أبقراط- كيف تمكن بطليموس الثالث من الحصول على النصوص الأصلية لشعراء الدراما العظماء، وحفظ النصوص في أرشيفات الدولة الأثينية، ولم يُسمح بإعارتها لأحد، ومع ذلك، أقنع الملك حكام أثينا بالسماح لهم باستعارتها من أجل نسخها، وإيداع مبلغ كتعهد منه لإعادتها، وكان يحتفظ الملك بالأصول ويرسل النسخ مع ترك العهد.
تم استكمال تلك الطرق غير النظامية في تجميع الكتب من أماكن مختلفة، خاصة أثينا ورودس، فكان بهما أكبر أسواق الكتب في ذلك الوقت.
من اللغات غير اليونانية، كان للمصريين القسم الأكبر، إذ يُقال إن بطليموس الأول شجع الكهنة المصريين على تجميع سجلات لتقاليدهم وتراثهم، وجعلها متاحة للاستخدام من قِبل العلماء اليونانيين ورجال الأدب الذين دعاهم للعيش في مصر.
والآن دعنا نعرف كيف دُمرت، في الواقع ليس هناك حادثة مؤكدة تروي تدميرها، لذلك عزيزي القارئ، سنعرفُ بعض الروايات -ليست صحيحة ولا خاطئة، لا نعرف- ولكن تعالى معنا لتقرأ بعضها.
- الرواية الأولى:
أحد الروايات المثيرة هي تلك التي توضح أن يوليوس قيصر هو الذي دمرها عن طريق الخطأ، حينما حاصر الإسكندرية عام 48 قبل الميلاد، وعندما حاول العدو أن يقطع أسطول يوليوس قيصر، اضطر لصد ذلك الخطر بالنار، ودُمرت المكتبة، ولكن تم التشكيك في صحة تلك الرواية، إذ أن المتحف في الإسكندرية كان بجوار المكتبة، ولم يحدث له شيء! كما تم ذكرها من قِبل الجغرافي سترابو بعد حوالي 30 عام من الحصار، ومع ذلك، لم يذكر سترابو أن المكتبة نفسها قد أُتلفت، وقيل أيضًا أنها لم تكن المكتبة نفسها، وأن المستودعات القريبة من الميناء هي التي دُمرت أثناء الحصار.
- الرواية الثانية: المسيحيون
قيل أنه من المحتمل أن الجاني الثاني هم مسيحيو القرن الرابع الميلادي، ففي عام 391 م، أصدر الإمبراطور ثيودوسيوس مرسومًا يحظر الممارسات الوثنية، وهكذا دُمر معبد السيرابيوم أو سيرابيس في الإسكندرية، وتحول إلى كنيسة للمسيحيين، ففي عملية التحويل هذه، يُعتقد أن العديد من الوثائق أُتلفت، وأنها مُتعلقة بالمكتبة وتمثل عشرة بالمائة منها.
فلم تذكر أي مصادر قديمة أنه تم تدمير المكتبة خلال تلك المدة بالذات، وبالتالي، لا يوجد دليل على أن المسيحيين هم من فعلوها.
- الرواية الثالثة: المسلمون
ففي الرواية الأخيرة، يتم توضيح أن مُرتكب تلك الجريمة هو الخليفة المسلم عمر بن الخطاب، حيث سأل “جون غراماتيكوس” الجنرال المسلم المنتصر عمرو بن العاص عن الكتب التي في المكتبة الملكية، فيكتب عمرو لعمر للحصول على التعليمات؛ فيجيبه عمر: “أنه إذا كانت تلك الكتب متفقة مع القرآن فلا حاجه لنا بها أما إذا كان هؤلاء مخالفون للقرآن، فدمروهم”.
تلك القصة بها مشكلتان، الأولى وهي أنه لا يوجد ذكر لأية مكتبة، فقط قال الكتب، والثانية هي أن من كتب القصة هو كاتب مسيحي سوري، فربما اُخترعت لتشويه صورة عمر.
يظل الغموض!
من سوء الحظ أن علم الآثار لم يساهم في حل ذلك اللغز، فلم يتم العثور على ورق البردي في الإسكندرية سوى نادرًا، ربما يرجع ذلك للظروف المناخية، وأنه لم تُكتشف بقايا المكتبة نفسها، والسبب المرجح أنه لا يسمح سوى لعلماء الآثار بإجراء الحفريات الإنقاذية، وأن الإسكندرية لا تزال مأهولة بالسكان إلى يومنا.
وفي النهاية، ربما لم تشتعل النيران بالمكتبة، إذ أُنشئت المكتبة لعرض ثورة البطالمة، فمن الممكن أن يكون تدهورها مرتبطًا بتدهور اقتصادي؛ لانحدار مصر البطلمية على مر العصور.
كتابة: آية ياسر
مراجعة: نهال المغربي
تدقيق لغوي: شدوى محمود